فضيلة الدكتور محمد مهدي عاكف، مرة واحدة في ثلاثين عاما ومن بين آلاف المقالات بقلمي قررتُ أنْ انتقد الإخوانَ المسلمين أو على الأقل أُبدي تخوفا من وصولكم إلى الحكم، فنشرتُ مقالا تحت عنوان ( خوفي على مصر من الإخوان المسلمين ). انقلبتْ الدنيا عاليها سافلها، فذاكرة أعضاء الجماعة كذاكرة الجَمَل إنْ ظن أنك أسأت إليه فلن يشفع لك أن تَرْبِت على ظهره أو سنامه قرنا من الزمان، فالذاكرة كثأر الصعيدي في جنوب مصر إلا أن يأتيك الآخر حاملا على يديه كفنه. الآن وأنا أظهر تمنياتي أن يقف الإخوان المسلمون مع الانتفاضة المصرية المباركة أعرض الأمر بحذر شديد فأتباعك، فضيلة المرشد العام، تدفعهم الحساسية إلى اعتبار النقد خصومة، ورفعا للقداسة عن الجماعة، وهجوما على الإسلام، ومن ليس معكم فهو ضدكم! كيف يمكن الحديث معك عن الوطن دون المرور على الدين؟ قلت لنفسي: ولكن الإخوان المسلمين في موقع قوة لا يستهان بها، ولديهم ثمانون عضوا يتمتعون بالحصانة البرلمانية والحظر القانوني، وأتباعهم بعشرات الآلاف أو مئات الآلاف أو بالملايين ولا أحد يعرف، فإذا وقفوا مع الانتفاضة بنفس من حيادية خالصة إلا لمصر فإن الانتفاضة ستنتصر. قالت لي نفسي: ولكن الإخوان المسلمين لم يقفوا مع أحد من قبل، وهم يرون أن جنسية المسلم عقيدته، وتخلوا عن أيمن نور في الانتخابات الرئاسية، وأعطوا ظهورهم لحركة ( كفاية ) فكانوا يتفرجون على متظاهري الحركة يتعرضون لبطش قبضايات النظام ولا يحركون ساكنا. وأردفت نفسي قائلة: والمرشد العام للإخوان المسلمين بإمكانه أن يدعو لعصيان مدني أو اعتصام أو تمرد أو انتفاضة إن لم يقم النظام الفاشي بالافراج الفوري عن كل المعتقلين بدون قيد أو شرط. فلماذا يقف الإخوان المسلمون مع انتفاضة الشعب ويتعرضون لغضب النظامويفقدون امتيازاتهم في مجلس الشعب؟ فضيلة المرشد العام، أكتب إليك وقلبي يتمنى أن يكتشف الإخوان المسلمون فجأة أنهم مصريون لا فرق بينهم وبين الناصريين والأقباط واليساريين والشيوعيين والوفديين والعلمانيين والمستقلين وكل فئات الشعب. ولكن عقلي يقول بأن الإخوان المسلمين لن يقفوا مع أي عصيان أو انتفاضة أو تمرد أو ثورة على الظلم حتى لو حشر النظام نصفهم في المعتقلات، وسيرسلون إشارات خضراء وحمراء في نفس الوقت وعلى الآخر أن يرى اللون الذي يبحث عنه. أحلم، وكل الانتفاضات تبدأ حلما بعيد المنال، أن يرتفع المصريون بقيادة قياداتهم المعارضة والوطنية والسياسية والدينية والحزبية فوق كل الخلافات لتظهر أمامهم حقيقة واحدة هي المواطَنة المصرية. أحلم بانتفاضة ضخمة وشعبية وطاهرة ووطنية يذوب فيها المصريون عشقا في الوطن، ولا ترتفع مصاحف أو صلبان أو صور عبد الناصر أو شعارات تدل على هوية أو دين أو انتماء أو حزب أو مذهب أو طائفة رافعيها، وأن يكتشف المصري الناصري أن وفديا يحميه، ويدافع القبطي عن الاخواني، وأن لا يسأل أحد في الانتفاضة أحداًعن أي انتماء آخر غير الوطن. أحلم بانتفاضة تنتفي فيها مشاعرُ الاستعلاء والكبرياء والخيلاء التي بها كل فئة تظن أنها أفضل من أخرى وأعلى مقاما وأقرب إلى الحقيقة المطلقة، حينئذ تتهاوى رؤوس الفساد التي نهبت الوطن . فضيلة المرشد العام، أعرف أن مريديك وأتباعك لن يروق لهم حديثي، وسيستدعون من الدين اتهامات لم تدر بذهني قط، وسيرفضون التعاون مع الآخرين لأنهم إن عاجلا أو آجلا ستأتيهم مصر طائعة طيعة وتُسلّم لهم زمامها. لكنني استحلفك بالعلي القدير أن تتوقف هذه المرة وتسأل ضميرك وإيمانك ووطنيتك وكل القيم الأخلاقية التي آمنت بها: كيف يأتيك النوم لحظة واحدة وفي سجون مصر ومعتقلاتها ثلاثون ألف بريء ينتظرهم نصف مليون من ذويهم وأحبابهم وأقربائهم ؟ محمد عبد المجي