كان من اللافت للانتباه أن البيان المجهول المنسوب إلى تنظيم "قاعدة العراق" تجاهل الموقف المنطقي لحركة مقاومة مفترضة في العراق وهو الثأر لأهله وناسه ومواطنيه وحرائره قبل أن يفكر في أي مكان آخر ، لكن المفارقة أنه يتكلم عن مشكلة مثيرة للجدل في مصر وليس في العراق متعلقة بامرأتين رغبتا في الإسلام وتم احتجازهما من قبل قيادات كنسية ، وهذه من أعجايب الدنيا فعلا ، إن العراق يعاني من عمليات استباحة مروعة لحرائره وهناك العشرات من المعتقلات العراقيات في سجون الاحتلال وسجون عملائه وعصابات الدم الطائفية المهيمنة على السلطة وأجهزتها الأمنية ، فلماذا تجاهل بيان التنظيم المذكور الثأر لحرائر العراق وادعى أنه يثأر لحرائر مصر ، هل انتهى تنظيم العراق من تحرير نسائه المعتقلات في سجون الاحتلال لكي يفرغ للحديث عن نساء مصر والشام واليمن ، أم أن الذين صاغوا البيان كانوا من "النائحات المستأجرات" لحسابات خاصة . أخشى أن يكون الأمريكيون قد نجحوا في مخططهم الدموي ، فقد بدأت تغيب وتنزوي الضجة الكبرى التي عاشها العالم طوال أسابيع عن الجرائم الأمريكية في العراق التي كشفتها وثائق "ويكليكس" وأظن أن قيادات أمنية وعسكرية أمريكية تفرك أيديها الآن غبطة ونشوة بنجاح المخطط التضليلي ، فلم يعد أحد يتحدث الآن عن الجرائم الأمريكية ، وإنما يتحدثون عن الطرود المفخخة اليمنية ، ولم يعد أحد يراجع الوحشية الأمريكية التي كشفت عنها وثائق "ويكيليكس" وراح ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى الأبرياء المدنيين ، وإنما يتحدثون الآن عن وحشية تنظيم القاعدة الذي يروع العالم ويفجر دور العبادة . تحدثت بعض الصحف بدهشة واستغراب عن حكاية الطرد المفخخ المرسل من اليمن السعيد إلى شيكاغو في الولاياتالمتحدة في صورة طابعة كومبيوتر ، وتساءلت تلك الصحف : منذ أي زمن كان الأمريكيون يستوردون الطابعات من اليمن!! ، بحيث يتصور العقلاء أن تنظيما خطيرا يتصرف بسلوك بدائي وشديد السذاجة متصورا أن العالم سيتفهم أن اليمن متطورة تقنيا وصناعيا لدرجة أن المؤسسات الأمريكية تستورد الطابعات الحديثة منه ، وهي إشارة واضحة إلى أن من كتبوا "السيناريو" كانوا في عجلة من أمرهم وبالتالي خرج بهذه الصورة الرديئة وغير المقنعة لأحد . قبل عدة أشهر كتبت في هذه الزاوية عن حكاية تنظيم القاعدة ، وقلت أن القاعدة أصبحت "قاعدات" وليست قاعدة واحدة ، فهناك قاعدة العراق ، وهناك قاعدة الاستخبارات الإيرانية ، وهناك قاعدة الاستخبارات السورية ، وهناك قاعدة الاستخبارات الأمريكية وهناك قاعدة أفغانستان ، حيث تمت عملية اختراق واسعة للتنظيمات السرية العنيفة ، وتم استقطاب بعضها من قبل أجهزة أمنية إقليمية ودولية ، وأصبحت حكاية "القاعدة" أسهل وأبسط "شماعة" يمكن أن يعلق عليها أي جهاز استخباراتي جرائمه وأفعاله غير الأخلاقية في أي مكان من العالم ، مجرد أن تقع الكارثة أو العمل الدموي يتم الحديث عن القاعدة فتنتهي التحليلات ويفلت المجرم بجريمته ، ويتم التسليم بأن الجريمة قيدت ضد مجهول ، ولذلك أتصور أنه إذا لم يكن تنظيم القاعدة موجودا بالفعل ، فإن أكثر من جهاز استخبارات دولي وإقليمي سوف يعمل على صناعته أو استنباته . أما هذه الأصوات الانتهازية في مصر التي بدأت تطل برأسها مستغلة هذه البيان الدعائي الفج لبعض القتلة المجهولين لتهاجم من غضبوا في مصر غضبا مشروعا لاختفاء سيدات مسيحيات أسلمن وتم تسليمهن قسرا إلى الكنيسة ، بما يعنيه ذلك من استهتار بالقانون وسيادته على جميع المواطنين وتغييب للدستور ومبادئه وإهدار هيبة الدولة وأمنها وأمانها الذي تظلل به الجميع ، فإن على هؤلاء أن يبحثوا عن المتسبب الحقيقي لهذا التوتر الطائفي ليوجهوا إليه سهام النقد أو العتاب أو المحاكمة ، عليهم أن يبحثوا عن صاحب قرار تسليم المواطنات لجهات لم يخولها القانون استلام مواطنين وحبسهم وعزلهم وتقييد حريتهم وحركتهم ، هؤلاء الذين أهدروا هيبة الدولة في البداية أمام بعض الكهنة ، وأهانوا أجهزة الدولة ومؤسساتها بإلزامها بتسليم مواطنات للكهنة على غير مقتضى القانون والنظام ، هؤلاء هم الذين ينبغي أن يحاسبوا الآن ، لأن الذي حدث ويحدث هو مجرد توابع ناتجة عن قرارات خاطئة قصيرة النظر ، مترعة بالاستهتار بالقانون وبأمن الوطن وأمانه . [email protected]