لعلكم تلاحظون معى، أن أخبار الوفيات قد عادت بقوة إلى الصفحات الأولى بالصحف.. وكان انتقال الوفيات إلى الصفحات الأولى قد أثار انتباه الناس منذ سنوات الديكتاتوريات الأولى فى منتصف القرن الماضى فى أعقاب الحرب العالمية الثانية.. وحكاية انتقال الوفيات للصفحة الأولى كانت مثار نكتة قاسية.. تقول النكتة إن مواطنًا فى بلد يحكمه ديكتاتور كان يذهب كل يوم إلى بائع الصحف.. ويدفع ثمن جميع الصحف.. ثم يطوف ببصره فى الصفحة الأولى ويرمى الصحف وينصرف. لاحظ بائع الصحف ذلك فقال: يا أستاذ أنت تفعل كذا من حوالى شهر.. فما الذى تبحث عنه؟.. قال: الوفيات.. رد بائع الصحف: ولكن الوفيات ليست فى الصفحة الأولى.. فقال المواطن: إن الذى أتمنى موته سينشر خبره فى الصفحة الأولى!. وصلت النكتة إلى الديكتاتور.. فلم يهتم.. وعندما عرف أن النكتة تتردد، وأن الناس تضحك عليها من الأعماق حتى تستلقى على قفاها، غضب بشدة.. وعَلَّق فى أسى وحزن: هل يتمنى الناس موتى إلى هذه الدرجة.. ومع ذلك لم ينعدل حاله ولم ينصلح.. لأن الديكتاتور لا يتغير، مهما قالوا عنه من نكت. وفى أجهزة أى ديكتاتور جهاز خاص للنكت.. يجمع ما يقال من نكت ضد أعدائه.. والنكت المصنوعة بايخة عادة لا يضحك لها المصريون.. لأنهم يحبون النكتة: "الحريفة الحراقة" التى تدغدغ العقل والقلب.. وهم يقولون النكتة عبارة عن "قفشة" ثم توضع لها "فرشة".. وفى وقت من الأوقات كانت السفارات الأجنبية فى القاهرة تصنع النكت.. وترويها.. وكان المصرى يدرك الفرق بين النكتة المصرية الطبيعية والأخرى المصنوعة.. ولذلك توقفت السفارات عن هذه اللعبة لأنها أصبحت مكشوفة.. وكانت بريطانيا وقت الحرب العالمية الثانية تؤلف النكت لرفع معنويات الجنود الإنجليز.. وكانت تنشرها فى كتب صغيرة توزع فى المعسكرات.. ومع ذلك لم يضحك لها غير الإنجليز.. وكان الإنجليز يستعينون ببعض المصريين فى وضع النكتة.. وفى عصر السادات استغل السوفيت عددًا من الشيوعيين المصريين لوضع نكت وترويجها ضد السادات.. ولكنها كانت بايخة وباردة لها نفس غتاتة وبرود الشيوعيين.. ولذلك لم تنتشر وسقطت تمامًا.. كما سقطت الشيوعية نفسها.