فى مقال الاسبوع الماضى عرضنا تعريف الردة تفصيلا كما أوردته محكمة النقض فى قضية الدكتور نصر حامد أبو زيد ،التى قضت فيها بتأييد حكم محكمة استئناف القاهرة للأحوال الشخصية بتطليق زوجته منه لأنه اعتبر مرتدا عن الإسلام،وطعن هو وزوجته على هذا الحكم أمام محكمة النقض . وقبل أن نستطرد ، نود أن نبين أولا أن الهدف من هذه المقال هو مايلى : أولا : عرض الوقائع التى بناء عليها أصدرت المحكمة هذا الحكم ،ومن ثم فنحن لسنا بصدد تقييم آراء د.أبو زيد أو التعليق عليها فقد تكفلت بذلك محكمة النقض، وإنما نحن نعرض تحليلا لحكم المحكمة ،الذى جاء مؤيدا لحكم من محكمة الاستئناف. إن الفلاسفة و أصحاب المذاهب الفكرية يموتون ،ولكن كتاباتهم تظل من بعدهم باقية محلا للجدل وخاضعة للنقد والدراسة والتحليل على مدى الزمان من أهل لاختصاص ،وأعنى بهم هنا محكمة استئناف القاهرة ومحكمة النقض. وعلى ذلك فإن القول بأننا نشمت فى أو ننتقد شخص ميت لا يستطيع الرد أو الدفاع عن نفسه هو من سخف القول ،فلا شأن لنا به ولايهمنا هو شخصيا ،والذى يعنينا هو حكم المحكمة الذى أنزل التكييف القانوني ( وهو الردة عن الإسلام ) على وقائع معينة ارتكبها د.أبو زيد ،بحيث إذا ارتكبها الشخص –أى شخص - أصبح كافرا مرتدا عن الإسلام ،من ذلك إنكار أن القرآن كلام الله تعالى ، ووصف علوم القرآن بأنها تراث رجعى ،ورفض تطبيق الشريعة الإسلامية والقول بأنها سبب تخلف المسلمين ،والاستهزاء بالنبى الكريم صلى الله عليه وسلم . ولاشك أن القارئ الواعي فى حاجة إلى معرفة تلك الوقائع لكى يعرف بنفسه الوصف القانونى لمرتكبيها ولكى لايقع فيها،ولا يسوغ القول إذن بأن هذا ليس فى خدمة الإسلام ،بل على العكس فهو بمثابة تنوير وتطعيم للمسلمين ضد تلك الأفكار المسمومة المعادية للشريعة التى يجاهر الكثيرون بها ( تحت رداء عدة النصب التى يحملونها من مصطلحات استعباطية " الليبرالية-- العلمانية--الحداثة--...الخ..")على حد تعبير أحد السادة القراءالذين تكرموا مشكورين بإرسال تعليقاتهم على مقالنا الأول فى هذا الموضوع فى الأسبوع الماضي. " أنظرهذه التعليقات على الرابط التالى : http://www.almesryoon.com/news.aspx?id=37077" ثانيا- بيان أن الاستهزاء بالله تعالى أو برسوله صلى الله عليه وسلم أو بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كفر وردة يخرج به الإنسان من الإسلام، لقول الله تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ0 لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) فكل من استهزأ بالله أو برسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بدين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه كافر مرتد يجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى، وإذا تاب إلى الله فإن الله تعالى يقبل توبته، لقوله تعالى في هؤلاء المستهزئين: ( لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ ) فبين الله تعالى أنه قد يعفو عن طائفة منهم ولا يكون ذلك إلا بالتوبة إلى الله عز وجل من كفرهم الذي كان باستهزائهم بالله وآياته ورسوله. ولاخلاف بيان المفسرين على ذلك . " منقول عن موقع طريق الإسلام على الإنترنت ، مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين - المجلد الثاني - باب الكفر والتكفير. " وبعد ،فقد قالت محكمة النقض فى قضية الدكتور نصر حامد أبو زيد أن الثابت مما أبداه د.