«الداخلية» تنظم الملتقى الخامس لشباب وطلائع المناطق الحضارية في السويس    وزير الاتصالات يبحث مع مسؤولى شركة نوكيا خططها التوسعية فى تصنيع الهواتف المحمولة فى مصر    التموين: متابعة أسعار 17 ألف سلعة يحتاج إلى تشكيل مجموعات على أرض الواقع    «الصناعات الكيمياوية»: إنتاج مصانع الأسمدة في مصر لم يصل مستويات ما قبل قطع الغاز    تبكير موعد صرف رواتب شهر يونيو 2024 بالزيادة الجديدة    «سياحة الشيوخ» توصي بضرورة تفعيل «العمرة بلس» لتحقيق عائد اقتصادي    الحوثيون يعلنون استهداف مدمرة بريطانية وسفينتين متجهتين لإسرائيل    "كتائب القسام" تعلن مقتل 3 أسرى أحدهم يحمل الجنسية الأمريكية    الأهلي يضم مدافع سوبر تحسبًا لرحيل محمد عبد المنعم    منتخب مصر لسلاح سيف المبارزة يتوج بذهبية بطولة أفريقيا    حسم مصير ثنائي الأهلي المعار    قبل بدء امتحانات الثانوية العامة غدًا.. التعليم توجه التحذيرات الأخيرة للطلاب (فيديو وتفاصيل)    محمد منير .. تاريخ من الإنسانية والحكمة مع المعجبين    ياسمين عبدالعزيز تُعلن تعاقدها على مسلسل رمضان 2025 (صور)    غدا.. "صحة المنيا" تنظم قافلة طبية بقرية حلوة بمركز مطاي    تأجيل محاكمة متهمي خلية التجمع لجلسة 28 أغسطس    سوهاج الأزهرية تعلن أوائل الشهادة الإعدادية بالمحافظة «للمبصرين والمكفوفين»    مراقب المباراة يخطر منتخب مصر بعدم إقامة مؤتمر صحفى قبل مواجهة غينيا بيساو    توقعات برج الميزان في الأسبوع الثاني من يونيو 2024    مدحت صالح يستعد لإحياء حفل غنائي 29 يونيو بالأوبرا    جامعة سوهاج: 1000 طالب وطالبة يؤدون امتحانات نهاية العام بالجامعة الأهلية للتعلم الإلكتروني    الصحف الأوروبية.. الصن: يونايتد يستهدف ضم جاراد برانثويت وسكاي سبورت: مانشستر سيتي يرفض التفريط في ألفاريز    الأعلى أجرًا في التاريخ.. مانشستر سيتي يقرر تجديد عقد نجمه    فضل يوم عرفة وأحب الأعمال إلى الله فيه    محافظ السويس يعتمد تنسيق مدارس الثانويتين العامة والفنية للعام الجديد    جانسن مصر تشارك في المعرض والمؤتمر الطبي الأفريقي الثالث 2024    قصف أمريكي بريطاني يستهدف منطقة الجبانة في الحديدة غرب اليمن    «الأخبار» تطلع على خرائط 100 عام من طقس مصر ..    ماذا تقدم بي إم دبليو M3 موديل 2025 لتباع ب4.8 مليون جنيه؟    وزيرة الثقافة: كثير من المبدعين والمصممين يشتكون تعرض إبداعاتهم للسطو    بروتوكول تعاون بين جامعة بنها والأكاديمية العسكرية للدراسات العليا    ما حكم الأضحية عن الميت؟    المرور: ضبط 28776 مخالفة خلال 24 ساعة    محافظ الشرقية يُفاجئ المنشآت الصحية والخدمية بمركزي أبو حماد والزقازيق    ريان عربي جديد.. إنقاذ طفل سوري وقع داخل بئر بإدلب    شكري يتوجه إلى روسيا للمشاركة في اجتماع وزراء خارجية تجمع بريكس    البابا فرنسيس يحث حماس وإسرائيل على استئناف المفاوضات ويدعو لإنقاذ شعب غزة المنهك    استقالة الحكومة لن تلغى المشروع الجديد خطة تصحيح مسار الثانوية العامة    مدرسة غبور للسيارات 2024.. اعرف مجموع القبول والتخصصات المتاحة    بسمة داود تنشر صورا من كواليس "الوصفة السحرية"    منورة يا حكومة    وزير الزراعة يوجه بتكثيف حملات التفتيش على منافذ بيع اللحوم والدواجن والاسماك والمجازر استعدادا لاستقبال عيد الأضحى    ضبط مالك مطبعة متهم بطباعة المطبوعات التجارية دون تفويض من أصحابها بالقليوبية    موعد يوم التروية 1445.. «الإفتاء» توضح الأعمال المستحبة للحاج في هذا التوقيت    فى انتظار