يتفرد المصريون دون شعوب العالم في تأليف النكت، وكثيرا ماتولد النكتة من رحم الموقف في الحال سواء كان موقفاً يستحق الشفقة أو السعادة، المهم انه عادة مايرتبط بنكتة، والانقح أنها تضحك ضحك السنين..حتى أنك قد تبصم بالعشرة أن مايطلقه المصريون من نكات ماهو سوى تراث شعبي مصري يضرب بعراقته في أعماق التاريخ العريق وليس من تأليف العامة،ويدهشك المصريون بأنهم غالبا ما ينكتون على ذاتهم ولا يكتفون بإطلاقها على الغير. ويرى بعض المنظرين والمتخصصين في قالب الكوميديا ان المصريين "شعب ابن نكتة" وقادر على السخرية من نفسه وتحويل ما يعاني منه، إلى نقد أدبي شعبي تلقائي مضحك. ولا يعرف أحد أيضاً على وجه التحديد، متى بدأ المصريون في صناعة النكتة، وإن كانت بعض الدراسات الاجتماعية المتخصصة، ومن بينها دراسة مهمة ل”كارول أندرو” الخبيرة الشهيرة في علوم المصريات بمتحف لندن، تقول إنها تضرب بجذورها إلى العصور الفرعونية الأولى . وتدلل أندرو على ذلك بما عثر عليه في العديد من البرديات القديمة التي تؤكد أن أول نكتة سياسية مدونة ظهرت في العالم، خرجت من مصر قبل الميلاد بنحو 1600 عام، بعدما عثر عليها مدونة على ورق بردي فرعوني، يعود تاريخه إلى سنة 3200 قبل الميلاد. فسرعة وصول الرسالة عبر النكتة الساخرة على لسان رجل الشارع العادي في قالبها الكوميدي، سواء "كاريكاتير" أو "نكتة" أو "أغنية" أو حتى "مشهد تمثيلي"، قد تختصر مسافات طويلة في مضمون توصيل الرسالة لمن يهمه الأمر، فنكتة واحدة ساخرة ولاذعة قد تختصر خطباً كاملة ومؤتمرات دولية، يسهب المحاضرون فيها في الأفكار والخطط والاستراتيجيات، فالرجل العادي بمعايشته للحدث ونبض الشارع وإحساسه بالموقف، الأقدر على التعبير عما يجول في خاطره عن المسؤولين الذين يفضلون البقاء جالسين على كراسيهم الوثيرة في أبراجهم العاجية. وما يشهده الشارع المصري من نكات ما بعد ثورة 25 يناير قد تكون الفترة الأشهر في إطلاق النكات ذات الطابع السياسي والاجتماعي،والمتفحص في اغلبها يجدها تعكس نبض الجماهير وما نعانيه في فترة مخاض طالت وآلامها خرجت للجسد بعدما كانت محصورة في مكان الألم فقط، ولعل جموع الشعب هم الأقدر على الإحساس بآلامهم وما يواجهونه من تحديات هم أقدر على توصيلها للمسؤول. فبمجرد انتهاء المرحلة الأولى من الانتخابات التشريعية لأول برلمان ما بعد الثورة وصبت في صالح الأحزاب الدينية،انتشرت النكات تلسع كلسع البرد القارص في مصر هذه الأيام ومنها..عن أغنية عمرو دياب أنا أكثر واحد بيحبك ستتحول إلى أنا أكثر واحد بيصلي، برنامج مدحت شلبي مساء الأنوار هايبقي مساء الإيمان..! والأغنية الشعبية بشويش عليا أنا وحدانية هاتتحول إلى بشويش عليا أنا اخوانية..!،وأغنية شعبولا هابطل السجاير من أول يناير وأكون إنسان جديد .. إلى هابطل السجاير من أول يناير وأجيب إسدال جديد..! وألبس جلباب قصير ..! وهذا قليل من كثير من ثورة النكات التي أطلقها المصريون على مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر، إضافة إلى تعليقاتهم على مواقع الصحف من خلال المقالات والأخبار المنشورة على صفحاتها الالكترونية وهذا يعكس مدى مقدرة هذا الشعب على معايشة اللحظة في أحلك الظروف، والنكات كثيرا ما أرقت زعماء كبارا لعل أشهرهم على الإطلاق الزعيم الراحل جمال عبد الناصر عقب نكسة 1967 وبسببها ألقى الزعيم الراحل خطاباً محذرا من تثبيط همم الجنود المصريين بعد النكسة،كما يأتي الساخر الايطالي سيسيرو ونكاته الساخرة التي كان يطلقها في شوارع روما إبان فترة حكم "يوليوس سيزار" الدكتاتور الشهير للمدينة حتى انه كان يتعقبه بإطلاق "البصاصين" أي الجواسيس وراءه ليوقفوا جماحه النكتي الثورجي. كما يرى الكاتب العالمي جورج أورويل.. النكات بأنها «ثورة صغيرة»... ويقول عنها رائد مدرسة التحليل النفسي سيغموند فرويد إنها «محاولة قهر القهر». وهي كما يقول عنها الكاتب مجدي كامل "قنبلة نووية متجددة الانفجار، ليس لها ولن يكون لها مثيل في أي ترسانة سلاح، ما إن تنفجر في مكان حتى تنتشر بسرعة البرق في شتى أنحاء البلاد". وتبقى النكتة إبداعا فنيا وليد اللحظة يخلقها الإنسان المصري من رحم الموقف،يتساوى في ذلك المتعلم والجاهل حتى في أحلك ظروفنا.