( كان عملي هو إجبار الدول ، ورؤساء الدول ، والحكومات ، ورؤساء الحكومات ، على الرضوخ ، والقبول باتفاقيّات قروض مجحفة ، لا يمكن معها لتلك الدول _ إلاّ ربما بشقّ الأنفس _ سدادها ، والتخلُّص من ربقة الديون التي أثقلها بها ) . في كتابه الخطير ، والمهمّ جداً ، الذي انتشر في العالم منذ خمس سنوات ولايزال ، وتمّت ترجمته إلى العربية ، وهو ممنوع في بعض الدول الخليجية ، والعربية ، وصف الخبير السابق في هيئة اقتصادية تابعة للمخابرات الأمريكية _ وهي شركة مين للهندسة والكهرباء ، والإنشاءات ، المتعاونة مع شركة بكتل التي تضمّ كبار المسؤولين في شركات نفطيّة ، وإنشائيّة ، وعسكريّة ، وفي الإدارة والكونغرس الأمريكيين _ وصف "جون بيركنز" في كتابه :$$$ كيف جنّدته أل (سي آي إيه ) سرّاً ، فعمل معها مُتَستّراً بشركة استشاريّة دوليّة ، فزار أندونيسيا ، وكولومبيا ، وبنما ، والإكوادور ، والمملكة العربية السعودية ، وإيران ، وسواها من الدول التي تمتلك أهمية في الإستراتيجية الأميركية. الكاتب يقول إنّه قد ترك وظيفته بعد تفجيرات 11 أيلول 2001، ونذر نفسه لفضح هؤلاء القتلة الإقتصاديين العالميين ، فأصدر كتاباً بعنوان: " اعترافات قاتل اقتصادي" (Confessions of an Economic Hit Man)، وقد نشرته شركة طباعة (بيريت كولر)، وأمّا الإهداء فقد أهداه إلى كلِّ من الرئيس الأسبق للإكوادور خايمي رولدوس ، والرئيس الأسبق لباناما عمر تورِّيخوس، بعد أن ذكر أنَّه قد دُبر لكلِّ منهما حادث سقوط طائرة مفتعل ، فأعدما بسبب مقاومتها الشرسة لأطماع وحوش الرأسمالية العالميّة . كما قد بيَّن في كتابه كيف تُركِّع أمريكا الدول عن طريق إغراقها في الديون مركّبة الفوائد ، وكيف هي تبتزّ الدول ذات مصادر الطاقة التي لاتحتاج ديونا ، ممثلاً لذلك ببعض الدول الخليجية ، وكيف سرقت أمريكا تريليونات الدولارات بهذه الطريقة . كما تجد في الكتاب وصفه مذهل لإستعمال أمريكا الرشاوى ، و الجنس ، والجريمة ، والتهديدات ، والإنتخابات المزورة ، والتقارير المالية المزورة ، وكلِّ الوسائل القذرة ، لتصل إلى ذلك التركيع ، والإبتزاز . ولا ينسى أن يضرب مثلا لنصب المستبدّين والمجرمين حكَّاما على الشعوب إن كان في ذلك تحقيقُ الأهداف الأمريكية ، مذكِّرا بقيام الرئيس الأمريكي الأسبق روزفلت عام 1951 بتدمير مشروع رئيس وزراء إيران الأسبق والمنتخب بإنتخابات نزيهة محمد مصدّق لتأميم نفط إيران ، والقضاء على مصدّق ، ووضع الشاه محمد رضا بهلوي امبراطورا ديكتاتورا دمويّا على إيران . ولايعدمك المجرم التائب وصفاً تفصيليّا لما كان أسلوبه ومؤسساته التي يعمل معها ، في ارتكاب الجرائم ، ذاكراً تمرحل أمريكا مع البلد الذي تريد تركيعه : أولا : إقناع البلد المستهدف بإقامة مشاريع تحت إشراف شركات أمريكية ، وثانيا : إقناعها بالإستدانة من بنوك أمريكية ، أو لها إرتباط بأمريكا ، وثالثا : يقوم الأمريكيون بتأمين تلك الديون