من بين المشاكل التي لم يلتفت إليها أحد، أن القوى السياسية التي شاركت في "هدم" نظام مبارك.. ظلت حاضرة وممسكة بناصية العقل المصري، في مرحلة "البناء".. وهو التناقض الذي هز عرش المجلس العسكري الذي تولى الحكم بعد مبارك.. وفكك بسرعة مذهلة عرش مرسي خلال عام واحد من توليه الحكم.القاعدة السياسية المستقرة تقول إن معاول الهدم لا تصلح كقوة بناء .. وأن لكل مرحلة أدواتها التي تختلف عن تلك التي سبقتها، غير أن هذه القاعدة لم تجد لها صدى في مرحلة ما بعد مبارك.. حتى اللحظة الراهنة. ولكي نكون أكثر تحديدا، فإن أدوات هدم نظام مبارك.. هي ذاتها التي هدمت نظام المشير طنطاوي "العسكري"، ومرسي المدني "المنتخب" من بعده. والذي تغفل عنه عيون الطبقة الحاكمة الآن، أن ذات الأدوات التي هدمت عروش من قبلها، تعمل بلا كلل في هدم النظام الذي أرساه الفريق السيسي بعد عزل مرسي يوم 3 يوليو 2013. الفارق يختصر في أن معاول الهدم في عصر مبارك والمشير ومرسي، كانت تعمل بدون رضاهم وحشدت الدنيا كلها ضدهم، وتبوأت منزلة المعارضة لهم جمعا.. أما الآن فهي تفكك في نظام عدلي منصور، وتسوقه نحو نهاية أسوأ من نهاية من سبقوه.. برضاه وبالتحالف معه ومع أدواته من الأجهزة الصلبة والجهاز البيروقراطي للدولة. الإعلام "الفلولي" الحالي، هو الذي شارك في إهانة المؤسسة العسكرية في المرحلة التي تلت مباشرة تنجي مبارك.. وألحقت بالجيش المصري أول هزيمة سياسية في تاريخه، حين حشدت الشارع ضد ما عرف ب"حكم العسكر" ودافع عن سلسلة الإهانات التي وجهت للجيش في فترة حكم المشير طنطاوي، واعتبر سباب المؤسسة العسكرية، "ثورة" ضد دولة العسكر، وانتهى المشهد بخروج "مهين" للجنرالات الأقوياء من المعادلة السياسية على يد الرئيس المخلوع محمد مرسي. ذات الإعلام الفلولي.. شارك بقوة في تفكيك منظومة الحكم الإخواني، ولوعيه بضعف قدرته وحده، على الإطاحة برئيس "منتخب" ويستند إلى ظهير جماهيري منظم وقوي "الإخوان".. فلجأ إلى تحريض الجيش، لمواجهة الجماعة.. غير أن المؤسسة العسكرية في بداية الأمر رفضت القبول بخوض معارك المعارضة بالوكالة، خاصة تلك المعارضة التي "أهانت" الجيش في فترة حكم المجلس العسكري، وهيئت الأجواء أمام الرئيس المعزول للإطاحة بالجنرالات الذين ساعدوه على تولي الحكم. بيد أن الأخطاء الجسيمة التي ارتكبها الإخوان فيما يتعلق بالأمن القومي المصري، ربما حمل الجيش على التخلي عن حظره والاستجابة للضغط الإعلامي العاتي والذي صنع رأيا عاما ينتظر بل وطالب فعلا بعودة الجيش إلى الحكم مجددا "كراهية" في الإخوان. بعد 3 يوليو.. ظل التحالف بين "الإعلام الفلولي" الذي امتلك خبرات التفكيك وشارك في هدم دولة ما بعد الثورة وإلحاق الأذى بالمؤسسة العسكرية.. ظل هذا التحالف بينه وبين النظام الجديد على حاله.. رغم أنه أي الإعلام الفولي ورط الجيش والشرطة وإدارة الحكم، في مواجهات دامية ووسع من رقعة المعارضة المسلحة في منطقة سيناء .. وانتشارها التدرجي في أكثر من محافظة، وذلك بسبب خطاب التحريض على الكراهية والعنف والتصفية الجسدية لمعارضي 30 يونيو. والحال أن تنامي القوى الشعبية المناضلة، والمناوئة للإخوان وللعسكر معا، يعود الفضل في تناميه، إلى هذا الإعلام "المعتوه" الذي بات المصدر الوحيد لجمع المعلومات وتقديمها للدولة.. وكأن الأخيرة لم تعد تثق في قدرة أجهزتها الأمنية على سبر الحقائق وتوصيف الأوضاع على الأرض.وهو الوضع الذي يحمل البشارة المبكرة.. بمستقبل نظام عدلي منصور، واقترابه تدريجيا من ذات الأبواب التي خرج منها مبارك والمشير ومرسي. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.