مات الدكتور نصر حامد أبو زيد يوم 5 يولية الماضى في مستشفى بمدينة 6 أكتوبر غربي القاهرة عن 67 عاما بعد صراع مع مرض غامض نتيجة إصابته بفيروس مجهول أفقده الذاكرة فى الآونة الأخيرة . كان د.أبوزيد قد أثار جدلا كبيرا بشأن كتاباته في الفكر الإسلامي والديني مما أدى إلى صدور حكم من محكمة استئناف القاهرة للأحوال الشخصية بتطليق زوجته منه لأنه اعتبر مرتدا عن الإسلام، وهو الحكم الذى أيدته محكمة النقض . و قد تفجرت القضية عندما قدم أبو زيد أبحاثه للحصول على درجة أستاذ ولكن أعضاء بلجنة علمية شكلتها جامعة القاهرة اتهموه بالكفر بناء على ما جاء بأبحاث قدمها للترقية والكتب المقدمة للحصول على الدرجة. ورُفعت دعوى تفريق بينه وبين زوجته الدكتورة ابتهال يونس أستاذة الأدب الفرنسي بجامعة القاهرة وصدر ضده الحكم فاضطر لترك البلاد و اللجوء إلى هولندا منذ 1995. ونال د. أبو زيد عدة أوسمة وجوائز في العالم العربي وخارجه وآخرها جائزة "ابن رشد للفكر الحر" في برلين والتي تحمل اسم الفيلسوف العربي الشهير. وعقب وفاته نعته صحف مصرية كثيرة منها الصحف الحكومية والمستقلة وجهات كثيرة تمثل العلمانيين "والليبراليين " باعتباره أحد رموز التنوير والتفكير الحر، وأحد ضحايا حرية التعبير. والعجيب فى الأمر أن هؤلاء دعوا له الله أن يرحمه و أن يدخله فسيح جناته رغم أنه هو نفسه لايؤمن بذلك ، حيث وصف العقل الذى يؤمن بالغيب بأنه غارق فى الخرافة ، وصرح بأن الوقوف عند النصوص الشرعية يتنافى مع الحضارة والتقدم ويعطل مسيرة الحياة ، ويتهم النهج الإلهى بتصادمه مع العقل بقوله" معركة تقودها قوى الخرافة والأسطورة باسم الدين والمعانى الحرفية للنصوص الدينية وتحاول قوى التقدم العقلانية أن تنازل الخرافة أحياناً على أرضها. كما أنه كتب كتباً كثيرةً ملأها بالطعن في القرآن وفي علومه وفي منهج الاستدلال المستنبط منه، وشنَّ حملة شعواء على المفسرين والعلماء الذين كانوا معالمَ في تاريخ الفهم الصحيح للقرآن الكريم من أمثال ابن جرير الطبري والإمام الشافعي من قبله وغيرهم من علماء الأمة الراسخين. وقد ابتغى من وراء ذلك الفتنةَ، وتشويهَ التاريخ الإسلامي، وسعى في هذا المضمارِ أشواطاً بعيدةً، ولم يَدَعْ في قوس المناهضةِ للحق مَنزعاً، حتى أصبح نقمةً على الأمة أنْ كان أحد أبناءها العَقَقة، وخرج من مصر - وهو المصري - مُيمِّماً وجههُ شطرَ أوروبا طالباً للحريَّة الفكرية والسياسية على حد قوله بعد أن ضاقت عليه أرضُ الإسلام لما نشره من الكفر والمنكر، فاحتفى به أعداء الإسلام أَيَّما احتفاء، وصدروه في وسائل إعلامهم، ومكَّنوه من مواطن التوجيه في الجامعات، وأصبح يُصدَّرُ للناس على أَنَّه المفكر الإسلامي الكبير المُجدِّد . واستقر به المقام في هولندا منذ عام 1995م ، حيث اتخذها منبراً للترويج لأفكاره ومعتقداته. و قد استنكر البعض أي نقد لأبوزيد بعد أن مات، واصفا ذلك بأنه شماتة فى رجل ميت!! و قذف !! و هؤلاء لايهمهم ازدراء أبو زيد للشريعة والاستهزاء بالقرآن والرسول صلى الله عليه وسلم و الصحابة، ووصفه الدين الإسلامى والنصوص الدينية بأنهما ينطويان على خرافة،وحارب الإسلام فى نصوصه ومبادئه ورموزه ، وكل ذلك أوردته محكمة النقض فى حكمها كما سنرى ،وهؤلاء هم الذين منحوا أبو زيد الأوسمة والجوائز في العالم العربي وخارجه كما سبق البيان. وتلك الفئة من الناس قائمة وستظل باقية إلى يوم القيامة ولا فائدة ترجى من الكلام معهم ويتهمون من يخالفهم بأنه ظلامي ومكفراتي. والسؤال : لماذا الحديث عن نصر حامد أبوزيد بالذات وقد مات؟ الإجابة:لأن منه كثير، لأنه يمثل اتجاها فكريا قائما وموجودا مضادا ومعاديا للشريعة ممن يسعون اليوم لحذف الإسلام من الدستور و التعليم والثقافة وكافة أوجه الحياة فى مصر ، فى الوقت الذى رفض فيه الأنبا شنودة بوضوح تنفيذ أحكام القضاء وقال :"لايلزمنا إلا الإنجيل " ، و "لن نخالف الإنجيل من أجل أى أحد".. وانتصر الأنبا شنودة على الدولة . وهذا الأتجاه الفكرى هو: " اتجاه من زنادقة يموهون بكفرهم ويروجون لعقيدتهم الفاسدة ويبطنون الكفر ويدّعون الإسلام " .. ،وهذه العبارة ليست من عندنا ولكن لمحكمة النقض المصرية كما سنرى لاحقا،ونحن نقدمها بالذات للمتعاطفين مع د. أبوزيد عن جهل أو خبث. ولإيضاح الأمر للقارئ فإننا نبدأ من حيث ما انتهت إليه محكمة النقض . إن الحكم على المذكور بأنه مرتد عن الإسلام لم يصدر من محكمة واحدة ،بل جاء من محكمتين هما : 1- محكمة استئناف القاهرة فى حكمها الصادر بتاريخ 14/6/1995 فى الاستئناف رقم 287 سنة111ق . 2- محكمة النقض الدائرة المدنية والتجارية والأحوال الشخصية فى حكمها الصادر يوم الأثنين الموافق 20من ربيع أول سنة 1417 الموافق 5 من أغسطس 1996 فى الطعون المقيدة بجدول المحكمة بأرقام 475،478، 481 لسنة 65ق أحوال شخصية. تألفت محكمة النقض من : السيد المستشار/محمد مصباح شرابية(نائب رئيس المحكمة) رئيساً والسادة المستشارين/فتحى محمود يوسف ،سعيد غريان ، حسين السيد متولى ، عبد الحميد الحلفاوى (نواب رئيس المحكمة ) "أعضاء" وبحضور السيد/ناجى عبد اللطيف حسين المحامى العام وأمين السر السيد/عاطف أحمد القطامى لندخل فى الموضوع . لماذا قضت محكمة النقض بأن نصر حامد أبوزيد مرتد عن الإسلام مما يتعين معه التفريق بينه وبين زوجه، وأيدت بذلك حكم محكمة استئناف القاهرة الذى قضى بنفس الشئ؟ يقتضى ذلك دراسة أمرين : الأول : ماهى الردة عن الإسلام ؟ الثانى :ما الذى قاله د. أبوزيد لكى يحكم القضاء بأنه مرتد وبالتفريق بينه وبين زوجته الدكتورة ابتهال يونس ؟ نجيب على السؤال الأول فى مقال اليوم . "الردة" لغة تعني: الرجوع، وشرعًا تعني: كفر المسلم بقول أو فعل يُخرجه عن الإسلام . والرأي السائد في الفقه الإسلامي يذهب إلى اعتبار الردة جريمة حد، يُعاقب عليها بالقتل؛ أي الإعدام . (انظر مثلاً: بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للفقيه الحنفى علاء الدين الكاساني الملقب بملك العلماء، ج 7) ولكن الذى يهمنا هو تعريف الردة فى قضاء محكمة النقض المصرية فى قضية د. أبوزيد . قالت المحكمة أن الاجتهاد فى اصطلاح فقهاء الشريعة الإسلامية هو بذل الفقيه وسعه لاستنباط الحكم الشرعى العملى من الدليل الشرعى ، وما كان من النصوص قطعى الثبوت والدلالة فلا