للبلد ، ورابعا : دمج إقتصاد البلد المستهدف بالمصالح الأمريكية عندما تتفاقم الديون ، وأخيراً وضع البلاد أمام خيارين : الخضوع الطوعي التام لأمريكا ، أو الإخضاع بالقوة في حالة المقاومة : إما بإثارة المعارضين كما يفعلون بشافيز ، أو الإغتيالات كما هي حالة رئيس الإكوادور ، أو الإنقلاب كما في غواتيمالا ، أو الغزو كما في العراق ! ويعترف أيضا بأنَّ عملهم كان يتضمَّن عمليات خداع للدول بأعراض ظاهرية لتسكين لآثار الفقر ، ثم تلعب البنوك ، والشركات العالمية ، بتنسيق فيما بينها ، لنهب ثروات العالم الثالث ، وإغراقها بديون مهولة ، لوضعها تحت إشراف البنك الدولي ، وصندوق النقد الدولي ، الذين يتحكم فيهما الغرب بقيادة أمريكا. ومن عجائب ما ذكره في إعترافاته أنه تم تجنيده للأعمال القذرة الإقتصادية التي تقوم بها وكالة الأمن القومي الأمريكي ، بالتنسيق مع أل سي آي إيه ، في أواخر الستينات عندما كان طالباً ، وأنه تعرض خلال التجنيد لإختبارات قاسية جاءت بنتيجة أنّه يصلح ليكون ( قاتلا إقتصاديا مميَّزا ). ويصف الكاتب كيف أنَّ الحكومة الأمريكية تسيطر عليها الشركات العملاقة لاسيما شركات النفط ، ومن الأمثلة وزير الدفاع الأمريكي الأسبق كنمارا كان رئيسا لشركة فورد ، ثم رئيسا للبنك الدولي ، وجورج شولتز ، وواينبرغر ، أصحاب الشركات الكبرى الذين تولَّوا مناصب وزارية في الحكومة الأمريكية ، أما بوش الأب فصار رئيسا. وخلاصة الكتاب أن ( تحالف الشركات والإدارات الأمريكية ) ، هو أشد القتلة في تاريخ البشرية إجراما ، وأنَّ هذا التحالف لم يفضل قط على حكم الدكتاتوريين أحداً ، ولو سحقوا شعوبهم ، لأنَّ بهم وحدهم يحقق أطماعه الخبيثة . وأنَّ الشركاء الرئيسين لهذا التحالف الخبيث هم : وزراء التخطيط في العالم الثالث ، ووكلاء البنك الدولي ، وممثلي وكالة الإنماء الأمريكية يو أس ايد . هذا هو الكتاب الأول الذي أنصح بقراءته لفهم ( العقيدة السياسية الغربية ) ، وبالتالي فهم ما يجري في العالم بما فيه حكاية ( الطرود البريدية التفجيرية ) ! أما الكتاب الثاني ، فهو كتاب " أمريكا والإبادات الثقافية " لمنير العكش ، وفيه يصف الإجرام الأمريكي في إبادة ثقافة الهنود الحمر ، ومحوها من الوجود ، فيتعرف القارىء على أنَّ نفس النهج تتبعه أمريكا مع حضارتنا تماما ، وهدفها هو الوصول إلى ذات الهدف الذي وصلت إليه مع ثقاقة الهنود الحمر ، وهو الإبادة الشاملة . ويكتمل هذا الكتاب بآخر مفيد ، هو الذي أمضت الكاتبة البريطانية فرانسيس ستونو سوندرز أكثر من سنتين في جمع وثائقه في ستة صناديق : " سي آي آيه والحرب الباردة الثقافية " ، خلصت فيه إلى أن أل (سي آي إيه) نفسها ، قد بذلت جهودا لاتوصف ، أنفقت عليها ميزانية هائلة ، لكي تشتري الأنشطة الثقافية ، والإعلامية ، وحتَّى مراكز الفنون ، والآداب ، لوضعها في خدمة السياسة الأمريكية ، حتى صارت أل سي آي إيه كأنها راعية الفنون ، والآداب ، والثقافة !! وأمّا الكتاب الثالث فهو كتاب تشومسكي " النظام العالمي القديم الجديد" ، حيث وضع المؤلف السياسة الأمريكية للسيطرة على الشعوب ، وضعها تحت مبضع التشريح إلى أدقِّ التفاصيل ، وكان فيه خبيرا عبقريا فذّا ، ودعني أنقل لكم مشهدا واحدا من هذا الكتاب المليء بالوثائق : ( تعتبر دول إفريقيا جنوب الصحراء من بين الدول النامية التي صارت مصدرا لتمويل الدول الثرية ، وهي دول ينهش فيها الفقر ، والبؤس ، بفضل السياسات الأمريكية الساعة إلى " الإشتباك البناء " ، وهي سياسات يعود إليها الفضل في إشعال حروب أهلية أدت إلى مقتل مليون ونصف إنسان في إفريقيا الجنوبية وحدها ، فضلا عن خسائر ب 60 بليون دولار في دول الجنوب الإفريقي ، وإلى هذه الأرقام يمكننا أن نضيف نصف مليون طفل يلقون حتفهم كلَّ عام نتيجة عبء الديون على الدول التي يعيشون فيها ، على نحو ما تظهر تقارير منظمة اليونيسيف ، إضافة إلى 11 مليون طفل يموتون سنويا من أمراض يسهل علاجه ، وهو ما يمكن تسميته " إبادة جماعية خرساء " على حد تعبير هيروش نكاجيما المدير العام لمنظمة الصحة العالمية ، الذي يشير إلى أن هذا الوضع يمثل " مأساة كان يمكن تداركها ، لأنه لدى العالم المتقدم الموارد والتقنيات التي بمقدورها إنهاء المرض على مستوى العالم " ، لكنه يفتقر إلى الإرادة لمساعدة الدول النامية ، ويبدو أن مصطلح " النامية " هنا بديل لطيف عن الدول المستعمرة من قبل الدول الثرية ) ص 193 والكتاب الرابع هو كتاب " سادة العالم الجدد " لجون زيغلر ، وهو أحسن كتاب يلقي الضوء على الدور الذي تلعبه أمريكا بكلِّ صندوق النقد ، والبنك الدوليين ، ومنظمة التجارة العالمية ، تحت شعار العولمة ، لتحقيق الهيمنة على العالم ، وأسواقه ، مما أدى إلى كوارث خارجة عن حدّ الوصف على شعوب العالم لاسيما الفقيرة ، ولهذا فقد أكثرت من الإستشهاد به في مقالات سابقة . والكتاب الخامس هو " أفضل ديمقراطية يستطيع المال شراؤها" ، لغريغ بالاست ، وفيه بيان تفصيلي بأنَّ أمريكا إنما تحرِّك السياسة ، والحروب ، كما تحرِّك ما يُسمَّى ب(الديمقراطية) نفسها، نحو هدف واحد هو نهب ثروات وأسواق العالم ، وللنهب فقط ، ولو أبيدت الشعوب. ومن شأن هذه الكتب الخمسة أن تضع قارءها على (الخارطة السياسية الحقيقية للعالم) ، وتكشف الستر عن المشهد الحقيقي الذي يختلف وراء ديكورات ما يسمى بالمؤسسات السياسية الدولية ، وكراسيها الفاخرة ، وكاميرات الإعلام المخادعة . فإن كان القارىء مفكراً سياسيا شريفا محبَّا لأن تسود العدالة العالم _ مسلما كان أو غير مسلم _ علم أن لاخلاص للعالم إلاّ بتحطيم الهمينة الغربية بقيادة أمريكا ، وإزاحتها عن كونها في (مركز العالم ) ، ذلك المركز الذي صنعته من نهب ثورات الشعوب ، وإبادتها ، وإمتصاص دمائها . وإن كان عالماً شرعياً مسلماً علم أنّ أوَّل خطوة لفهم المعركة بين الإسلام ، وعدوِّه التقليدي التاريخي وهو الغرب الصليبي ، هو أن يُخرج ( الدروشة ) من أمِّ رأسه ، ويعرف من الذين يديرون العالم بأشدّ الوسائل إجراما وفسادا ، وكيف ، ولماذا يفعلون ذلك ؟ وأن ما يسمى ب( المعاهدات ، والمواثيق الدولية السياسية ، ومؤسساتها ) ما هي إلاّ أدوات لتلك الإدارة الجائرة ، ولهذا لايمكن أن يسمحوا بإعادة صياغتها _ كما اقترح الزعيم القذافي في مؤتمر الأممالمتحدة _ لتخرج عن كونها أدوات بيد الغرب ، لتصبح ميزانا حقيقيا للعدالة الدولية . وأنَّ هؤلاء الذين يديرون العالم _ ونقصد ساسة الإجرام الدولي _ يديرونه بالجور ، والظلم ، والفساد ، والوحشية _ كما في الحديث تمُلأ ظلما وجوْرا _ وأنَّ من يصفهم بالعدالة ، هو إمّا جاهل ، أو متزلف لمن اشتروا ذمَّته ليقول ما يرضيهم . وحينئذ يكفُّ _ أعني العالم المسلم إذا قرأ _ عن ترديد بلاهة ( مشايخ البلاط والدروشة ) عن الحاجة إلى تجديد الفقه ليلائم ( متغيرات عصر المواثيق الدولية في ضوء الدولة القطرية ) ! ، ويتعلم أنَّ ( العقيدة السياسية الغربية الصهيوصليبية ) لم تُغيِّر سوى أدواتها ، فالمعركة هي ذاتها ، والعقليّة هي ذاتها ، والأهداف هي ذاتها ، والغاية النهائية هي إبادة الحضارة الإسلامية في مشروع هيمنة على العالم بأسره . وأنَّ الغرب المتصهين لا ينظر أصلا إلى ما يُسمَّى ب( الدول القطريّة ) لاسيّما في المنطقة الجغرافية لحضارتنا ، إلاَّ على أنها مستعمرات _ تُوضع لها بين الفينة والأخرى صيغ سياسية وفق نظامه الدولي الذي يفصِّله على مقاس أطماعه _ لحضارته الصليبية المتحالفة مع الصهيونية . كما سيفاجأ قارىء هذه الكتب بمدى إنتشار (السذاجة السياسية ) في العالم لاسيما في عالمنا العربي ، إلى درجة أنَّ شرائحَ منتشرة _ لاسيما من ( شيوخ الدروشة ) _ لازالوا يصدّقون فعلا بأنَّ ( الإرهابيين ) ذوي الإمكانات المتواضعة الثائرين على الظلم العالمي بوسائل شبه بدائية ، هم الخطر الأعظم على مستقبل البشرية ، ولهذا يجب _ عندهم _ عدم إشغال ( الحالة الإسلامية ) بصدِّ الهجمة الصهيوصليبية على أمتنا ، أو الخطر على المقدَّسات على رأسها القدس ، بل الإنهماك بتغيير حتَّى مناهج التعليم في البلاد الإسلامية ! وإغلاق مراكز تحفيظ القرآن ! لإنقاذ البشرية من هذا خطر (الإرهاب) الماحق ، وإعادة ( الأمن الفكري ) إلى بني جميع آدم المصطلين بناره التي لاترحم !! وكم هي سذاجة بالغة حدَّ إثارة الشفقة ، تلك التي تُجرف وراء خبر ( طرود بريدية تحمل متفجرات ) ، فتنسي ( فلم ) مشاهد ملايين الضحايا الذين ينزفون بالدماء ، أو الجوع ، أو المرض ، أو الفقر ، كلَّ يوم ، بالعقيدة السياسية الغربية القائمة على عقليّة الإبادة الجماعية ، حتى لو كان الخبر يُشاع ، في خضم فضائح ( الويكيليكس ) التي وقعت كالصاعقة على الإدارة الأمريكية ، يُشاع ليريحها ولو قليلا من إزعاج الفضائح !! والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل ، نعم المولى ، ونعم النصير . *كاتب كويتي .