تابعت سلسلة المقالات التي كتبها الأستاذ محمود سلطان، والتعقيبات التي عقبت على سلسلته، كما أتابع ما ينشر عن الإخوان وغيرها من الجماعات مع أو ضد هذه الجماعات، ولي تعليق إذا سمح لي القارئ والكتاب الذين كتبوا، تعليقا على كتاباتهم والردود عليهم، وتعقيبا على الإخوان أنفسهم المكتوب عنهم. إن مسألة النقد وقبوله في عالمنا العربي أمر مفقود، لا ينكره راصد، ولا يجحده منصف، سواء عند الإسلاميين أو عند غيرهم، وليس هذا العيب للإنصاف في الإخوان المسلمين وحدهم، إنها ثقافة مجتمع، فالإخوان جزء من المجتمع المصري شاءوا أم أبوا، وشئنا أم أبينا، يتأثرون بما يتأثر به المجتمع، سلبا وإيجابا، فالبيئة التي عاش فيها الإخوان وعاشت فيها الحياة السياسية والفكرية في مصر بيئة تربت ونشأت على ألا ترحب بالفكر الآخر، ولا تقبله، بل ترفضه، من الأب في أسرته، الذي تربى الجميع على أن كلامه أوامر لا تناقش، إلى المعلم في فصله في المدرسة ليس مقبولا أن يناقش التلميذ المعلم في درس، فوقت الحصة لا يكفي بالكاد لينهي الدرس، إلى الدكتور في الجامعة الذي أمامه آلاف الطلبة، إلى رجل الأمن الذي يتعامل مع كل مشكلة فكرية وكأنه يتعامل مع مسجون جنائي، ودوما الحلول الأمنية هي أقرب الحلول عندنا، كل هذه الأجواء لا شك تؤثر في كل بيئة ثقافية ودينية، فكل ما اتهم به الإخوان من المثقفين موجود بنفس الدرجة أو أكبر في كل الأوساط الثقافية والسياسية. وللإنصاف أقول: إن الإخوان مظلومون وظلمة، مظلومون لأن المجتمع المصري حتى بمثقفيه يحملون الإخوان أحيانا فوق طاقتهم، ويطلبون منهم ما لا يسعهم، وهذا صادر عن إما ثقة في الإخوان أكبر من إمكانياتهم، وإما تحديا لهم لإثبات فشلهم، وإثقال كاهلهم، كما أنهم يكيلون بمكيالين في التعامل مع الإخوان، فمثلا: لم يمر على نجاح الإخوان في مجلس الشعب ودخول (88) عضو أكثر من ستة أشهر، ومع ذلك يطالب المجتمع المصري النواب في دوائرهم بمطالب حياتية، مثل: أين الوظائف؟ أين المياه النظيفة؟ أين الصرف الصحي؟ أين المستشفيات؟ أين أين؟؟ وكأن المعارضة والإخوان مطالبون بأن يحلوا أزمة نظام وفساد نظام دام ربع قرن في ليلة واحدة، وأين كانت أصواتكم العالية التي لم تقل لمن سرق حقوقكم في وضح النهار: أين حقي؟ وكأن الإخوان والمعارضة رسول من العناية الإلهية لحل هذه الأزمات؟! مظلومون لأنهم يخرجون استجابة لمطالب الشارع السياسي، فخرجوا في أزمة القضاة وخرجت كفاية أيضا ثم زُج بهم في السجون، ولم تخرج مظاهرة واحدة من الشارع السياسي تطالب بالإفراج عنهم، ومن قبل: زورت الانتخابات ضد مرشحة الإخوان في الانتخابات البرلمانية السابقة ضد جيهان الحلفاوي، ثم بعد ذلك ضد مكارم الديري، ولم تخرج جمعيات حقوق المرأة التي صدعت رؤوسنا بحقوق المرأة، والمرأة المضطهدة من الإسلاميين!! ومنذ أيام قليلة ندد المثقفون والسياسيون الأقباط والإسلاميون برواية (شفرة دافنشي) لأنها تتطاول على السيد المسيح عليه السلام، ولما نادى د. محمد جمال حشمت وإخوانه بمصادرة رواية (وليمة لأعشاب البحر) خرج كل ناعق من كتاب السلطة والعلمانيين يتهم الإخوان بالظلامية، لماذا يا سادة لم يخرج المدافعون عن حرية التعبير هذه المرة؟! ونادت الكنائس بمصادرتها، فقوبل ذلك منها بالترحيب والمباركة، وإذا نادى الأزهر بالمصادرة نصفه بالتخلف والرجعية، هو ومن وقف معه من النواب الإسلاميين!! مظلومون لأنهم