محل للاجتهاد فيها ، ولا مجال للإجتهاد فى المسائل المعلومة من الدين بالضرورة وإنما يكون الاجتهاد فيما لم يرد فيه نص أو ما ورد فيه نص غير قطعى الثبوت أو غير قطعى الدلالة والنصوص الشرعية هى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة باعتبارها المصدر الثانى للتشريع ، ومتى كان النص واضحاً جلى المعنى قاطعاً فى دلالته على المراد منه فإنه لا يجوز الخروج عليه أو الإنفلات من بدعوى تأويله ، فلا اجتهاد فى مقابلة النص ،وهذا هو مفاد النصوص لقوله تعالى " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً " ، " إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون " ، " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما " ، " إتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء " ، " وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله "، وآيات القرآن العظيم فى هذا المعنى كثيرة ،وقد نقل ابن عبد البر عن أبى حنيفة قوله " إذا صح الحديث فهو مذهبى " وهو ما نقله الإمام الشعرانى عن الأئمة الأربعة ، وقال الإمام الشافعى " إذا صح الحديث فأضربوا بقولى عرض الحائط 000000 ولا قول لأحد مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وآيات الكتاب العزيز قاطعة فى الأمر بإتباع السنة النبوية ووجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وجعلت طاعته من طاعة الله ، قال تعالى "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " ، " قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين " ، " من يطع الرسول فقد أطاع الله " ، " فإن تنازعتم فى شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا " ، " وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين " ، " يأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم " ، وغير ذلك من آيات القرآن الكريم التى تأمر بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقرنها بطاعة الله تعالى ومن عارض سنة رسول الله صلى الله وسلم –كما يقول الإمام أحمد – فذلك فعل الذين يستمسكون بالمتشابه فى رد المُحكم فإن لم يجدوا لفظاً متشابهاً يردونه به استخرجوا من المُحكم وصفاً متشابهاً يردونه به ، فى حين أن المنهج القويم الذى سلكه الصحابة والتابعون والأئمة أنهم يردون المتشابه إلى المُحكم ويأخذون من المحكم ما يفسر به المتشابه ويبينه فتتفق دلالته مع المحكم وتوافق النصوص بعضها بعضاً ويُصَدِّق بعضها بعضا لأنها كلها من عند الله ،وما كان الله فلا اختلاف فيه ولا تناقص ، يقول الله تعالى " فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وإبتغاء تأويله "، والسنه النبوية لا تعارض القرآن الكريم، فهى إما أن تاتى موافقة له من كل وجه وإما أن تكون بياناً لما أجمله وتفسيراً له وإما أن تكون موجبة لحكم سكت عنه القرآن ، وفى هذه الحالة الأخيرة تكون تشريعاً يجب طاعة النبى صلى الله عليه وسلم فيه ،لقوله تعالى " وما آتاكم الرسول فخذوه" ولو رُدَّت السنة النبوية التى لم ترد فى القرآن الكريم لأبطلت أكثر سنن الرسول صلى الله عليه