من الأسئلة الهامة المثارة فى الوقت الراهن بمناسبة ما تقوم به حالياً لجنة الخمسين المعنية بالنظر فى التعديلات الدستورية المقترحة من لجنة الخبراء على دستور 2012 المعطل والمشكلة وفقاً لنص المادة (29) من الإعلان الدستوري الصادر من رئيس الجمهورية المؤقت بتاريخ 8 يوليو 2013 ، السؤال الآتي :ما هو النظام الانتخابي المناسب الذي يجب أن يتضمنه مشروع الدستور المصرى الذي تعكف على إعداده حالياً لجنة الخمسين المشكلة بقرار من رئيس الجمهورية؟ وفى سبيل الإجابة عن هذا السؤال نشير فى البداية إلى أن الخلاف القائم حالياً فى هذا الشأن سواء بين القوى السياسية والوطنية أو بين أعضاء لجنة الخمسين يدور حول المفاضلة بين نظام الانتخاب بالقائمة أو الانتخاب الفردي 0 لذلك سوف نلقى الضوء سريعاً على طبيعة هذين النظامين حتى يتضح للقارئ الكريم مفهوم كل نظام منهما على وجه الدقة لسهولة إجراء المفاضلة بينهما 0 فيقصد بنظام الانتخاب بالقائمة أن يقوم الناخب فى - ظل هذا النظام – باختيار قائمة تضم أكثر من فرد ، ويرتكز هذا النظام على فكرتي جماعية الترشيح وجماعية الانتخاب ، فمن ناحية يعرض المرشحون أنفسهم بطريقة جماعية حيث تضمهم قائمة واحدة ويتقدمون ببرنامج سياسي موحد أو عدة برامج سياسية متجانسة ومتوافقة ، ومن ناحية أخرى ، يعطى الناخبون أصواتهم للقائمة ذاتها بما تضم من مرشحين ، وحتى فى الحالات التى يجوز فيها المزج بين القوائم فإن الناخبين يكونون قائمتهم الخاصة التى تضم عدداً من المرشحين يتطابق مع عدد المقاعد المتنافس عليها 0 ويقوم نظام الانتخاب بالقائمة على تقسيم الدولة إلى دوائر كبيرة ، تطابق عادة التقسيمات الإدارية والمحلية كالمحافظات أو المديريات ، ويتحدد لكل دائرة عدد من المقاعد يتناسب مع الكثافة السكانية فيها 0 أما بالنسبة لنظام الانتخاب الفردي فيقصد به أن يقوم الناخب باختيار فرد واحد ، وبذلك يقوم هذا النظام على النقيض تماماً من نظام الانتخاب بالقائمة حيث يرتكز على فكرتي فردية الترشيح وفردية الانتخاب ، فمن ناحية يعرض المرشحون أنفسهم لناخبيهم بصفة فردية ويدعو كل منهم لذاته ، ومن ناحية أخرى ، يختار الناخبون فرداً واحداً لشغل المقعد المتنافس عليه 0 ويقوم نظام الانتخاب الفردي على تقسيم الدولة إلى دوائر انتخابية صغيرة بحيث ترسل كل دائرة نائباً واحداً فى البرلمان ، ويجب فى ظل هذا النظام – كما يقرر بعض رجال الفقه - أن يكون عدد الناخبين فى الدوائر الانتخابية المختلفة متساوياً بحيث يكون كل نائب ممثلاً لعدد من الناخبين ، والواقع أن القول بأن النائب يمثل عدد معين من سكان دائرته الانتخابية لا يتفق مع ما هو ثابت من أن النائب يمثل الأمة بأسرها ، وبالتالي فإن النائب لا يمثل عدد السكان فى دائرته ولكنة يمثل عدد السكان فى إنحاء الدولة بالكامل 0 وقد قيل أن النظام الانتخابي في مصر على مر تاريخه كان هو نظام الانتخاب الفردي ، وقد زرع هذا النظام فى التربة المصرية منذ أمد بعيد 0 والجدير بالذكر فى هذا المقام أن كل نظام انتخابي يستلزم – بحسب طبيعته – مجموعة من الإجراءات والتدابير التى تتفق مع المبادئ الأساسية التى يقوم عليها هذا النظام ، ولا تعد الأنظمة الانتخابية المتعارف عليها قوالب جامدة تفرض على المشرعين ككل لا يتجزأ ، وإنما يحق لكل دولة أن تتخير ما تشاء من الأنظمة التى تتناسب مع ظروفها ، وأن تمزج بينها بما يحقق مصالحها 0 وعندما تختار الدولة نظام انتخابي معين فإنها تستهدف اختيار نظام يحقق وضع سياسي تراه أنسب لظروفها ، ولها أن تفاضل بين هذا النظام أو ذاك حسبما يتراءى لها 0 وبمعنى أدق تختار الدولة النظام الانتخابي التي تستحسنه وتراه أصلح لمواجهة الظروف والاعتبارات السياسية والاجتماعية السائدة فى المجتمع وقت اختياره 0 وفى الغالب تذهب الدساتير فيما يتعلق بتنظيم الانتخاب إلى الاكتفاء بوضع الضوابط العامة فقط مع الإحالة فى شأن تنظيمها إلى القوانين البرلمانية ، وبذلك تعهد إلى الأغلبيات البرلمانية الحزبية السائدة فى وقت معين بمهمة صياغة القوانين التى تسهم بشكل كبير فى سهولة إعادة انتخابها وتضمن لها البقاء فى السلطة أطول فترة ممكنة 0 ولعل تجربة الدساتير المصرية السابقة بإحالة تنظيم الانتخاب إلى المشرع العادي أدت – بما لا يدع مجالاً للشك – إلى قيام المشرع العادي بإحكام حلقات الحصار السياسي باختياره لأحد أنظمة الانتخاب التى سهلت له السيطرة تماماً على مقاليد الحياة السياسية ووأد كل منافسه حقيقية بين الحزب الحاكم وغيره من الأحزاب الأخرى 0 وإزاء ذلك نرى أهمية النص صراحة فى مسودة الدستور الحالي على اعتناق نظام انتخابي معين شريطة أن يسهم بشكل كبير فى تعميق الديمقراطية وإرساء دعائمها فى المجتمع المصرى حتى يعد قيداً على المشرع العادي فيما يسنه من قواعد وأحكام فى هذا الشأن ، وبالتالي إذا خالف المشرع هذا القيد وقع عمله التشريعي مشوباً بعيب مخالفة الدستور 0
" حفظ الله مصر وشعبها العظيم "
دكتور أشرف إسماعيل عزب ((المحامى بالنقض)) ومحامى الاتحاد المصرى للتأمين دكتوراه فى القانون الدستورى dr . ashraFazab @ hotmail. Com