اتهموا من قبل بدء الدورة البرلمانية بأن نوابهم أناس سذج، أكبر ما يفعلونه هو استجواب لمنع رواية من النشر، أو فيلم من العرض! فلما خيبوا الظن وكانت استجواباتهم استجابة لمطالب الشارع السياسي، والمجتمع، لم يسمعوا كلمة شكر، ولم يقرأوا مقالة تشد على أيديهم! والإخوان ظلمة أيضا؛ ظلمة لأنفسهم، لأنهم يتركون هذه المساحة من الغموض تكتنفهم، وقنوات التواصل تضعف أحيانا بينهم وبين شرائح المثقفين المختلفة، فترى الاتهام يخرج من الناس، ويكونون برآء من الاتهام ولا ترى نشرا في موقعهم ولا في صحفهم، اللهم إلا إذا قدر لك أن تلتقي مصادفة بأحد كوادر الإخوان فتتهمه فيجيب بما يصدمك بأن اتهامك ليس صحيحا، والحقيقة عكس ما قلت. حدث هذا معي شخصيا عندما قابلت أحد كبار الإخوان في مؤتمر وقلت له: أين شباب الإخوان والإخوان عامة من أزمة القضاة؟ أهذا هو جزاؤهم بعد وقفتهم؟ فقال: إننا أخرجنا عشرة آلاف ولكنهم منعوا على أبواب المحافظات، وضرب عضو مجلس شعب من الإخوان من الأمن، قلت له: ولكن هذا لم ينشر ولم يعرف؟ العيب عيب موقعكم وعيب الصحف التي لا تنشر ما يحدث لكم لتبرئ ساحتكم! وقد أوضح الأستاذ محمود سلطان موقفا كهذا في لقائه بالدكتور عبد المنعم أبو الفتوح لسؤاله عن عدم تواجد الإخوان بكثرة مع حركة (كفاية) وبين أن هذا هو مطلبهم. على الإخوان ومنتقديهم معا أن يفهموا: أن الإخوان ليسوا ملائكة، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، بل هم بشر، خلقوا من طبيعة البشر التي أصلها الخطأ "كل بني آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون". وعلى الناس أن لا يكفوا عن تقديم النصح لهم، ما داموا مخلصين في نصحهم، وعلى الإخوان أن يقبلوا النقد بصدر رحب، وأن يقبلوا كل نقد بناء كان أو هداما، وأن يقبلوا النصيحة من أي فم خرجت، ومن أي قلم صدرت، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما نصح إبليس أحد الصحابة بنصيحة، هل قال له صلى الله عليه وسلم: إنه إبليس فارفض نصيحته، لا بل دعاه للاستفادة من نصحه، وعدم إطاعته في شره، فقال صلى الله عليه وسلم: "صدقك وهو كذوب"، بل الإمام أبي حامد الغزالي رحمه الله ما صار إلى ما صار إليه من علمه وتفوقه إلا بنصيحة أتت من باب السخرية من لص، قطع عليه الطريق، وصادر كتبه، فطلبها منه أبو حامد الغزالي لأنه لا يحفظ ما فيها، فسخر منه قاطع الطريق، وقال: أنت طالب علم فاشل، لو كنت طالب علم بحق لحفظت ما بها، وأعطاه الكتب سخرية منه، واستفاد أبو حامد من النصيحة التي خرجت بسخرية وتهكم، ومن لص!! وهذا ما كان يفعله الإمام حسن البنا رحمه الله، فلو رحت أحصي عدد النقد الذي وجه له لزاد عن أربعين موقفا، بلا مبالغة، بل خصص في مجلة (الإخوان المسلمون) النصف شهرية، في الأربعينات من القرن الماضي بابا بعنوان (باب النقد)، ولما رأس تحرير مجلة (المنار) خلفا للعلامة المجدد الشيخ محمد رشيد رضا كتب بعنوان بارز في منتصف الصفحة: (دعوة لنقد المنار) وفعلا انتقده القراء، ورحب بالنقد. مطلوب منا: أن يحسن بعضنا الظن ببعض، ولا نتبنى التفسير التآمري للأفكار والأحداث، وأن نتسم بالصدر الرحب، وأن نعمل لرفعة الوطن معا موقنين بأننا جميعا يد واحدة لا يفرق بيننا إلا من يرى مصلحته في فرقتنا. علينا أن نثبت ذلك للإخوان، وعلى الإخوان أن يثبتوا لنا ذلك، بالفعل والعمل لا بالقول والشعارات. [email protected]