المتظاهرون المعارضون للانقلاب - من جماعة الإخوان المسلمين أو من غير جماعة الإخوان المسلمين - ليسوا ثوارا كما يدعون، أو كما يحلوا لهم أن يصوروا أنفسهم، أو كما تردد هتافاتهم (ثوار أحرار هنكمل المشوار)، ليسوا ثورا والله فحسب، وإنما هم أبطال، أبطال أيما أبطال. نفوسهم غالية عليهم، وهل هناك أغلى من النفس، ولكنها هانت في سبيل الوطن رغم ظلم ذوي القربى من شركائه، هانت في سبيل العزة والحرية والكرامة، التي إن أتت لن ينعموا بها وحدهم، أو قد ينعم بها الناس بعد وفاتهم. هم أحرار مستقلون مفكرون لم يحولوا أدمغتهم إلى مقالب نفايات تلقي فيها الفضائيات الفاسدة بمخلفات الأخبار المختلقة، والدعايات المسمومة، ولم يسلموا إرادتهم أو يرهنوها بإرادة أحد، مهما كانت رتبته. ولم يغرهم ذهب المعز ولم يرهبهم سيفه، ولم يطمعهم وعود (الفريق) ولم يخوفهم وعيده، ولا يبالون أن يتهموا بأنهم مع الإخوان، فهم مع الحق، سواء كان الحق ضد الإخوان أو معهم، فإن الله سيحاسبهم هل كانوا مع الحق أم لا؟ إصرارهم يقرب الهدف البعيد، وثباتهم يعد بالمستقبل المنير، وفداءهم يسيل الدمع من الغزير، وبسمتهم تعيد الروح إلى جسد الوطن المريض. أساتذة هم في مدرسة القيم، وعلماء في جامعات المبادئ، وشيوخ في مقاصد الشرع الحنيف. يأخذ الواحد منهم حماما وهو لا يدري هل هو غسل الجمعة أو غسل الميت، ويتناول إفطاره وهو لا يعلم هل هو الإفطار الأخير، ويودع أمه وأباه فقد يكون الملتقى عن قريب أو يوم القيامة، ويحتضن أطفاله وزوجته مستودعا لهم عند من لا تضيع عنده الودائع. وإلا فما تقول عن إنسان يشارك في المظاهرات وهو يعلم أن نسبة عودته سالما لبيته لا تمثل أكثر من (15%). فهو إما أن يقتل، حرقا بزجاجات الملوتوف، أو في سيارة ترحيلات، أو دهسا بمدرعات الشرطة، أو بالسلاح الأبيض، أو بالرصاص، برصاص ممن يرتدون زي جيش لا يمثلون عظمته وإنما يمثلون خسة الانقلابيين وخيانتهم، أو برصاص الشرطة، أو برصاص المجرمين، رصاص يفجر الرؤوس، أو يصيب القلب أو الصدر أو الأمعاء، والأدهى أن مطلق الرصاص لن يسائل مجرد مسائلة، بل ربما أعطي النياشيين والأوسمة والمكافآت. وإما أن يصاب بعاهة مستديمة في العين أو اليد أو في القدم. وإما أن يقع في يد البلطجية حثالة المصريين الذين يسميهم الانقلابيون وأذنابهم من الإعلاميين (المواطنون الشرفاء)، والشرف منهم جميعا بريء، فيوسعونه جرحا وضربا وشتما وركلا وإذلالا. وإما أن يعتقل من قبل أجهزة الأمن، ويعاني التعذيب والامتهان وغياب أدنى حقوق الإنسان. وإما أن يطارد إن كان معروفا، فلا يمكنه المبيت في منزله، ولا رؤية أهله وأولاده، ولا الذهاب لعمله. وإما أن يسلم من كل ذلك ليعود في اليوم التالي لذات الاحتمالات السابقة، حين يشارك في المظاهرات مرة أخرى. والله إن الإنسان ليستصغر نفسه أمام هؤلاء، وفيهم الأطفال الذين أبت طفولتهم البريئة قتل الناس أيا كان سبب القتل، ومنهم من فقد أباه أو أمه أو أخته أو أخاه. وفيهم الفتيات، العفيفات الطاهرات، نزلن حين قعد أشباه الرجال، وهتفن وقد خفتت أو خرست أصوات قامات ملأت الدنيا ضجيجا وعويلا من قبل، في مثلهن قال الشاعر: ولو كان النساء كمثل هذي * لفضلت النساء على الرجال وما التأنيث لاسم الشمس عيب * ولا التذكير فخر للهلال وفيهم الشباب، في مقتبل العمر، لم يهنأ الواحد منهم بشيء من نعيم الدنيا ومتاعها بعد، لا زوجة ولا ولد ولا وظيفة ولا مال، ورغم ذلك تراه مقبلا غير هياب. وفيهم كبار السن، ممن لم يثنهم وهن العظم، ولا اشتعال الشيب عن المشاركة على قدم المساواة مع الشباب، رغم أنه لم يبق لهم إلا اليسير من أعمارهم، ولن ينفعهم أو يضرهم أن يحكم فلان أو علان، ولكنه الدفاع عن المبادئ إلى آخر نفس. ما أبأس الحياة والله لولاهؤلاء، وما أظلم المستقبل بدونهم، وما أضيق الأرض والنفس بغيابهم. حفظكم الله أينما كنتم، ورد يد السوء وقالته عنكم، وجزاكم الله عن مصر الكنانة وأهلها خيرا.