القوى الإسلامية تستخدم سلاح نظام مبارك فى اتهامات المعارضة آفة كبرى أصابت مجتمعنا وكان لها دور كبير فى تعطيل الثورة وتفتيت الجهود، بمجرد أن يتم الاختلاف فى الرأى يبدأ التخوين، فأصبح هو الوسيلة المثلى لتفريق التحالفات وتفكيك التنظيمات وبدء المناوشات والمصادمات. أنت خاين وعميل، أجندات، مؤامرة.. مصطلحات استخدمها نظام مبارك وإعلامه لتشويه معارضيه بكل أطيافهم، لم ينجُ من هذه الاتهامات «لا ليبراليين ولا إسلاميين ولا اشتراكيين ولا حتى القوميين أو الاشتراكيين المعادين لأمريكا عداء شديد». ورغم أن جميع أطياف المعارضة كانت فى نفس المركب ضد النظام قبل الثورة فإن الصورة لم تخلُ من بعض التشويه والتراشق الطفيف بين بعضهم البعض، ولكن سرعان ما كان يعلو صوت العقل ويتذكر الجميع أن هذه التفاهات مقصود بها الفرقة وتفتيت الجبهة ضد مبارك ونظامه. وحتى أثناء ال18 يوما التى أبهرت العالم كله لم تخلُ من التخوين والاتهامات بين المجموعات بعضها البعض، وكان هذا السبب الرئيسى فى عدم وجود قيادة موحدة للثورة تتولى الحكم بعد رحيل مبارك، مما سمح للعسكر بالقفز على السلطة وأدخلنا فى هذا المسار المعيب الذى نعانى منه حتى اليوم وسنظل نعانى منه لفترة قد تطول. قبل الثورة كان النظام يشوه معارضيه ويتهمهم بالخيانة، والتمويل، والأجندات الأجنبية، وأثناء وبعد الثورة استكمل هذه المهمة أنصار مبارك وأنصار النظام القديم ووسائل الإعلام التى يتحكم بها رجال مبارك، وبعد أن ضاق المجلس العسكرى بمعارضيه من الحركات الشبابية، خصوصا 6 إبريل، بدأ فى استخدام نفس السلاح بهدف ضرب المصداقية وفض الناس عن المعارضة. استخدمت القوى الإسلامية هذا السلاح أيضا عندما تحالفوا مع العسكر وبدأ التشوية والتخوين من قبل الإسلام السياسى الذى معه الأغلبية البرلمانية ضد الحركات الشبابية والثورية والقوى المدنية، رغم أن التخوين وإلقاء الاتهامات بدون دليل وتشويه المعارضين هى أفعال تخالف شرع الله. ليس الآخرون ملائكة، بل بعد فوز مرسى بكرسى الرئاسة بدأ العديد من الأفراد والمجموعات المحسوبة على القوى المدنية فى مهاجمة الإخوان، وكل من دعم مرسى من الشخصيات والمجموعات الثورية، واتفقت مجموعات محسوبة على الثورة للأسف وأنصار بعض المرشحين «الثوريين» الخاسرين مع فلول النظام، على مهاجمة وتشويه الإخوان وكل من دعم مرسى مثل 6 إبريل وكل شخصيات الجبهة الوطنية التى اصطفت خلف مرسى فى جولة الإعادة، وعادت الاتهامات المرسلة ولكن فى ثوبها الجديد، وسمعنا قصصا صنعتها خيالات مريضة عن مؤامرة كبرى ماسونية أمريكية إخوانية إبريلية. والآن عادت مرة أخرى قوى اليمين الدينى فى كيل الاتهامات للمعارضة بالاشتراك فى مخطط لهدم الدولة وإسقاط الرئيس المنتخب وإسقاط الدولة بمخطط خارجى. التخوين لا دين له، استخدمته كل الطوائف والمجموعات ضد بعضها البعض، حديث بدون دليل عن صفقات ومؤامرات وشاى بالياسمين، التخوين هو سلاح ضعيف الحجة ضد الآخرين، لا يختلف كثيرا عن التكفير، فالتخوين والتكفير وجهان لعملة واحدة هى سلاح الفاشل وضعيف الحجة للهجوم على الآخر. التخوين والتكفير يعتبره البعض مبررا للعنف وسفك الدماء، فالآخر خائن وعميل دمه حلال أو كافر مهدر دمه. بعض الباحثين فى علم الاجتماع فسر هذه الظاهرة وتقبل الشعب لتلك الحواديت عن المؤامرات بأن كل الشعوب التى خرجت من فترات استعمارية وحكمها الفكر القومى لفترة بعد الاستعمار الأجنبى والنضال الطويل ضده أصبح التخوين والحواديت عن المؤامرات هو اللغة الدارجة بين أفراد تلك الشعوب. وكثيرا تستخدم الأنظمة المستبدة هذا الحديث لحشد الجماهير وتخويفها من العدو الاستعمارى وقمع أى معارضين أو منتقدين للأداء الفاشل للسلطة، حتى فى الدول الأوروبية حدث فيها مثل هذا فى فترات سابقة، سواء أثناء حكم الأنظمة المستبدة أو بعد التحرر منها. ولكن فى مصر تحتاج هذه الظاهرة الخبيثة لمزيد من الدراسة والتحليل والبحث عن طرق لعلاجها فى المجتمع، قبل أن تزداد نبرة التخوين والتكفير وتستباح الدماء ويزداد الانقسام والعنف السياسى.