القصاص.. إحاله قضية سفاح التجمع الخامس إلى جنايات القطامية    اعتدال بسيط في درجات الحرارة بمحافظة بورسعيد ونشاط للرياح.. فيديو وصور    طريشة تلدغ مسنا بواحة الفرافرة في الوادي الجديد    يحدد العوامل المسببة للأمراض، كل ما تريد معرفته عن علم الجينوم المصري    سر تصدر شيرين رضا للتريند.. تفاصيل    انتهاء جلسة التحقيق مع رمضان صبحي في أزمة المنشطات    إدريس : أتوقع أن نحقق من 7 إلى 11 ميدالية في أولمبياد باريس    «التضامن الاجتماعي» توافق على قيد ونقل تبعية 3 جمعيات بالقاهرة والغربية    أستاذ صحة عامة يوجه نصائح مهمة للحماية من التعرض لضربات الشمس    الملامح النهائية للتشكيل الحكومي الجديد 2024    مجلس التعاون الخليجي: الهجوم الإسرائيلي على مخيم النصيرات جريمة نكراء استهدفت الأبرياء العزل في غزة    حزب الله يستهدف موقع الرمثا الإسرائيلي في تلال كفر شوبا اللبنانية المحتلة    3 طرق صحيحة لأداء مناسك الحج.. اعرف الفرق بين الإفراد والقِران والتمتع    «الإفتاء» توضح أعمال يوم النحر للحاج وغير الحاج.. «حتى تكتمل الشعائر»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سقوط الأقنعة وانكشاف المؤامرة
نشر في صدى البلد يوم 08 - 04 - 2012

تعيش مصر فى هذه الأيام أزمة مركبة طالت جميع مؤسسات الدولة والمجتمع. فالبرلمان يبدو مكبلاً بالأغلال وعاجزاً تماماً عن أداء أى دور تشريعى أو رقابى حقيقى، رغم أنه جاء عبر انتخابات حرة نزيهة يصعب التشكيك فى مصداقيتها. والحكومة تبدو بدورها مكبلة بالأغلال وعاجزة، حتى لو أرادت، عن القيام بأى مبادرة حقيقية لتحسين أحوال الناس والعباد، مهما كانت صغيرة، وبات واضحاً أنها لا تملك من أمر نفسها شيئاً، ولا تستطيع أن تخطو خطوة واحدة دون ضوء أخضر من مجلس عسكرى يملك أمر تعيينها كما يملك أمر حلها فى أى وقت دون إبداء الأسباب لأنه لا يخضع لأى نوع من المساءلة أو المحاسبة.
والمجلس العسكرى يبدو بدوره مكبلاً بالأغلال، رغم أنه يملك نظرياً كل السلطات والصلاحيات، ويتصرف كأنه يعمل استجابة لنداء قوى خفية، محلية وإقليمية ودولية، يتعين أخذ مصالحها فى الاعتبار، أو كأنه لا يستطيع تجاوز خطوط حمراء حددها هو لنفسه أو حددها له آخرون. ولأن هذه المصالح تبدو متوازية ومتناغمة أحيانا ومتعارضة إلى حد التناقض أحياناً أخرى، فمن الطبيعى أن تصاب حركته بالارتباك إلى حد العجز والشلل الكامل فى أحيان كثيرة.
غير أن هذا الارتباك لا يقتصر فى الواقع على المؤسسات الرسمية للدولة، فقد أصاب العجز والشلل كل مؤسسات ومنظمات المجتمع على كل المستويات والأصعدة. فهناك الآن أزمة ثقة عميقة بين الأحزاب والقوى والحركات السياسية التى كانت قد توحدت فى لحظة ثورية رائعة لتصبح على قلب رجل واحد فى مواجهة نظام مستبد فاسد، قررت أن تدك حصون ظلمه وطغيانه مهما كلفتها المواجهة معه من تضحيات، وها هى اتهامات متبادلة بالتكفير والتخوين تحل محل ثقة كانت تبدو فى تلك الأيام الخوالى صافية لا تكاد تشوبها شائبة. وبعد أن كان الشعب والجيش «إيد واحدة»، والدبابات والعربات المصفحة تنتشر فى الشوارع لتحمى ظهور ثوار راحوا يتسلقون ظهورها ليعانقوا أبناءهم وإخوانهم من الجنود والضباط، إذا بهما اليوم يتبادلان أقذع الشتائم والاتهامات: فالثوار أصبحوا فى نظر المجلس العسكرى عملاء يعملون لحساب مصالح ومخططات أجنبية، ويتلقون أموالاً من الخارج لضرب أمن مصر واستقرارها، والمجلس العسكرى تحول فى نظر الثوار إلى فلول تقود ثورة مضادة وتعمل على إعادة النظام القديم لكن بوجوه جديدة.