أبو زيد فى مصنفاته المبينة بالأوراق أنها تضمنت –وفقاً لصريح دلالتها وما لا احتمال معه لأى تأويل – جحداً لآيات القرآن الكريم القاطعة بأن القرآن كلام الله ،إذ وصفه بأنه " منتج ثقافى وأن الإيمان بوجود ميتافيزيقى يطمس هذة الحقيقة ويعكر الفهم العلمى للنصوص ، وينكر سابقة وجوده فى اللوح المحفوظ ويعتبره مجرد نص لغوى ويصفه بأنه يتنمى إلى ثقافة البشر وأنه تحول إلى نص إنسانى منحياً عنه صفه القدسية استهزاء بقيمته. أضافت المحكمة أن د. أبو زيد ينكر أن الله تعالى هو الذى سمى القرآن بهذا الاسم جاحداً للآيات القرآنية التى صرحت بذلك مع كثرتها وذكر فى أبحاثه أن الإسلام ليس له مفهوم موضوعى محدد منذ عهد النبوة إلى يومنا هذا ، وهو قول هدف به إلى تجريد الإسلام من أى قيمة أو معنى ووصفه بأنه دين عربى لينفى عنه عالميته وأنه للناس كافة، ووصف علوم القرآن بأنها تراث رجعى ، وهاجم تطبيق الشريعة ونعت ذلك بالتخلف والرجعية زاعماً أن الشريعة هى السبب فى تخلف المسلمين وإنحطاطهم ، كما أنه يصف العقل الذى يؤمن بالغيب بأنه غارق فى الخرافة ، وصرح بأن الوقوف عند النصوص الشرعية يتنافى مع الحضارة والتقدم ويعطل مسيرة الحياة ، ويتهم النهج الإلهى بتصادمه مع العقل بقوله" معركة تقودها قوى الخرافة والأسطورة باسم الدين والمعاني الحرفية للنصوص الدينية وتحاول قوى التقدم العقلانية أن تنازل الخرافة أحياناً على أرضها ". وأكدت المحكمة أن هذا من الكفر الصريح ، وكشف الله عنه بقوله تعالى "وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول اللذين كفروا إن هذا إلاأساطير الأولين " والأساطير معناها الأباطيل أو الأحاديث التى لا نظام لها ومفردها أسطورة ، وهو ما نعت به د.أبوزيد الدين والنصوص الدينية زاعماً أنهما ينطويان على خرافة ، ويقول إن تثبيت القرآن فى قراءة قريش كان لتحقيق السيادة القرشية التى سعى الإسلام لتحقيقها ، وكأن القرآن لم ينزل إلا لتحقيق سيادة قريش ، ويهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم ويلمزه بقوله " موقف العصبية العربية القرشية التى كانت حريصة على نزع صفات البشرية عن محمد وإلباسه قدسية إلهيه تجعل منه مشرعاً "، وينكر حجية السنة النبوية وأن الإسلام دين الوسطية ، ويدعو إلى المروق من النصوص الشرعية بقوله: " لقد آن أوان المراجعة والإنتقال إلى مرحلة التحرر لا من سلطة النصوص وحدها0000 قبل أن يجرفنا الطوفان " . و تقول المحكمة أن أبحاثه فيها اتهام للقرآن والسنة والصحابة والأئمة ومنهم الشافعى وأبو حنيفة بالعصبية الجاهلية، فحارب الإسلام فى نصوصه ومبادئه ورموزه وأعترض على نصيب البنات فى الميراث راداً بذلك ما ورد بالقرآن الكريم بنصوص قطعية محكمة فى هذا الصدد ، وتمادى فى غلوه بالدعوة إلى التحرر من النصوص الشرعية بزعم أنه ليس فيها عناصر جوهرية ثابتة وأنها لا تعبر إلا عن مرحلة تاريخية قد ولت ، وهذا رمى لشرع الله بأنه غير صالح لكل الأزمنة ، ويصف إتباع النصوص الشرعية