وسلم ، رغم أن مخالفة السنة مخالفة للقرآن الكريم الذى أمر بإتباعها ،وعلى هذا إجماع علماء الأمة لم يشذ منهم فى ذلك أحد ، والقول بغير ذلك مخالفة لأصول الشريعة بما يتعارض مع كون السنة التى صدرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياً من عند الله والمصدر الثانى للتشريع ، وهو ما يتنافى مع أصل العقيدة وما هو معلوم من الدين بالضرورة ، لقوله تعالى" وما ينطق عن الهوى - إن هو إلا وحى يوحى- علمه شديد القوى " وغير ذلك من آيات الكتاب العزيز الدالة على هذا المعنى . ومن المقرر لدى فقهاء الشريعة الإسلامية – كما تقول المحكمة الموقرة – أن: الردة هى الرجوع عن دين الإسلام وركنها التصريح بالكفر إما بلفظ أو فعل يتضمنه ويعتبر كافراً من استخف بالقرآن الكريم والسنة النبوية أو استهزأ بهما أو جحدهما أو كذبهما ، أو أثبت أو نفى خلاف ما جاء بهما مع علمه بذلك عناداً أو مكابرة أو تشكك فى شئ من ذلك، أو عبد أحداً غير الله أو شرك معه غيره ،أو أنكر وجود الله أو أياً من خلقه مما أخبر عنه الله فى القرآن الكريم ، بأن أنكر الجنة أو النار أو القيامة أو الغيب والبعث والحساب أو الملائكة او الجن والشياطين أو العرش والكرسى ،أو جحد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أو بعموم رسالته للناس كافة ، أوشك فى صدقه، أو أتى المحرمات مستحلاً لها دون شبهه أو أمتنع عن إتيان فعل يوجبه الإسلام إذا أنكر هذا الفعل أو جحد أو استحل عدم إتيانه كأن يمتنع عن أداء الصلاة أو الزكاة أو الحج جاحداً منكراً ويعتبر الممتنع أو الجاحد كافراً إذا كان ممن لا يجهل مثله الحكم الشرعى ، فإن كان ممن لا يعرف مثله ذلك كحديث العهد بالإسلام فإنه لا يعد كافراً وكذلك الحكم فى إنكار مبادئ الإسلام كلها ،لأن أدلة وجودها لا تكاد تخفى والكتاب والسنة زاخران بأدلتها والإجماع منعقد عليها فلا يجحدها إلا معاند للإسلام ممتنع عن إلتزام أحكامه غير قابل لكتاب الله تعالى وسنة رسوله وإجماع أمته ، ويعتبر خروجاً عن الإسلام الجهر بأن القرآن من عند غير الله أو أنه من نظم البشر أو أن الشريعة الإسلامية لا تصلح للتطبيق فى هذا العصر أو أن فى تطبيقها تأخر المسلمين وأنه لا ينصلح حالهم إلا بالتخلص من أحكامها ،وإن كان الاعتقاد المجرد بما سلف لا يعتبر ردة ، إلا أنه يعد كذلك إذا تجسد فى قول أو عمل ويكفى عند جمهور الفقهاء ومنهم الحنفية لاعتبار الشخص مرتداً أن يتعمد إتيان الفعل أو القول الكفرى مادام قد صدر عنه بقصد الاستخفاف أو التحقير أو العناد أو الإستهزاء ولا يندفع حكم الردة إذا تحقق ما تقدم وإن ادعى المرتد أنه مسلم لإتخاذه موقفاً يتنافى مع الإسلام ،لأن الزنديق يموه بكفره ويروج عقيدته الفاسدة ويبطن الكفر ويدعى الإسلام . وبعد ،فهذا هو ماقررته محكمة النقض فى شأن الردة ، ومن المقرر فى فلسفة القانون والمبادئ العامة للقانون أن حكم القضاء هو عنوان على الحقيقة أو هو الحقيقة ذاتها. وبعد :ما الذى ما قاله أبوزيد والذى بناء عليه حكمت المحكمة بردته؟؟ إلى الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى. [email protected] www.adelafify.com