الشعب المصري تغلبه عواطفه فينسى في لحظة كل متاعبه وأوجاعه وجوعه وأمراضه وضيق ذات اليد بمجرد أن يجد كلمة طيبة. حكامه في كل العصور عرفوا نقطة الضعف تلك وضبطوا حكمهم عليها، ولذلك قليلا ما يثور أو يتوجع بصوت عال. ليس جديدا – على الرئيس مبارك بالذات – أن يلبي دعوة مواطن على عزومة شاي في بيته. في مرة سابقة كان في أحد أرياف الفلاحين، جلس وسامر أهل البيت المضيف وسألهم عن أحوالهم ولم يشترط نوع الشاي الذي سيقدمونه له، ولم نعرف هل شربه كشري أم بفتلة! منذ أيام تكررت الحكاية ولكنها في قرية بسوهاج، فقرأنا أن صاحب البيت عزمه على شاي صعيدي، فاشترط عليه الرئيس أن يكون "شاي صعيدي تقيل من بتاع زمان".. وفي أثناء عمل سيدة الدار له استيقظ طفلها فداعبه وهو في حجر أبيه كما ظهر في الصورة. كلنا مجبرون على أن نصدق ذلك وأنها ليست تمثيلية معدة سلفا شبعنا منها، لأن الرئيس في المرة السابقة لم يكتشف بالصدفة فيما بعد أن صاحب البيت الذي استضافه على الشاي كان واحدا من المحيطين به مكلفا للقيام بذلك، وهو عرفه خالد ذكي في فيلم "طباخ الرئيس"! ما يهمنا تعليقات القراء في مواقع الانترنت التي كان أكثرها يشيد بالرئيس وبحبه لشعبه وتآلفه معه وأنه منهم وفيهم، وأنهم يعيشون أزهى العصور.. يا سلام. الرئيس مبارك يجلس في بيت مواطن عادي على "قد حاله" ويحكي معه ويشرب الشاي الصعيدي بتاع زمان! قبل أيام نظم أمريكيون ما سمي بحفل شاي لخلع الرئيس أوباما باعتباره دخيلا على أمريكا فرد عليهم آخرون بحفلة أخرى تتمسك بالتعددية والتنوع وقبول الآخر جنسا ورأيا ولونا في المجتمع الأمريكي. حزب الشاي عندنا مختلف تماما، فهو في كل مرة قبل الانتخابات ينظم الحفل في بيت مواطن، مرة في دلتا في النيل وأخرى في الصعيد، وفي العام القادم قد نراها أو نقرأ عنها عند "أبو السيد" أو "أبو شقرة".. أو "أبو طارق" مراعاة لأحوال الناس.. برغم أن سعر طبق الكشري في محله فوق طاقة أغلب الرواتب والأجور! حزب الشاي عندنا من أجل بقاء الرئيس والدعاء للحزب الوطني والدعاية لفضله وإحسانه وتواضعه وسهره وجهده، بينما حزب الشاي الأمريكي يريد التخلص من أوباما، وبرغم أنه حزب عنصري إلا أنه يمثل صورة الديمقراطية غير المصطنعة، ويخاطب شعبا جادا لا تغلبه عواطفه بكلمة حلوة! وحتى أصدق أن حفلات الشاي على شرف الرئيس ليست تمثيلية، فإنني أدعوه إلى "كوباية شاي" في بيتي بأقصى الصعيد.. بشرط أن يأتيني كأي ضيف، يعني لا داعي لأن يأتيني كبير الياوران قبل الزيارة بشهر ليفحص "الكنكة" والكوبايات ومداخل البيت ومخارجه، ولا داعي لرصف الطريق وإخلاء البيوت الريفية من ناسها طوال مدة الزيارة. أريدها زيارة طبيعية جدا.. وشاي طبيعي جدا.. وأهلا به في بيتي ويا مئة مرحبا.. فهل يقبل سيادته دعوتي المتواضعة؟! [email protected]