في هذا الأسبوع شهدت مصر مذبحة غير مسبوقة، حيث قام النظام الحاكم بسحق كل قوى المعارضة، وعين من يشاء أعضاءً بمجلسه الديكورى، من خلال مسرحية هزلية كبيرة وقعت أحداثها فى كل أرجاء مصر، وشهدها العالم بالصوت والصورة، أعادت إلى الذاكرة ماحدث فى انتخابات 1979 التى أتت بمجلش تشريعى مزور، وهو نفسه المجلس الذى اختار شخص رئيس الجمهورية وطرحه فى استفتاء عام 1981، واستدعت الذاكرة أيضا الاستفتاء الذى دعا إليه السادات فى 15 مايو عام 1980 لتعديل المادة 77 من الدستور، والتى كانت تقيد مدة الرئاسة بفترتين فقط، فأطلقها وجعلها مفتوحة، وجاءت نتيجة الاستفتاء 99.99 % رغم أن أحدا لم يشارك فيه مطلقا، أى أن تعديل المادة 77 من الدستور كان باطلا، والمجلس الذى طرح حسنى مبارك رئيسا لمصر فى أكتوبر عام 1981 كان باطلا، ومعلوم أن مابنى على باطل فهو باطل، وكل ماترتب على ذلك أضحى فاقدا للشرعية، وعلى مدى تلك السنوات ومصر تعيش فى "حرام دستورى"، أفرخ فسادا لا مثيل له فى تاريخ مصر. ومعلوم أن الضعيف يكون شرسا وعدوانيا، وهذا النظام بلغ من ضعفه أن يجند كل إمكانياته لسحق كل من يقول كلمة حق، فارتكب عام 2000 الجريمة الكبرى بوقفه لنشاط حزب العمل وإغلاق جريدته التى ثبت للعالم أن كل معركة خاضتها كانت بحق، والقضاء أدان وعاقب كل من نددت الجريدة بفسادهم خاصة قيادات وزارة الزراعة. النظام الغير شرعى الذى طاب له الحرام مقاما، فقد اتزانه وبقايا عقله، وارتكب جريمة تاريخية كبرى يوم الأحد الماضى، حين نشر البلطجية ترهب الناخبين، وتزور إرادة الأمة، لسرقة الأصوات، وإنجاح رجاله، ضاربا عرض الحائط بكل الإعتبارات، وكأنه يقول للشعب اللى مش عاجبه يشرب من البحر!!. فى كفر الشيخ وبالتحديد فى دائرة فوة ومطوبس، يوجد شخص أحسبه أشرف النواب فى تاريخ الحياة النيابية فى مصر، ولو كان لدى النظام ذرة عقل، لكان جعل منه مفخرة فى كل بلاد الدنيا، يتباهى بأن فى مصر نائبا مثل محمد عبدالعليم داود، ويحتج به فى المحافل الدولية، لكن لأنه نظام فاسد بكل مفرداته وأشخاصه وسلوكياته، أصبح يرتعد من أن يشوهه شخص نظيف السيرة والمسيرة، يسخر كل طاقاته لخدمة بلده دون انتظار حتى كلمة شكر. اختار أهل دائرة فوة ومطوبس محمد عبدالعليم نائبا عنهم منذ عام 2000، ومنذ ذاك التاريخ أصبح داود رمزا من رموز البرلمان المصرى، كما أصبح بالنسبة لأهالى الدائرة رمزا يدفعون حياتهم للدفاع عنه وافتدائه بالغالى والنفيس، لكن النظام الفاسد القبيح، بدأ يبيت بليل لمحمد عبدالعليم، فأعد سيناريو يعجز مؤلفو الكوميديا عن ابداع مثله، فكانت خطة الحزب القبيح أن ينزل أمامه وجها جديدا، فاختاروا "لواء" ونزل على مقعد "فلاح"، والذى لايعرفه شعب مصر، أن اللواء المنافس لعبدالعليم بدأ الحزب فى عمل الدعاية له كمرشح مستقل وهو مازال فى الخدمة، كضابط ، انتهت خدمته رسميا يوم قبل بدء تلقى طلبات الترشيح بأيام !!