" الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً. قَيِّما...ً﴾ أَيْ مُعْتَدِلًا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، ماذا بعد الحق إلا الضلال أي هو طريق معبد واحد لا ثاني له " لايستقيم الظل والعود اعوج ، استقم كما امرت ومن تاب معك .... هكذا جاء الوحي من السماء لإقامة العدل في الأرض ، وهداية القوامة لأهل الارض ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ وعدم التأثر بالرأي والهوى أو الميل مع المشاعر والأهواء حتى مع المخالفين ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ ولهذا كان المؤمنون بهذه الرسالة بحق أحرص الناس على هذه الاستقامة، وأبعد الناس من التلون وأنحي الناس عن الالتواء، وأكثر الناس اجتهادا في حماية حقوق الجميع بمن فيهم المخالفون . أما الذين استحبوا الدنيا وصدوا عن الاخرة هم في عوج بل هم العوج نفسه كيف ؟ ﴿الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيد﴾ أيْ يلتمسون الاعوجاج فِي دين الله ويَطْلِبُونَ غير سَبِيل القَصْدِ، يريدون أن يحدثوا فيها عوجا وانحرافا ليصرفوا الناس عنها ، ويجتهدون في إِلْقَاء الشُّكُوكِ وَالشُّبُهَاتِ فِي قلوب الناس بِكُلِّ مَا يَقْدِرُون عَلَيْهِ مِنَ الْحِيَلِ، ويسعون فِي صَدِّ الناس وَمَنْعِهِم مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْمَنْهَجِ الْقَوِيمِ وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، ويريدون زيغًا وميلا في كل الأمور، ويتعمدون تحريفًا للحقائق وتزييفا بالكذب لِمُوَافَقَةِ أَهْوَائِهِمْ، وَقَضَاءِ حَاجَاتِهِمْ وإنفاذ َأَغْرَاضِهِمْ، يتنفسون في أجواء الانحراف والفساد فينحازون للشطط في كل الاتجاهات ، ينشرون القتل ويبثون الرعب وينسجون الارهاب يظنون ان ذلك يساعدهم على تحقيق رغباتهم، لأنهم لا يملكون رغبات سوية أو حجج قوية أو أهداف توافقية ، غير نهب المقدرات ، تعميق الجراحات و الكسب الحرام، واستغلال الناس والغش والخداع ، والاستبعاد والاقصاء ، لا يملكون أن يصلوا في نور الإيمان بالله، وفي ظل الاستقامة على هداه. ومن ثم يصدون الناس عن سبيل الله، ويبغونها عوجاً لا استقامة فيها ولا عدالة. ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ. أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ﴾. خالفوا بذلك الفطرة و الطبيعة و الشريعة، بينما ترى أن من أوجب واجباتها وأهم مهماتها محاربةَ كلِّ دعوات الإصلاح ﴿يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ﴾، وأعجب من ذلك أنهم يحاولون ترويج أنفسهم على أنهم مصلحون ، وربما صدقوا كذبهم على أنفسهم واتهموا أصحاب الاصلاح بالسفاهة ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ﴾ وهم اكثر الناس تشويها وتسفيها وتحريضا ، يحرضون جماهير الأمة للإنتقام من دعاة الإصلاح، كما فعل فرعون حين قال ﴿ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ﴾ وحيثيات التحريض الذي قام بها ﴿إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الفَسَادَ﴾. إن من نكد الزمان أن يرفعَ راياتِ الإصلاح زعيمُ المفسدين، أو أنْ ترفع راياتِ الفضيلة والعفة تشكيلات البغاة والطغاة ، هذا ما حدث في كثير من فترات الزمان وللازال يحدث حتي الان ..!! ، ففرعون الذي وصفه الله بأنه ﴿كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ﴾ هو الذي ينادي الجماهير إلى اتباعه؛ بدعوى أن موسى عليه السلام يريد أن يُظهر في الأرض الفساد! وأعجب العجب أن يستجيب بعض الناس لهذا العوج كما فعل الملأ من قوم فرعون حين دعاهم ﴿فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾، فكانت النتيجة هلاكه وهلاكهم ﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى﴾ . رغم انه قال يوما في شطط كبير حيث كان يحرض الجماهير الا تقرب من موسي عليه السلام " قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى "(طه:71) لكن هل قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ؟ هل صلبهم في جذوع النخل ؟ هل نجح في الفصل بينهما ؟ بل هل بقي هو ومن معه ؟!! كلا وأنما ذهب مع حاشيته ملعونا في دنياه مقبوحا في أخراه مطرودا من رحمة الله " وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ "( القصص:42) أما الدعاة الي الله ظلوا يقرأون القرأن ، ويتسلحون بالإيمان ، وينشرون الاحسان إلي بقاء و دائما في نعماء كيف ؟ سحرة فرعون حولهم الإيمان من عبيد له إلي أسياد يتحدونه قائلين " فاقض ما أنت قاض إنما تقضى هذه الحياة الدنيا * إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى" (طه:72-73 ) ونحن نتعبد بموقفهم في القرآن تلاوة وترتيلا ، عزا ونصرا ، حفظا ونجاة ، حياة وثباتا ..!!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.