لم تقتصر أزمة عدم الثقة على الجهات الرسمية أو الشعبية العاملة فى مجال السياسة وإنما امتدت لتشمل جميع المجالات والأطراف، ووصل الأمر إلى حد ضرب النشاط الرياضى وإثارة الفتن بين جمهور المشجعين لكرة القدم، وراح المجتمع المصرى يتحول تدريجياً إلى غابة، وينزلق رويداً رويداً نحو وضع أشبه بحرب «الكل ضد الكل»! ولأن تلك الأجواء العبثية كانت من وجهة نظر البعض ضرورية لتمهيد الطريق أمام أحد أعمدة النظام القديم كى يتقدم بثبات نحو المقعد الرئاسى، فمن حقنا أن نتساءل عما إذا كان ما يجرى فى مصر الآن نتيجة طبيعية ومنطقية لأخطاء ارتكبت بحسن نية، ثم تراكمت بسبب افتقار المؤسسة العسكرية خبرة سياسية تمكنها من إدارة شؤون البلاد خلال مرحلة انتقالية، أم أنه على العكس نتيجة مؤامرة محكمة سابقة التجهيز ارتكبت عمداً ومع سبق الإصرار والترصد؟
أعتقد أننى أصبحت الآن أكثر ميلاً إلى الاعتقاد بأن ما يجرى فى مصر الآن لا يمكن أن يكون نتاج مصادفة أو أخطاء غير مقصودة وأنه تم وفق مخطط أعد سلفاً. بل إننى لا أتردد فى القول إن قرار الرئيس المخلوع بالتنحى عن السلطة وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد لم يكن سوى الخطوة الأولى على طريق تنفيذ مخطط شرير استهدف إجهاض الثورة بالعمل على ثلاثة مستويات:
1- فك الارتباط بين القوى التى فجرت الثورة والقوى التى أسهمت فى إنجاحها.
2- إبعاد القوى الثورية الحقيقية عن مراكز صنع القرار، والتمكين للقوى المرتبطة بالنظام القديم من خلال وجوه انتهازية جديدة لضمان عرقلة أى سياسات إصلاحية تلمسها الجماهير على الأرض.
3- عزل الأغلبية الصامتة عن القوى الثورية الحقيقية، تمهيداً لتشويه الثوار وتحميلهم مسؤولية المعاناة التى يتكبدها الشعب، خاصة ما يتعلق منها بافتقاد الأمن وتدهور الأوضاع المعيشية.
لقد بدأ هذا المخطط الشرير، فى تقديرى، بتشكيل لجنة لتعديل الدستور. ويكفى أن نتذكر أن الرئيس المخلوع كان قد قبل مضطرا، قبل أيام محدودة من تنحيه، بضرورة القيام بإصلاحات سياسية تبدأ بتعديل الدستور، وشكّل بالفعل لجنة لهذا الغرض من كبار فقهاء القانون الدستورى، وهو نفس النهج الذى سار عليه المجلس العسكرى فيما بعد. كل ما فى الأمر أن تشكيل اللجنة التى تمت فى عهد المجلس العسكرى، والتى ضمت أعضاء فى جماعة الإخوان المسلمين أو متعاطفين معها، اختلف عن تشكيلها فى عهد «مبارك»، الذى تم وفق أسس أكثر مهنية وأقل أيديولوجية.
ولأن إصلاح النظام كان أمراً مقبولاً فى وجود «مبارك» ومرفوضا بعد رحيله، فقد تنبه كثيرون إلى خطورة الإقدام على إجراء هذه التعديلات وطالبوا بدستور جديد يؤسس لنظام ديمقراطى حقيقى، دون أن يكون لذلك علاقة من قريب أو من بعيد بالموقف من التيار الإسلامى أو بالمادة الثانية. لذا بدت حملة التيار الإسلامى ضد الرافضين للتعديلات الدستورية والمطالبين ب«الدستور أولاً» مذهلة فى عنفها وغير مبررة. ولأنه ما كان يمكن للتعديلات التى أُقرت بالفعل أن تمر دون عملية تعبئة جماعية وشاملة لكل فصائل التيار الإسلامى، لم ينتبه كثيرون إلى حقيقة لعبة شد الحبل التى كانت قد بدأت منذ ذلك الحين بين الإخوان والعسكر.