بالعبودية ، وينكر أن السنة وحى من عند الله ويدعى أنها ليست مصدراً للتشريع متحدياً بذلك الآيات القرآنية العديدة التى وردت فى هذا الشأن على خلاف إجماع الأمة ، وسخر من أحكام الجزية وملك اليمين مصوراً الإسلام بالتسلط رغم تسامحه وحضه على عتق الرقاب ، وأنكر أن الله ذو العرش العظيم وأنه تعالى وسع كرسيه السموات والأرض وأن من خلقه الجنة والنار والملائكة والجان رغم ورود آيات القرآن الكريم قاطعة الدلالة فى ذلك ، متجاهلاً هذا ، وسخر من نصوص الكتاب العزيز مستخفاً به بقوله: " النص القرآنى حوَّل الشياطين إلى قوة معوقه وجعل السحر أحد أدواتها " بما معناه أن القرآن الكريم حوى كثيراً من الأباطيل ، وسارد.أبوزيد على هذا النهج المضاد للإسلام فى مقاصده وعقائده وأصوله بجرأة وغلو وتجريح نافياً عن مصادره الرئيسية ما لها من قداسة ، ولم يتورع فى سبيل ذلك أن يخالف الحقائق الثابتة حتى التاريخية منها ، وكان هذا هو منهجه ، وهو مدرك لحقيقته وفحواه فى ميزان الشريعة ، إذ أنه نشأ مسلماً فى مجتمع إسلامى ويعمل أستاذاً للغة العربية والدراسات الإسلامية بكلية الآداب جامعة القاهرة ويقوم بتدريس علوم القرآن ومثله لا تخفى عليه أحكام الإسلام وأركانه وأصوله وعقائده ، بل إنه يدعى الفقه والعلم ، وذلك حجة عليه، وإذ أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة بالنسبة لأى مسلم لم ينل حظاً من التعليم أو الثقافة الدينية ، فإنه يعد مرتداً عن دين الإسلام ، لاظهاره الكفر بعد الإيمان، وما تذرع به من أن ما صدر عنه من قبيل التأويل ، فهو مردود ،وذلك بأن التأويل لا يخرج الباحث عن أصول الشريعة والعقيدة ومقاصدها وأركانها ومبانيها ،والتأويل له ضوابط ومعايير أوردها علماء أصول الفقه، وإلا كان سبيلاً لأصحاب الهوى للمروق من شرع الله والانفلات من كل نص شرعى وتشريع بما لم يأذن به الله بما يفضى إلى الضلال والإضلال ، وليس من التأويل مهاجمة النصوص الشرعية والاستهزاء بها وإهدراها بقصد النيل منها ووصف الالتزام بأحكامها بالتخلف والدعوة إلى ترك شرع الله إلى ما سواه وإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة . وقد ورد بأبحاث المذكور - التى لم ينكر صدروها عنه - أن ما عناه بمدلول النصوص على النحو الذى ذكره بها - نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية وأن آراءه التى ضمنها مؤلفاته وأحصى الحكم بعضاً منها بمدوناته هى من الكفر الصريح الذى يخرجه عن الملة بما يعد معه مرتداً عن الدين الإسلامى ويوجب التفريق بينه وبين زوجه . وقالت المحكمة أنه من حيث إن الطاعنين (د. أبوزيد وزوجته ) ينعيان على حكم محكمة الإستئاف الخطأ فى تطبيق الشريعة الإسلامية ، ويقولان بياناً لذلك ، إن الردة لا تثبت شرعاً إلا بالبينة أو الإقرار ، وأن الأوراق خلت من إقرار الطاعن الأول بالردة ولم تثبت ردته بالبينة الشرعية ولم تنبئ عنها دلالة ما ورد بمؤلفاته ،فإن هذا النعى مردود ، ذلك بأن من المقرر شرعاً أن الردة تثبت بالإقرار أو البينة الشرعية والإقرار هو إعتراف شخص بواقعة من شأنها أن تنتج ضده أثاراً قانونية بحيث تصبح فى غير حاجة إلى الإثبات بدليل أخر وينحسم به النزاع فيما أقر به ، وهو حجة على المقر لأن فيه معنى الالتزام اختياراً ، ويصدق الإنسان فيما يقر به على نفسه لأنه لا يتهم فى الكذب على نفسه فصارت شهادة المرء على نفسه أقوى من شهادة غيره عليه ، وقد اعتبر القرآن الكريم الإقرار فى إثبات الكفر فى قوله تعالى" وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين " ، والإقرار كما يكون باللفظ الصريح يجوز أن يستفاد من دلالة التعبير . ولما كان ذلك - وكان د.