، ويقال بعد انتهاء مدة تقديم الأوراق، أى أنه قدم اوراقه وهو مازال فى خدمته التى انتهت رسميا يوم 12 نوفمبر، أى بعد إغلاق باب الترشيح بخمسة أيام، وليس له تاريخ سياسى أو خدمى فى الدائرة، لكنه بالنسبة للحزب الوطنى يتناسب مع الفكر الجديد ابن الجديد. حصل محمد عبدالعليم داود على أكثر من 75% من إجمالى الأصوات الصحيحة فى دائرته، ووصل عدد الأصوات التى حصل عليها قرابة خمسين ألف صوت، لكن النظام الذى بات منزه عن السؤال رأى أن يبقيه ليخوض انتخابات الإعادة ليقضى عليه فى وضح النهار، ومن سيسأل النظام؟؟ فهو نظام فوق المساءلة، ثم أن وظيفة البرلمان الأساسية بجانب دوره التشريعى الرقابة على أداء الحكومة، لكن البرلمان فى مصر، تحت الحكومة، والحكومة هى التى تحدد دوره ونشاطه، فمصر دون كل بلاد العالم، باتت تنتهج نظاما سياسيا فريدا، ليس جديدا بالطبع، لأن النظم الديكتاتورية ضاربة فى القدم، لكنها لم تعد مقبولة فى هذا الزمن، ومع ذلك يصر النظام الحاكم على أن ينتهج منهج النمرود وفرعون والأزمان البائدة. كان محمد عبدالعليم مترددا فى خوض الانتخابات، وأسر لى بذلك أكثر من مرة، فحالته الصحية صعبة، وهو يحمل نفسه بأضعاف طاقتها، فأصبح كشمعة مشتعلة من الناحيتين، لكن ضغوط أبناء دائرته جعلته يرضخ لهم ويترشح للمرة الثالثة، فهو الإبن البار لوطنه الذى يترك فراشه فى ليل الشتاء البارد ويقطع مئات الكيلومترات ليشارك أبناء بلدته كارثة أو مصيبة حلت بهم، وما أكثر الكوارث التى تتوالى علينا فى هذا العهد، الذى باع فيه المواطنون أعضاء من أجسادهم، وباعوا أطفالهم، وباعوا عرضهم لكى يعيشوا، ومن يعجز يقتل نفسه، وهو ما لم يحدث فى أسوأ عصور مصر ظلامية، كعصر المماليك مثلا. محمد عبدالعليم داود، رمز الطهارة والمروءة والشرف، واغتياله اغتيال لبقايا هذه القيم فى مصر، فهو ليس حداثيا ولا علمانيا، وليس ليبراليا ولا ماركسيا، وليس اشتراكيا أو رأسماليا، وليس أى من هذه التيارات التى أنتجتها الصهيونية العالمية، لأنه مصرى وطنى أصيل، وإسقاطه فى هذه الانتخابات رغم نجاحه وبلا مبالغة اعتداء على شرفنا وانتهاكا لعرضنا جميعا، إنه راية الطهر والشرف والنزاهة. محمد عبدالعليم نجح فى الدورتين السابقتين من الجولة الأولى، وبأغلبية ساحقة، وهو ما حققه أيضا فى هذه الدورة، لكن بلطجية النظام المتفرعن لم تعلن نجاحه، ودخلت معه فى مساومات رخيصة، ويبدو أنهم لايعرفون أن داود لا يبيع ولا يهادن حتى ولو كان المقابل تعيينه رئيسا للحكومة، وهو أبيض الثوب، فليس لديه أعمال ولا مشروعات، ولم يستولى على أراضى للدولة، أو يتهرب من الضرائب، أو يتاجر بقوت الشعب، لكن الحزب الذى قدم لمصر نواب المخدرات والقمار والقروض، ونواب سميحة، يرفض أن يقبل بين صفوفه فى البرلمان نائبا شريفا عفيفا. إننى أوجه نداءً إلى كل شرفاء مصر، خاصة القلة النظيفة فى الوسط الإعلامى، أن يكونوا بجوار محمد عبدالعليم داود يوم الأحد القادم، يراقبوا التصويت والفرز، ويتصدوا لبلطجية الحزب الفاسد ويدافعوا بكل ما يملكوا عن محمد عبدالعليم داود، فكل رموز المعارضة الذين أسقطتهم الحكومة فى كفة ومحمد عبدالعليم فى كفة، ووجوده بالمجلس سوف يعوض خسارتنا الفاجعة، فهو زينة مجلس الشعب المصرى، وبدونه لن يكون للمجلس أى طعم، فيا شرفاء مصر .. إذهبوا إلى فوه وكونوا ظهرا لمحمد عبدالعليم الذى لا يملك من حطام الدنيا سوى حب الناس له. [email protected]