انتهت لجنة الخمسين المختصة بتعديل الدستور منذ ايام قليلة من اعمالها المكلفة، وخرج علينا دستور جديد في ثوب جديد، هلل له من هلل، ولعنه من لعن، وكالعادة...انبرى الجميع لإعلان تأييده للدستور حتى تكتمل خارطة الطريق، وحتى ننتشل مصر من عثرتها الحالية، وكأن الدستور عبارة عن قرار عادي يؤخذ كل يوم، فنأخذه اليوم مسرعين من اجل اكمال المسير، وغدا قد نغيره إن وجدنا أننا كنا مخطئين...وتناسى الجميع أن هذا الدستور هو ميثاق قانون الوطن لعقود طويلة وأجيال متعاقبة. والعجيب ان هناك من هم في السلطة الان اعلنوها صراحة، سنقول نعم للدستور حتى قبل قراءته، وكأنهم يودوا أن يبعثوا برسالة للشعب مفادها " نحن شعب امعه لا نملك ارادة ولا فهم " وعلى رأس هؤلاء السيد وزير التضامن المدعو احمد البرعي الذي ظن نفسه يوما ثوريا فتاه في جلابيب السلطة والتصق كرسي الوزارة بمقعدته ويخشى أن يفارقه فيشعر بالبرودة... وحتى أكون منصفا وقبل أن أعلن موقفي من تلك الوثيقة الدستورية، أردت أن اقلب صفحات هذا الدستور، واتمعن فيه لعلي أجد فيه ما يغير موقفي، لكن للاسف خرجت منه بما يؤيد موقفي الرافض لتلك الوثيقة..لذا فأنا اقول لا للدستور لتلك الأسباب أولا: المادة رقم ( 204 ) والتي تسمح بمثول المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وهذا يجرًنا الى الحديث عن الحريات المزعومة والشعارات التي رفعت في ثورة 25 يناير، فكيف بعد أن قام هذا الشعب بثورة شهد العالم بها، أن يقبل أن يحاكم أمام قضاء عسكري لأسباب قد تبدوا تافهة، وكما قال ممثل القوات المسلحة في لجنة الخمسين اللواء غزي انه لو تشاجر احد المواطنين مع عامل بنزينه وطنية التابعة للجيش سيقدم للمحاكمة العسكرية. ثانيا: المادة رقم ( 234 ) والخاصة بغياب صلاحية رئيس الجمهورية في تعيين وزير الدفاع الا بموافقة المجلس العسكري، فضلا عن تحصين الوزير الحالي لمدة ثمان سنوات، يكون فيها الوزير فوق رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ثم كيف تكون ميزانية القوات المسلحة وكافة متعلقاتها غير خاضعة للرقابة – ايا كان شكلها – لكن لابد من رقابة حتى لو مغلقة، وبهذا نجد أن هناك دولة داخل الدولة وفوقها...ونحن اخترنا لمصر أن تكون مدنية وليست عسكرية. ثالثا: المادة رقم ( 243 ) والخاصة بالتمثيل المناسب للعمال والفلاحين في البرلمان القادم، فكيف لهذا الدستور أن يلغي نسبة الخمسين بالمائة للعمال والفلاحين والتي كانت ثمرة عهد عبدالناصر؟ ثم إن الغاء هذه النسبة سيفتح الباب أمام رجال الاعمال للسيطرة على المشهد السياسي من جديد لنعود الى المربع رقم صفر.. رابعا : المادة ( 47 ) والمتعلقة بالحفاظ على الهوية الثقافية المصرية دون التطرق للهوية الإسلامية ومهما تملقنا وداهنا الاخوة الاقباط والتيارات العلمانية الاخرى لايمكننا مطلقا أن ننكر أن مصر دولة اسلامية ولها خصوصية ثقافية اسلامية لاينكرها أي احد.. لانصادر أراء أي أحد، فقط نريد من الجميع أن يقرأ الدستور بتمعن، وأن يفند بنوده بصورة موضوعية بما يحقق مستقبل جيد لابناءنا، لسنا في حاجة أن يملى علينا ب نعم أو لا من هنا أو هناك، نريد أن نستقل برأينا....فمن قال نعم عن قناعة فأهلا به، ومن قال لا فأهلا به...نريد أن نتعلم الديمقراطية وحرية الاختيار وقبول الاخر..