أبوزيد قد أقر بأنه هو الذى صنف المؤلفات المنسوبة إليه ولم يجحدها كلها أو بعضاً منها وإذ استقى حكم محكمة الإستئناف المطعون فيه منها الدليل على رجوعه عن الإسلام على نحو ما سلف ، إذ ورد بها ما يدل على الكفر الصريح الذى يخرجه عن الملة ورتب على ذلك الإقرار الذى توافرت شروطه الشرعية قضاءه بالتفريق بين الطاعن الأول وزوجه باعتبار أن ذلك من الآثار التى توجبها أحكام الردة ،فإن حكم محكمة الاستئناف يكون قد التزم الأحكام الشرعية المقررة فى هذا الشأن ، بما لا حاجة معه من بعد إلى تطلب إقامة البينة الشرعية على ردته ، ومن ثم فإن النعى يكون على غير أساس . وقالت المحكمة أيضا أن الطاعنين(د. أبوزيد وزوجته ) ينعيان على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق الشريعة الإسلامية ، ويقولان بيانا لذلك ، إن الاعتقاد الدينى من الأمور التى تبنى الأحكام فيها على الإقرار بظاهر اللسان ولا يسوغ للقاضى التطرق لبحث جديتها وبواعثها ودواعيها ، ونطق الشخص بالشهادتين كاف لاعتباره مسلماً ، والطاعن الأول(د. أبوزيد ) يدين بالإسلام وأقر بإسلامه بما لا يجوز معه التعرض لحقيقة إسلامه أو الطعن فى صحة إيمانه لأن ما أبداه من قبيل الرأى وتاريخ الإسلام حافل بالآراء الكثيرة ولم يكفر أحد برأى أبداه ، كما أن تطبيق حد الردة شرطه أن يثبت بدليل قطعى الثبوت ، فى حين أن القرآن الكريم لم يضع عقاباً دنيوياً على الردة والأحاديث التى وردت فى شأن الردة ظنية الثبوت لكونها أحاديث آحاد ، كما طبق الحكم المطعون فيه أحكام الردة دون استتابته رغم أن الإستتابة واجبة شرعاً ، فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه .. وقد ردت محكمة النقض على ذلك بأن ما أبداه الطاعنان(د. أبوزيد وزوجته ) بشأن عقوبة حد الردة غير مقبول ،وذلك بأن حد الردة لم يكن معروضاً على محكمة الموضوع(محكمة استئناف القاهرة للأحوال الشخصية ) واقتصر الحكم المطعون فيه على التفريق بين الطاعنين باعتبار أن ذلك من الآثار المترتبة على الردة ، ومن ثم فإن ما أثاره الطاعنان فى هذا السبيل ليس له محل من قضاء الحكم ، ومن ثم فإنه يكون غير مقبول. وبناء على ذلك حكمت محكمة النقض بتأييد محكمة الاستئناف فيما قضت به فى حكمها من أن د. أبوزيد قد كفر وارتد عن الإسلام. و أكدت محكمة النقض فى حكمها أن الإسلام كل لا يتجزأ ولا يصح الإيمان ببعضه والكفر ببعضه الآخر ، فإذا صدر عمن نطق بالشهادتين قول أو فعل يخرجه عن الملة على نحو ما سلف ، فإنه يكون مرتداً لإظهاره الكفر بعد الإيمان وإن ادعى بأنه مسلم. و إلى الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى مع باقى أسباب الطعن ورد محكمة النقض عليها . [email protected] www.adelafify.com