وصف محللون سياسيون ومراقبون تصريحات الرئيس مبارك التي أكد فيها أن ولاء الشيعة في الدول العربية هو لإيران وليس لدولهم ، بأنها تصريحات غير موفقة وبعيدة كل البعد عن الدبلوماسية في هذا التوقيت الذي يعاني منه العراق من تصاعد في الحرب الأهلية والعنف الطائفي بين السنة والشيعة بما لا يصب في مصلحة العراق ، كما أنها تصريحات عفوية وإن كانت تعكس الواقع حيث يتعاطف الشيعة مع إيران كما أنها تعكس قلق الأنظمة العربية من مخطط إقامة دولة شيعية في العراق. وكان الرئيس مبارك قد أكد في مقابلة مع قناة العربية الفضائية أن ولاء اغلب الشيعة في المنطقة هو "لإيران وليس لدولهم". وردا على سؤال عن التأثير الإيراني في العراق ، قال مبارك " بالقطع إيران لها ضلع في الشيعة (..) الشيعة 65 بالمائة من العراقيين وهناك شيعة في كل هذه الدول وبنسب كبيرة والشيعة دائما ولاؤهم لإيران. اغلبهم ولاؤهم لإيران وليس لدولهم". واعتبر الدكتور السيد عوض عثمان المحلل السياسي أن تصريحات الرئيس جانبها الصواب ، ومع أنها تعكس حقيقة ما يجري في العراق إلا أنه من شأن هذه التصريحات إشعال وإذكاء روح الحرب الأهلية في العراق ، مشيرا إلى أنه بالفعل وبعد سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين قبل ثلاث سنوات انتهى ولاء شيعة العراق للدولة وأصبح ولائهم لإيران . ولفت عثمان إلى أنه كان على الرئيس أن تكون إجابته أكثر دبلوماسية وتدعو إلى وحدة العراق وسلامة أراضيه وكذلك تدعو إلى جدولة زمنية لانسحاب قوات الاحتلال الأمريكي والبريطاني وأن يكون هناك وجود عربي قوي على الساحة العراقية ، لكن الإجابة العفوية للرئيس أثارت العديد من ردود الفعل الغاضبة لدي الطرف الأخر. واستبعد عثمان أن يكون الهدف من وراء هذه التصريحات هو انخراط مصر فيما يحدث على الساحة العراقية لأنه ليس هناك دور مصري والقيادة السياسية في مصر غير حريصة علي أن يكون لها هناك دور مقارنة بالدور المصري في العديد من الملفات الأخرى وعلى رأسها قضية درافور مثلا أو القضية الفلسطينية ، فضلا عن أن الشعب العراقي أصبح لا يثق في أي دور عربي وخاصة أن العرب هم الذين سهلوا احتلال الأراضي العراقية. واتفق الدكتور عبد الله الأشعل المحلل السياسي ومساعد وزير الخارجية السابق مع الرأي السابق ، وأكد أن تصريحات الرئيس بعيدة كل البعد عن الدبلوماسية ولا تصب في مصلحة القضية العراقية ، وهي تزيد من حالة الاختناق القائمة بالفعل بين أطراف الشعب العراقي سواء كانوا في الشيعة أو من السنة ، موضحا أنه لا يمكن استقراء الأهداف الحقيقة من وراء هذه التصريحات التي قد تكون ذلة لسان في هذا التوقيت الحرج. وأضاف الأشعل أن هذه التصريحات تؤكد تراجع الدور المصري الإقليمي فيما يخص القضايا العربية وعلى رأسها الشأن العراقي وعدم اكتراثها بما يجري في العراق وهذا الدور الذي يتآكل يوما بعد يوم يعرض الأمن القومي المصري للخطر ، معتبرا أنه كان من الأهم المطالبة بانسحاب القوات الأمريكية والبريطانية من العراق مع الحفاظ علي وحدة الشعب العراقي وتجنب شبح تقسيمه. من جانبه ، شدد السفير إبراهيم يسري المحلل السياسي على أن تصريحات الرئيس مبارك غير موفقة بالمرة وليست دقيقة وينقصها الحكمة ولها آثارها السلبية الخطيرة على علاقات السنة بالشيعة ، مؤكدا أنه على افتراض أن كل الشيعة في الدول العربية موالين لإيران هو افتراض محل نظر فهناك العديد من الشيعة العرب الذين يرفضون التوجه الإيراني وبالتالي ولائهم للدول العربية التي يعيشون فيها وهذا ما يجب لفت النظر إليه عند الحديث عن الشيعة والسنة في الدول العربية. ورأى السفير يسري أن هذه التصريحات ربما تكون "زلة لسان" من الرئيس وعفوية لعدم توافر معلومات كافية عن الملف العراقي والخريطة السياسية للعراق لدي القيادة السياسية . واستبعد يسري أن تكون هناك أي تأثيرات لهذه التصريحات على ملف امتلاك إيران للسلاح النووي لأن إيران تدير هذا الملف بحرفية شديدة من خلال المحادثات الدبلوماسية . في سياق متصل ، تواصلت ردود الفعل الشيعية الغاضبة تجاه التصريحات ، واعتبر شيعة السعودية ، في بيان وقع عليه 122 عضوا من الأقلية الشيعية السعودية ، أن تصريحات مبارك تبعث الروح الطائفية من مرقدها بين المواطنين في الأمة العربية وبخاصة في هذه اللحظة الحرجة من حياة الشعوب العربية والإسلامية " وقال البيان " انه ما من مبرر مقبول لمثل هذه التصريحات " . فيما قال الشيخ حسن الصفار رجل الدين الشيعي السعودي البارز إن "ولاء المواطنين الشيعة بالدرجة الأولى والثانية هو لأوطانهم وشعوبهم وهم جزء لا يتجزأ منها." وفي العراق ، أعلنت وزارة الخارجية أن وزير الخارجية هوشيار زيباري أعرب لنظيره المصري احمد أبو الغيط عن استغراب الحكومة العراقية حيال تصريحات الرئيس مبارك ، مشددا على الحاجة إلى معالجتها لتقليل الضرر بطريقة عقلانية وبما يخدم العلاقات الأخوية الراسخة بين الشعبين والبلدين الشقيقين . وفي الكويت ، تبرأ رئيس الوزراء الكويتي الشيخ ناصر الصباح من تصريحات الرئيس مبارك حول ولاء الشيعة لإيران ، مؤكدا أن التصريحات "لا تعني الكويت من قريب أو بعيد". وأضاف " أن التاريخ يشهد لشعبها (الكويت) سنة وشيعة بمواقفهم الوطنية الراسخة والواضحة في الحفاظ على تلاحم نسيجهم الاجتماعي ووحدتهم الوطنية وشريعتهم في السراء والضراء". وأوضح الصباح أن "خير شاهد على ذلك التلاحم الوطني الرائع في وجه العدوان الصدامي الغاشم على دولة الكويت والذي لم يفرق بين شيعتها وسنتها حيث وقف الجميع صفا واحدا سنة وشيعة حاملين السلاح والقلم مضحين بالغالي والنفيس في سبيل الحفاظ على وحدتهم الوطنية وشريعتهم القائمة على عدم التفرقة بين أبناء المجتمع قاطبة". وكان نواب وقيادات شيعية في الكويت نددوا أمس بشدة بتصريحات الرئيس مبارك ، وطالبوا بالاعتذار عنها.