فالإخوان أرادوا انتخابات برلمانية بسرعة لتدعيم قوتهم السياسية رسميا على الساحة السياسية فى مرحلة ما بعد الثورة، أما العسكر فلم يكن لهم من هدف سوى تفتيت القوى التى ساهمت وحدتها فى حماية الثورة. ولأن المؤسسة العسكرية لم تكن معنية من قريب أو بعيد لا بحماية المادة الثانية من الدستور، التى لم تكن مهددة على أى حال، ولا بالتمكين لفصائل تيار إسلامى كانت قد ناصبته العداء على مدى ستة عقود متتالية، فقد كان من الطبيعى أن يحاول كل منهما توظيف الآخر لحسابات تخصه هو دون غيره. وأمكن فى هذا السياق التآمرى استدراج فصائل التيار الإسلامى للنزول بكل ثقلها وراء فكرة التعديلات الدستورية، ولإجهاض أى محاولة للبدء بجمعية تأسيسية تتولى كتابة دستور جديد كان يمكن أن تعمل فى ظروف أفضل كثيراً من الظروف الحالية.
لقد تصورت فصائل الإسلام السياسى أنها كسبت رهانها لأن التعديلات الدستورية منحتها الفرصة للحصول على أغلبية كاسحة فى البرلمان، لكنها لم تتبين - سوى مؤخرا - أن هذه الأغلبية عديمة الجدوى الحقيقية. فالمجلس العسكرى هو الذى يمسك بمقاليد السلطة الفعلية، ووجود أغلبية إسلامية كاسحة فى البرلمان، ولكن عاجزة، يضعف من بريق تيار الإسلام السياسى ويعرى نهمه للاستحواذ على مقاليد السلطة. ولأنه قليل الخبرة وكثير الأخطاء، فمن الممكن محاصرته سياسياً وجماهيرياً إذا أمكن استغلال وتوظيف حوادث معينة (بتركيز الإعلام على غرابة الأذان فى مجلس الشعب، وعلى فضيحة «البلكيمى»، وعلى رفض بعض السلفيين الوقوف حداداً على البابا فى مجلس الشعب، وأخيراً الكشف عن حصول السيدة والدة المرشح المحتمل حازم صلاح أبوإسماعيل على الجنسية الأمريكية قبل وفاتها).
ولأن المجلس العسكرى كان فى أمس الحاجة لإلهاء الفصائل الإسلامية عما يدبره لتشويه الثورة والثوار، من خلال إثارة الاضطرابات فى مصر من أقصاها إلى أقصاها، فقد كان من السهل جدا على قوى الثورة المضادة استغلال أجواء الاحتقان السياسى والاجتماعى والطائفى فى مرحلة ما بعد الثورة لتدبير سلسلة من المؤامرات والجرائم، بدءاً بأحداث إمبابة والبالون، ومرورا بأحداث ماسبيرو ومجلس الشعب، وانتهاء بمجزرة بورسعيد.
وفى سياق هذه الأحداث المشحونة بالتوتر والمؤامرات، أمكن دفع مصر الثورة إلى الحالة البائسة التى هى عليها الآن والتى دونها ما كان يمكن للسيد عمر سليمان أن يتهيأ لتقديم أوراقه للترشح للمنصب الرئاسى. فهناك برلمان يسيطر عليه التيار الإسلامى لكنه لا يستطيع أن يفعل شيئا، وهناك جمعية تأسيسية يهيمن عليها التيار نفسه، لكن باتت عاجزة تماما بعد أن انسحب منها الكثيرون، بمن فى ذلك ممثلو الأزهر والكنيسة والمحكمة الدستورية، وعندما حاولت الجماعة أن تسحب الثقة من البرلمان وجدت نفسها أمام حائط مسدود، فردت بترشيح خيرت الشاطر، فألبت على نفسها جميع التيارات الأخرى، بما فيها التيار السلفى. لينتهى بذلك شهر العسل بين الإخوان والعسكر، وليصبح التيار الإسلامى مرشحاً لخسارة كل شىء فى النهاية.
أليس من المثير حقا أن يبدو السيد عمر سليمان اليوم، وبعد كل ما ارتكبه النظام السابق من مآس، كأنه جمال عبدالناصر آخر ترى فيه الجماهير أملها الوحيد المتبقى لإخراجها من النكسة الجديدة التى ألمت بها حتى ولو كان هو أحد كبار صانعيها؟ أليس ذلك من المضحكات المبكيات؟
لقد سقطت الأقنعة وانكشف المستور، لكن فصول المؤامرة لم تنته بعد، فلاتزال لها بقية، لأن الكلمة النهائية لاتزال فى يد الشعب سيقولها فى الانتخابات الرئاسية المقبلة التى لا يمكن للسيد عمر سليمان أن ينجح فيها إلا بالتزوير.
نقلا عن المصرى اليوم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.