استغربت كثيرا من القرار الذي أصدرته وزارة الإتصالات أمس والمتعلق بخدمة بيع رسائل إخبارية عبر الموبايل ، والذي قضى بأن أي مؤسسة أو جهة ترغب في تقديم هذه الخدمة يستدعي الأمر حصولها على ترخيص مسبق من كل من وزارة الإعلام والمجلس الأعلى للصحافة ، المهندس محمود الجويني مستشار الوزير قال أن الإجراء الجديد لا يهدف إلى التضييق على بث الأخبار وإنما إلى حماية المؤسسات التي تقدم الخدمة ، وهو تصريح في الصميم وإن كان جوهره يخفى على من يتعامل بشكل متعجل مع الواقعة الجديدة ، الأذهان تذهب الآن بفعل الحشد السياسي إلى أن الخطوة تأتي في إطار التضييق على الإعلام والنشر في مرحلة ما قبل الانتخابات البرلمانية ، والخوف من تأثير تلك الخدمات على الرأي العام ، ومع احترامي لتلك المخاوف أو التفسيرات إلا أنها غير صحيحة بالمرة ، لأسباب كنا نحن في المصريون طرفا فيها ، ونعرفها حق المعرفة ، وبداية ففكرة الهلع من التأثير على الانتخابات وتفسير كل تغيير إعلامي الآن بأنه جزء من هذه اللعبة هو من باب المبالغات الكبيرة ، وافتراض أننا نعيش ديمقراطية انجلترا أو حيوية الانتخابات الألمانية مثلا ، الانتخابات في بلادنا هي عملية علمية رياضية أكثر منها اختيار اجتماعي وإنساني ، والرأي العام ليس هو صاحب الاختيار في محصلة الأمر ، وليس بالضرورة أن يكون هو صاحب حسم الأرقام التي تخرج من صندوق الانتخابات ، فلا داعي لتضخيم حكاية التأثير على الرأي العام وتفسير كل شيء وفقا لها ، الأمر الأهم في الإجراء الأخير أنه يهدف بالأساس إلى تقنين عملية تحويل هذا "البيزنس" الجديد إلى حكر على فئة محدودة ومرضي عنها من الصحف والشركات الخاصة المقربة من الحزب الوطني . وخدمة بيع رسائل إخبارية مختصرة على الموبايل ظهرت في مصر خلال العامين الأخيرين ، وتعتمد على أطراف ثلاثة ، الصحيفة أو الموقع الذي يعد المادة الخبرية بمعدل ثلاثة إلى أربعة أخبار يومية موجزة في حدود ستين حرفا ، وشركات الاتصالات التي تقدم خدمة الهاتف المحمول ومشتقاته ، وشركات وسيطة تعد برامج خاصة لنقل المادة الإخبارية من مصدرها الصحفي إلى شركات المحمول بطريقة منتظمة ومؤقتة لتصل إلى المشتركين ، وهذه الخدمة تمثل أحد مصادر الدخل الرئيسية للصحف الآن ، وخاصة الصحف الالكترونية ، وعائدها المالي أكبر وأهم من الإعلانات ، وقد دخلت في الخدمة بسهولة تامة الصحف والمواقع المملوكة لشخصيات مقربة من الحزب الوطني ومن رجال أعمال مثل نجيب ساويرس ، فدخلت المصري اليوم واليوم السابع وموقع مصراوي ، حتى قبل أن تدخلها بعض الصحف الحكومية مثل الأهرام . وعندما حاولنا في المصريون ممارسة حقنا في بيع هذه الخدمة التي تمثل أحد أهم عناصر التمويل الذاتي للمواقع الالكترونية ، فوجئنا أن جميع الشركات الوسيطة التي نتواصل معها ترفض التعاقد معنا ، هم لم يرفضوا بصورة صريحة بطبيعة الحال وبطريقة قانونية لأن هذا يجرمه القانون ، لأنه يدخل في باب الاحتكار ، ولكن كلما دخلنا إحدى هذه الشركات تبدي سعادتها وترحيبها التام نظرا لسعة انتشار المصريون ثم تطلب مهلة من الوقت لتنسيق الأمور مع شركات الاتصالات ، وكنا نعلم أن التنسيق هو مع جهات أخرى "خاصة جدا" وليس مع شركات الاتصالات أو مؤسسات أخرى ، وتمضي الأيام والشهور حتى وصلنا اليوم إلى عام كامل ونحن نحاول مع عدة شركات بدون أي فائدة ، لأن "الجهات الأخرى" ترفض أن تمنحنا الحق الذي منحته لمواقع ساويرس ونجل صفوت الشريف ، من أجل تركعينا ، ولأن تلك "الجهات الأخرى" تعرف جيدا معاناتنا الكبيرة في الإنفاق على المصريون ، رغم كل الجهد الذي نبذله لتقليص النفقات وهو جهد يجعل من يعمل في المصريون يؤدي في الواقع ما يوازي أربع وظائف في وظيفة واحدة ، والبعض الآخر يعمل متطوعا ، البعض بشكل كامل والبعض تطوع جزئي ، وكان باب خدمة الرسائل الإخبارية عبر الموبايل هو أملنا في كسر حلقة الحصار علينا ، إلا أن "الجهات الأخرى" أحكمت الحصار فأغلقت كل الأبواب التي ذهبنا إليها ، مما دفعنا للتهديد بمقاضات تلك الشركات والجهاز القومي لتنظيم الاتصالات نفسه . ولذلك عندما يقول وزير الاتصالات الآن أن الإجراء الجديد يهدف إلى حماية المؤسسات التي تقدم الخدمة ، فهو يتكلم بشكل صحيح وصادق جدا ، والمثير أنهم في القرار الجديد جعلوا منح جزء من هذه "الكعكعة" بموافقتين رسميتين ، وليس بموافقة واحدة ، موافقة وزارة الإعلام ، وموافقة المجلس الأعلى للصحافة ، هل يتصور عاقل في مصر أن أنس الفقي وزير إعلام لجنة السياسات سيرفض التصريح بالخدمة مثلا لمواقع وصحف نجيب ساويرس صديق السيد جمال مبارك ، وهل يعقل عاقل في مصر أن صفوت الشريف رئيس المجلس الأعلى للصحافة سيمنع التصريح عن الصحيفة المملوكة لنجله ، لذلك أقول أن القرار الجديد إنما جاء لبسط الحماية القانونية على ظلم واحتكار وفساد ، ما يحدث هو نموذج مما كان يسمى بسياسة العصا والجزرة ، غير أنهم في مصر اكتشفوا مؤخرا أن اللعب "بالجزرة" وحدها يمكن أن يؤدي الغرض وزيادة . [email protected]