فرحة الشارع العربي بفوز غانا على التشيك انتهت بصدمة شديدة لم يفق منها الكثيرون حتى الآن، فقد ظلوا يشجعون بحرارة طوال المباراة، ثم فوجئوا بلاعبي غانا يحتفلون بفوزهم رافعين العلم الاسرائيلي! زميلي الصحفي الفلسطيني اسلام الريس نقل لي لقطة أكثر تعبيرا عما حصل، من بيت اسرته حيث التف والده واخوته أمام جهاز التليفزيون يتابعون المباراة، وقد انقسموا في البيت ما بين مشجع للتشيك لأنهم دحروا الأمريكيين بالثلاثة، وما بين مشجع لغانا وعلى رأسهم والده لأنها من دول العالم الفقير، أفريقية، لا يزال اسم زعيمها الذي قادها الى الاستقلال "نكروما" لصيقا بالذاكرة، فقد قاد حركة التحرر الوطني ضد الاحتلال الانجليزي لتحرير بلاده التي كان يطلق عليها الانجليز اسم "ساحل الذهب" ثم تغير في عام الاستقلال 1957 إلى غانا وهو الاسم التاريخي لما كان يعرف بالامبراطوية الغانية التي حكمها المغاربة في القرن السادس عشر. والد زميلنا "الريس" قضى سنوات طويلة في القاهرة في زمن التوهج الناصري، حينما كان عبدالناصر يدعم حركات التحرر في العالم العربي وأفريقيا، وراقب عن قرب الصداقة التي ربطت "نكروما" بعد تحرير بلاده بعبدالناصر، وكيف خرج "نكروما" من تجربته التحريرية مؤيدا لكل حركات التحرر ومقاومة الاحتلال وأبرزها في العالم العربي والشرق الأوسط كفاح الشعب الفلسطيني. والد زميلنا ظل يشجع بحرارة ويصفق بكل قوة مع كل هجمة غانية، واقترب من أن يغني اغنية النصر المصرية الشهيرة "شدي حيلك يا بلد" و "فينك ياللي تعادينا" و"نار يا استعمار".. وظل فرحا، يزغرد قلبه بهذا الانتصار لدولة أفريقية شقيقة لمصر التي يهيم بها حبا. لكنه صدم مع صفارة النهاية.. ولها من صدمة! لاعبو غانا يرفعون العلم الاسرائيلي!!.. فهل كان طوال التسعين دقيقة والوقت المحتسب بدل الضائع يشجع منتخب اسرائيل! قالها بصوت عال مذهول مصدوم كأنه يريد أن يتأكد من زميلنا الصحفي "اسلام" الذي وجد نفسه هو الآخر يضحك ضحكا كالبكاء من وقع المفاجأة غير المتوقعة! لماذا فعل المنتخب الغاني هذه الملهاة، هل مجرد أن أربعة لاعبين من المنتخب يلعب في الدوري الاسرائيلي يشفع لهم أن يرفعوا علم اسرائيل بدلا من علم بلادهم؟! إنهم لم يهينوا مشجعيهم في العالم العربي فقط، بل اهانوا حوالي 30% من سكان بلادهم يدينون بالاسلام، أي حوالي خمسة ملايين نسمة تقريبا! ماذا كانوا يريدون أن يقولوا لنا من خلال رفع علم دولة تحتل أرضنا وتقتل كل يوم عشرات الابرياء من النساء والاطفال والشيوخ، خاصة أن دماء الاسرة التي قتلوها على شاطئ غزة لم تجف بعد! لا زالت الطفلة الصغيرة، وهي الناجية الوحيدة من هذه الاسرة، تطلب من العالم المتحضر أن يراعي شعورها، يرحم طفولتها، يدين قاتليها. لكن المنتخب الغاني الذي يتسابق في ساحة رياضية، المفروض أنها تدعو للسلم والحب ونبذ القتل والدمار، احتفل بفوزه تحت راية الدولة القاتلة الهمجية التي اغتالت الحب والطفولة والبراءة! والد زميلنا اسلام الريس، وملايين العرب غيره تمنوا ان تعاد المباراة، ليستعيدوا تشجيعهم الذي ازهقوه لصالح منتخب لا يستحق، منتخب أراد أن يقول لنا بصوت عال إنه منتخب اسرائيلي وليس غانيا! [email protected]