تعقيبا على سلسلة مقالاتي التي كتبتها عن الإخوان المسلمين في مصر ، وصلني عدد من الرسائل بعضها كان حانيا في رده وموضوعيا في تعقيبه سواء كان متفقا أو مختلفا معي ، وبعضها الآخر اتهمني أنني كتبت مقالاتي وفق مخطط محكم يستهدف النيل من الجماعة وإلهاء الناس عن قضايا الإصلاح والديمقراطية ! الغريب والمدهش أن الرسائل التي كانت "هادئة" سواء اتفقت أو اختلفت معي كان معظمها من شباب لم يخفوا انتمائهم لجماعة الإخوان المسلمين ، أما تلك "العنيفة" التي اتهمتني بالتواطؤ مع "مجهولين" للنيل من الجماعة وإلهاء الناس عن مشاكلهم السياسية الحقيقية ، فقد كتبها أعضاء "شيوخ" في الإخوان قريبون من قياداتها يكتبون المقالات في الصحف ومن بينها "المصريون" التي تنتقد النظام السياسي القمعي الذي يحكمنا ويصادر حقوق الناس في المعارضة ! والأكثر غرابة أن الذين يصادرون حقي في نقد الجماعة هم ذاتهم الذين ينتقدون نظام الرئيس مبارك الذي يحبس الصحفيين على آرائهم ، مع الآخذ في الاعتبار الفارق بين الطرفين .. فالآخير في السلطة وبيده كل أدوات القمع والبطش بالمعارضة .. والإخوان خارجها حتى الآن فماذا لو تقلبت الدنيا وتبدلت ووصلت الجماعة إلى ذات المقعد الرئاسي وبعض رجالها على هذا الحال لايطيقون من ينتقدها أو يخلص النصح لها ؟! وهذه هي آفة كافة التيارات السياسية المصرية ، إذ يحلون لأنفسهم ما يحرمونه على غيرهم ، وأذكر أني كتبت مقالا في صحيفة حزبية كبيرة انتقدت فيها الرئيس مبارك فأجازته الصحيفة ونشرته على مساحة كبيرة بارزة ، وعندما كتبت مقالا أنتقد فيه رئيس حزب التجمع الدكتور رفعت السعيد ، قرر الحزب الذي يصدر الصحيفة منعي من الكتابة ومعاقبة الصحفي الذي يشرف على صفحة الرأي التي نشرت المقال ، بحرمانه من الإشراف عليها ! لقد بلغ الحال بالمعارضة المصرية ، مبلغ أن تكيل في مسألة الحريات بمكاييل غريبة وشاذة إذ للكاتب حرية نقد رئيس الدولة ، فيما يعاقب لو انتقد رئيس حزب ورقي لاقيمة له ولاوزن في سوق وبورصة السياسة ! ولقد بات تقليدا وعرفا ثابتا داخل كافة الأحزاب السياسية المصرية ، ضرورة صدور قرار سياسي من أعلى سلطة بالحزب ، متى شاء صحفي أو كاتب أن ينتقد رئيس حزب ، حتى لو كان حزب الشيخ الصباحي ! وفي هذا السياق كان د. نعمان جمعة يعرض نفسه على الرأي العام بديلا "ديمقراطيا" للرئيس في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ، رغم أن الرجل كان مثقلا بتراثه القمعي والوحشي في حزب الوفد وصحيفته أثناء رئاسته ومسؤوليته عنهما قبل أن يخلع في مشهد يبعث على الخزي والعار !. عندما تكلمت في مقالاتي عن جماعة الإخوان المسلمين ، حاولت أن أكون موضوعيا قدر الإمكان وأشير إلى ما للجماعة وما عليها ، وتجنبت النزول إلى بعض التفاصيل التي قد تبدو" صغيرة " وهي عند الله تعالي "كبيرة" ، فيما يتعلق بتعاطي الحركة في تفاصيل الحياة الاجتماعية لأعضائها مثل علاقات الزواج والطلاق وعلاقات العمل ، ففي هذا الجانب أمور كثير "مؤلمة" ما شئت التعرض لها إكراما وإجلالا لابتلاءات نبلائها مثل الصديق العزيز د. عصام العريان ود. محمد مرسي فك الله أسرهما وغيرهما كثيرون لهم عندي منزلة التقدير والتوقير. النقد لا يغضب إلا من تربى في مناخ دوغمائي مغلق ولا يقبل الأخر المختلف ولا يطيق سماع كلمة حق أو نقد حتى وإن كانت من قبيل "النصح" والنصيحة لله وللرسول ولعامة المسلمين وأئمتهم . ما يغضب فقط هو التجريح واطلاق الاتهامات بلا أية ضوابط ولا أدلة ، فإما أن تقبل بالجماعة وتسكت على تصرفاتها وإلا صرت في عرف بعضهم "عميلا" تعمل وفق مخطط مجهول وغامض ! وأحمد الله تعالى أن الجيل الجديد من الجماعة ، وكما تجلى لي من خلال رسائلهم ، متحرر نسبيا من تقاليد تقديس الرموز والجماعة وانزالهما منزلة العصمة التي ترفعهما إلى مرتبة الاستعلاء على النقد . [email protected]