لا أعرف بالضبط كيف تنتهي وقائع هذا اليوم الصعب ، الأخبار تتواتر عن اشتباكات عنيفة في كل مكان في مصر تقريبا ومظاهرات ضخمة ومدرعات للجيش والشرطة تحاصر ميادين وتغلق طرق وتمنع الحركة فوق الكباري وضرب بالرصاص الحي وضرب بالخرطوش وعشرات القتلى ومئات الجرحى حسب إحصائيات قنوات معارضة للإخوان ودخان في ميادين مختلفة واحتراق سيارات وأسفلت تضمخ بالدم من جديد ، هذه هي الصورة التي نتابعها الآن ، حتى كتابة هذه السطور قبل مغرب الأحد السادس من أكتوبر ، المشهد يعطي دلالة لا تخطئها العين على أن المسار السياسي الحالي لم يعد صالحا للاستمرار وينبغي أن يختلف ، أقصد مسار السلطة الآن ، فما حدث اليوم يعلن بوضوح هزيمة الخيار الأمني في مواجهة المعارضين لخارطة الطريق التي أعلنها الجيش والمعارضين لحملة تنصيب الفريق السيسي رئيسا للجمهورية ، كان الرهان بعد فض اعتصامات رابعة والنهضة بشكل دموي وشديد القسوة أن الأمر ينتهي بزوابعه بعد أسبوع أو أسبوعين ، واليوم نقترب من شهرين ونتجاوز ثلاثة أشهر من عزل مرسي والزوابع والعواصف لا تنتهي ، بل تتزايد ، والاحتجاجات تبدو ككرة ثلج تتضخم مع الوقت ولا تتناقص ، ومصر تقف على قدم واحدة تنتظر كل أسبوع المفاجأة ، سعيدة أو مريرة ، كل أسبوع نتوقع شيئا مختلفا ، يصنع الخوف في طرف ويجدد الأمل في طرف آخر ، والخوف عندما يصنع السياسات تكون الكارثة ، لأن الخوف يصنع التهور والطيش والشطط والخروج عن حد العقل والاتزان ، أحداث اليوم فرضت على جميع منافذ الإعلام أن تتابع وترصد وتنقل ولو جانبا من الصورة ، حتى القنوات والمنافذ الإعلامية المعارضة لأنصار مرسي ، وهذا يعني أن حجم الاحتجاجات وخطورتها هي من الضخامة بما لم يعد بالإمكان تجاهله أو التقليل من شأنه ، وأعتقد أن هذا أول اعتراف علني بأن السلطات الجديدة أمام تحدي كبير وخطير أيضا ، وسواء كنت من مؤيدي السلطة الجديدة أو من معارضيها لا يمكن أن تدفع عن نفسك الإحساس بالخوف على هذا البلد ومستقبله ، لأننا بالفعل الآن يغيب عنا اليقين بالمستقبل ، لأنه مفتوح على كل الاحتمالات ، ومصر كدولة وشعب ومكانة لا تتحمل هذه المخاطرة ، لا يمكن أن تخطئ التقدير أن الشعب المصري نفسه منقسم الآن ، انقساما تاريخيا وغير مسبوق ، ليس عن انقسام أحزاب أو جماعات أتحدث ، وإنما عن شعب بملايينه الضخمة ، مصر منقسمة اليوم بما لم يحدث في تاريخها الحديث كله ، وأعتقد أن هذا ما يفرض على كل الأطراف البحث الحقيقي عن مخرج وعن نقطة التقاء ، لأن البدائل لهذه المصالحة الوطنية كارثية بكل المقاييس . السادس من أكتوبر هو يوم للفخر والمجد لمصر وأمتها العربية بكل المقاييس ، فهو يوم النصر العظيم والتاريخي ، والذي يدرس حتى الآن في الأكاديميات العسكرية ، وكيف اجتاز المصريون خط بارليف الرهيب بأفكار شبه بدائية وكيف قهروا جيشا يتسلح بقدرات أحدث وأكبر منهم ، السادس من أكتوبر يوم يستحق الاحتفال كل عام ، ولكن الاحتفالات هذه المرة بأمانة يبدو أنها لا تتصل بنصر أكتوبر ، قدر ما تتصل بالانتصار لسياسات معينة ودعم سلطة لها وجه عسكري صريح ، الاحتفال بأكتوبر هذه المرة مبالغ فيه بشكل واضح ، رغم أننا شكونا مرارا في سنوات ماضية من تجاهل الدولة والأحزاب المصرية الاحتفال السنوي بتلك المناسبة التاريخية ، أما هذه المرة فالاحتفال هو محاولة لاختزال نصر الوطن في صراع سياسي له طابع حزبي بين قوى سياسية متنازعة على السلطة ، وهذا ما لا ينبغي أن يكون ، لم أكن مستريحا أبدا لاختيار أنصار مرسي لهذا اليوم من أجل تفجير الاحتجاجات الواسعة ، وأعتقد أن ذلك خطأ ، ولكن بالمقابل أتصور أن رسم صورة الفريق السيسي من قبل طائرات الجيش احتفالا بيوم لم يشهده السيسي ولم يشارك فيه هو أيضا سلوك خاطئ ويجعل من الاحتفالية أشبه بسرقة ، وجزءا من صراع سياسي وليس اعتزازا بنصر الوطن . لسنا هنا في مقام توزيع حصص الأخطاء هنا أو هناك ، فهذا لن يفيد كثيرا ، وإنما المفيد أن يدرك الجميع أن ما حدث اليوم يعني أن المستقبل خطير ومروع على مصر كلها ، إذا لم ننجح في صياغة توافق وطني حقيقي يقوم على تراجع كل الأطراف خطوة للوراء وأن يبادر حكماء الوطن وليس وسطاء أجانب إلى طرح صيغة "سياسية" جديدة للمصالحة الوطنية تتيح لنا وضع قدم في مستقبل أكثر أمنا وأكثر وضوحا وأكثر ديمقراطية أيضا ، مصر تستحق من الجميع التضحية ، وأما العناد وركوب الرأس فهو انتحار سياسي ، للجميع .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. twitter: @GamalSultan1