العنوانُ أعلاه استخدمتْه وكالةُ الصحافة الفرنسيَّة في أحد تقاريرها حول الانتخابات التشريعيَّة في أفغانستان التي انطلقتْ أمس السبت، وذلك في معرِض الحديث عن استخدام اللجنة الانتخابيَّة في منطقة دارا التابعة لولاية بانشير الجبليَّة جنوب البلاد لحوالي تسعمائة حمار لنقل صناديق الاقتراع إلى مراكز التصويت البعيدة في المناطق الوعرة. مشهدٌ مثير للسخرية بالطبع، فهنا ثمة زفَّة استثنائية يشارك فيها عدد من المسئولين في الولاياتالمتحدة، إضافةً إلى الرئيس الدُّميَة (كرزاي) الذي خرج باكرًا بالأمس وسط إجراءات أمنيَّة مشدَّدة من أجل التقاط صورة له وهو يُدلي بصوته في أحد مراكز الاقتراع، مع العلم أنه لا يستطيع التخلي عن الحراسة الأمريكيَّة لحظة واحدة، كما لا يمكنه التجوُّل في مناطق أفغانستان بعد نجاته غير مرة من كمائن لحركة طالبان. والحال أننا إزاء انتخابات لا تعني الشعب الأفغاني، بقدر ما هي مصمَّمَةٌ لاعتبارات الداخل الأمريكي الذي ينبغي أن يرى بعض التقدم في العملية السياسية الأفغانية على نحو يمنحه الأمل بإخراج قواتِه من مستنقعها في المدى القريب، في وقتٍ يقول له كثير من الخبراء: إن أفغانستان ستكون "فيتنام أوباما"، وربما من سيأتي بعده في حال أصرَّ على ذات النهج، لا سيَّما أنه نهج جنرالات البنتاجون الذين جاء كثيرٌ منهم من صفوف الجمهوريين وليس الديمقراطيين. يحتاج أوباما إلى زفَّة الانتخابات من أجل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس خلال شهر نوفمبر المقبل، لا سيَّما أن نعوش الجنود القتلى قد أخذت تتدفَّق على نحوٍ غير محتمل إلى "البلاد" خلال الشهور الأخيرة، وحيث تقول الإحصاءات: إن عام 2010 هو الأسوأ على الإطلاق بالنسبة لعدد الجنود القتلى والجرحى، الأمر الذي لن تصلحَه عائدات كتاب أوباما الجديد التي خصَّصها لرفاهية الجنود الجرحى، تمامًا كما فعل توني بلير بتخصيص عائدات كتابِه لمؤسسة تعنى برعاية الجنود الجرحى من حرب العراق. هي إذن زفَّة لا صلة لها برفاهية الإنسان الأفغاني، ألم يكن من الأولى أن تشق الطرق في ولاية بانشير وسواها بدل حمل صناديق الاقتراع على ظهور الحمير؟! وأية قيمة لتلك الصناديق في وعي أقوام يعيشون في الجبال ولا ينزلون منها إلا على ظهور الدواب، وهل الخبز أولى من الديمقراطية أم العكس؟! مشهد مثير للسخرية ذلك الذي رسمته الصورة المشار إليها، وهي تعبِّر من دون مواربة عن بؤْس المشهد الذي يُرسم في ذلك البلد الذي تعرَّض لغزو غير مبرَّر أودى بحياة عشرات الآلاف من أبنائه دون أن يمنحه أي أملٍ بالمستقبل. وُعودٌ كثيرة تلقاها ذلك الشعب المسكين (حال العراق صورة بائسة أخرى)، فيما لا يزالُ يرزح تحت وطأة الفساد والفاسدين وتجار الحروب وقادة المليشيات الذين سيفوزون قطعًا في الانتخابات، لأنهم وحدهم مَن يملكون المال والسطوة والنفوذ، وإلا هل يتوقَّع السيد أوباما أن يتجرَّأَ رجل من بسطاء الأفغان على ترشيح نفسه، فضلًا عن أن يفوزَ في الانتخابات؟! وكما كان البرلمانُ الماضي تجمعًا لقادة المليشيات وزعماء القبائل وتجار المخدرات ومندوبيهم، سيكون البرلمان القادم على ذات النسَق، الأمر الذي لن يفيدَ منه الشعبُ الأفغاني سوى المزيد من البؤس، لأنه بالضرورة سينتجُ المزيد من الفساد. في المقابل لن يكونَ بوسْع واشنطن وحلفائها تحقيق الكثير من انتخاباتٍ كهذه، حتى لو خرج متحدثُهم ليشيدَ بشجاعة الإنسان الأفغاني الذي تحدَّى الموت وذهب من أجلِ تأكيد انحيازِه للحرية والديمقراطية، في حين يعلم الجميع أن ذلك ليس صحيحًا بحال، وأن من ذهبوا إنما فعلوا ذلك لاعتبارات المال أو العلاقات القبليَّة، وربما الخوف من نفوذ المرشحين وسطوتِهم. لا قيمةَ بالطبع لحكاية النزاهة، ففي بلدٍ يعشِّش الفساد في سائر أجهزتِه الرسميَّة لا يمكنُ الحديث عن نزاهة، والدوائر الأمريكيَّة والأوروبيَّة هي ذاتها التي تشكو دائمًا من الفساد مطالبة كرزاي بمحاربتِه، مع أنه هو -لا غيره- رأس الفساد، ومعه قادة المليشيات وتجار الموت المنخرطين في حكومتِه. لو كان المشهد ورديًّا أو مدجَّجًا بالأمل كما يصوِّرُه رموز الغزو وأتباعهم الأفغان لانفضَّ الناس من حول طالبان، لكنه عكس ذلك تمامًا، مما يعني أن الحركة ستواصلُ التقدم حتى ترهقَ الغزاةَ وتدفعَهم إلى الرحيل، بصرف النظر عما سيئولُ إليه الأمر بعد ذلك في بلد مدجَّجٍ بالبؤْس والتناقضات. المصدر: الاسلام اليوم