في إحدى الحلقات الفضائية التي كانت تناقش ظاهرة التمويل الغربي للمنظمات" المدنية" المعنية بما يعرف بتحرير المرأة في مصر والعالم العربي، توجهت بسؤال مباشر للضيف المقابل لي والممثل للمنظمات المتلقية للتمويل، مفاد السؤال: لو انقطع التمويل الغربي السخي عنكم وصار "صفراً" هل ستستمرون في مطالبكم الغريبة عن خصوصية المجتمعات الإسلامية وشريعتها التي تضبط وتنظم تحركاتها وفق مراد الله سبحانه وتعالى؟. فكانت الإجابة إقرار الضيف بالدور المتفرد للتمويل الغربي في تحريكه لمعظم أنشطة المنظمات المدنية النسوية في مصر والعالم العربي، ومن ثم فإن هذه المنظمات لا تستطيع أن تتحرك قيد أنملة إذا انقطع عنها التمويل الغربي المصاحب بأجندة تغريبية تقفز فوق الاعتبارات الدينية وخصوصيات الشعوب. استحضرت هذه الحلقة الساخنة في ذهني وأنا أقرأ خبر مطالب "شبكة" من الجمعيات والمراكز والمنظمات المدنية العاملة في مجال المرأة، والتي تطالب فيها بتغيير شامل وجذري لقانون الأحوال الشخصية المصري باعتباره في نظرهم يقمع نصف المجتمع باسم الشريعة الإسلامية، وفي ضوء ذلك أصدرت "الشبكة" دليلاً استرشادياً يسعى إلى تقنين تعدد الزوجات من خلال إلزام الزوج بالحصول على إذن كتابي من القاضي يسمح بالتعدد بعد إقناع المحكمة بالأسباب، وإلغاء الولاية الشرعية على الفتاة المقبلة على الزواج، وذلك بعد نجاح "لعبتهم" الأخيرة في رفع سن زواج الفتيات، معتبرين في ذلك أن شرط الولاية لم يعد له مكان لأنه برفع السن القانونية للزواج يكون الطرفان بنظرهم مكتملي الأهلية، مع مطالبات بإلغاء كلمات ومصطلحات شرعية من قبيل " ناشز ونشوز" من قاموس المجتمع المصري وقوانينه، كما تتضمن التعديلات حصول المرأة علي نصف ثروة الرجل عند الطلاق ووضع نص صريح وواضح لتقسيم الثروة المشتركة بين الزوجين حال انفصالهما. وغير ذلك من المطالب التي يرفضها العقل قبل النقل، وجميعها مطالب غربية صاغتها وفصلتها وثيقة مؤتمر بكين، ولسنا الآن بصدد مناقشة تلك المطالب وجذورها وآثارها السلبية على المجتمعات الإسلامية بصفة عامة والمجتمع المصري بصفة خاصة. لكنني أريد أن أضع بين يدي القارئ الكريم بعض أرقام الأموال الغربية التي تحصل عليها هذه المنظمات لنتبين خطورة تلك الرشاوى الغربية في تفكيك المجتمع المسلم وإحداث الفوضى الخلقية بداخله. تذكرون نموذج "قرية بلا ختان" والذي حشدت له الجهود الإعلامية، وصدعتنا به نشيطات ونشطاء منظمات المجتمع المدني في مصر، هذا المشروع توضح وثائق الأممالمتحدة أن حجم الإنفاق عليه كان على عدة مراحل ( أولاً حملة مناهضة ختان الإناث بميزانية قدرها 2 مليون و600 ألف دولار، ثانياً توعية إحدى القرى بموضوع ختان الإناث وذلك من خلال ندوات للقرويات وتكلفة هذا المشروع ثمانمائة ألف دولار أمريكي، ثالثاً تعميم التجربة في محافظات مصر بتكلفة 5,835,088 دولار أمريكي أي ما يقارب الستة ملايين دولار أمريكي، وهي تمويلات آتية من المنظمات التمويلية التالية (الاتحاد الأوروبي، كندا، الدنمارك، فنلندا، هولندا، سويسرا، إيطاليا، الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، صندوق الأممالمتحدة الإنمائي للمرأة، وصندوق الأممالمتحدة للطفولة). أيضاً تشير وثائق الاتحاد الأوروبي إلى دعمها عدداً من المنظمات والمراكز المدنية في مصر لتنفيذ مقررات مؤتمري القاهرة للسكان الداعي للشذوذ الجنسي، وكذلك مقررات مؤتمر بكين الانحلالي وذلك على عدة مراحل وقد حصلت المنظمات والمراكز في مصر على الأرقام الموثقة التالية من أجل تحقيق تلك الأهداف الانحلالية ( 479 ألف يورو- مليون يورو- 77 ألف يورو- 366 ألف يورو- 628 ألف يورو). فضلاً عن تمويلات أخرى من وكالات التمويل الدولية الأمريكية، الكندية، والأوروبية. ولو اتسع المقام لألف صفحة لكتبت وبالأرقام الموثقة ومن خلال وثائق مؤسسات التمويل الدولية كل دولار أتى إلى غالب المراكز والمنظمات المدنية في مصر والتي تخفي وبقوة حجم التمويلات الغربية الآتية إليها والمصحوبة بأجندات وأهداف بعضها تغريبي والآخر استخباراتي. وفي الختام فإن هذه التمويلات الغربية المشبوهة، والتي من خلالها يتم خلخلة نسيج المجتمع المصري تحتاج إلى فتح تحقيقات موسعة من قبل الجهات الرسمية في الدولة لأنه قد آن الأوان فعلياً لقطع دابر هذا الاختراق الغربي وإيقاف طابوره الخامس عند حدوده، وإلا فسينفرط عقد المجتمع المصري المتربص به ولن تستثني الخسارة أحد.