ما ذا يجري لنا ؟ ! ما هذا الذي يحدث كل يوم ؟ مصائب وكوارث تتدفق على رءوسنا ونفوسنا ، حتى كدنا ننسى طعم الحياة السوية ، وطعم التعامل الإنساني والبشري الذي يقود إلى إثراء الحاضر وفتح الباب أمام المستقبل .. العبّارة تقتل ألف مصري دون دمعة واحدة من الحكومة ، أنفلونزا الطيور تعصف بالثروة الداجنة ، الحمى القلاعية ، تصادم القطارات ،اشتعال التطرف النصراني ولأتفه الأسباب ، وأخيرا ولا ندري هل يكون آخرا أم لا ، القتل والدمار والخراب في دهب والجورة ( شمال سيناء) ! ما ذا ننتظر من مصائب وكوارث أخرى ؟؟ وهل هي قدرية أم بفعل فاعل ؟. الحكومة الموقرة تخصص الجزء الضخم من الميزانية من أجل الأمن ، وتخصص 21% من عدد موظفيها للأمن ( ضباط ، شرطيون ، أمن مركزي ، أمن دولة ، جوازات ، أحوال مدنية ، كليات ومعاهد شرطة ، رقابة إدارية ، مباحث عامة ، مباحث أموال .. الخ) ، ويفترض أنه مع هذا التمييز الكبير لجهاز الأمن أن يعيش الناس في أمان ، وأن تُحفظ الدماء والأموال والممتلكات والمرافق العامة ، ولكن الواقع يقول بخلاف ذلك إذ أن جهاز الأمن ، أو أجهزته إذا شئنا تعبيراً آخر؛ مشغولة بقضايا أخرى لا تعني الشعب المصري ، ولا تعبر عن رغباته وطموحاته ، إنها مشغولة بما يسمى الأمن السياسي ، أي الحفاظ على الكراسي العليا والجالسين عليها وفى سبيل ذلك تستبح كرامة البشر من كل المستويات ، ولا تعبأ بقانون أو دستور أو أخلاق ، وتستعين على ذلك بأبشع قانون عرفته مصر وهو قانون الطوارئ ، وتزعم أنه لا يطبق إلا على الإرهابيين ، ومع ذلك تضرب قاضيا مستشارا أمام نادي القضاة وتسحله وتمزق ملابسه وتشحنه في عربة البوليس مع آخرين من نشطاء الضمير في حركة كفاية وغيرها ، وكأنه يمارس إرهابا يفوق تفجيرات دهب وطابا وشرم الشيخ وشمال سيناء ، وترويع الآمنين وسفك دمائهم ؟ إن أجهزة الأمن تنشط نشاطا غير عادي في القبض على شاعر شعبي اسمه أمين الديب ، ومعه اثنين من محبي شعره وتقدمهم للنيابة بتهمة الشَّعر (!) وتكدير السلم العام ، والدعوة إلى محاربة الفساد، والعمل من أجل إطلاق سراح الشعب المظلوم واسترداد حريته وكرامته ، ورفع وصاية الأحكام العرفية عن كاهل المواطنين المقهورين مع أنهم لم يعتدوا ولم يفجروا ولم يدمروا!. ولكنها في الوقت ذاته تودّع قاتل الألف مصري في عبارة السلام 98 بمراسيم الحفاوة والاحترام ، ثم أسرته من بعده ، وأمواله أيضا ، ليحيا في لندن ويخرج لسانه للأمة كلها !. الهمة النشيطة السريعة تبذلها أجهزة الأمن المصرية فقط في القبض على عشرات الإخوان المسلمين الذين لم يقتلوا ولم يسرقوا ولم ينهبوا ولم يسيئوا إلى أحد .. ولكنها تتراخى إلى درجة التحوّل إلى "شاهد ما شفش حاجة" أمام لصوص البنوك والمنحرفين الكبار والمتاجرين في أقوات الشعب ، والمحتكرين للسلع والمهربين وتجار السموم البيضاء والسوداء وعصابات المافيا التي تعتمد على الحصانة وغيرهم من محترفي الإجرام . أجهزة الأمن مشغولة بالتدخل في المساجد والمدارس والكليات والصحف والإذاعات والتلفزة والنوادي والنقابات والمؤسسات لتسييرها بالطريقة التي تضمن الولاء للسلطة ، وتبذل جهدا ضخما ووقتا أكبر في أمور لا تمت إلى الأمن بصلة ، ويفاجأ الناس بالعدوان على الآمنين والبسطاء والسياح ، دون أن تضع الأجهزة في حسبانها أن هناك من يتربص بالوطن وأهله التعساء ليزيدهم تعاسة وقهرا وكمدا .. ولكن في كل مرة يتحدثون عن الثغرات ، والمسوغات التي تجعل المعتدين أقوي من أجهزة الأمن جميعا ، وتتبارى كتائب المارينز ، وكتاب لاظوغلي في اتهام الإسلام بأنه السبب وراء الاعتداءات ، وأن تعليم الدين في المدارس ، و المناهج التعليمية من وراء ما يجري ، إن لم يقولوها صراحة فإنهم يقولونها مجازا ، وكل لبيب بالإشارة يفهم .. أي باختصار شديد علينا أن نلغي الإسلام لتستريح أجهزة الأمن وتضمن عدم الاعتداء على الآمنين .. أرأيتم أسخف من ذلك تنكيتا وتبكيتا في زمن العار والتخلف ؟! هل هي مجرد مصادفة أن تعلن أجهزة الأمن عن تنظيم اسمه "الطائفة المنصورة" يتكون من مجموعة من الشباب صغار السن ، جريمتهم تتمثل في تربية ذقونهم وخدمة أهاليهم في حي الزاوية الحمراء، فتُوجه إليهم تهم من النوع الغليظ لتسويغ اعتقالهم من عينة اغتيال شخصيات عامة ، وتدمير أنبوب الغاز الدولي وأشياء أخرى ! في الوقت الذي لا تستطيع فيه أجهزة الأمن التنبؤ بحوادث تفجيرات دهب ، مع أنه قد سبقها حادثان مماثلان في طابا وشرم الشيخ : طريقة الاختراق ، أسلوب التنفيذ ، التوقيت ، الأهداف .. لماذا لم تأخذ أجهزة الأمن استعدادها ، وتستيقظ للمهاجمين لتصدهم أو تجهض عملياتهم ؟. هل كان طلب الرئيس من الدكتور نظيف أن يقدم تقريرا عن الحادث بدلا من الوزير المختص ، ذا دلالة على أن الرئاسة ترى في انتقاد نظيف من قبل لأجهزة الأمن وممارساتها التعسفية ضد أهالي سيناء ، مسوغا لاستبعاد الوزير وتمهيدا لإقالته؟. الواقع يقول إن المسألة لن تتم بهذا الشكل ، لسبب بسيط ، وهو أن الضحايا في أغلبيتهم الساحقة من المصريين البائسين ، وليسوا من ذوي العيون الزرق الذين أطاحوا بالوزير السابق حسن الألفي في الأقصر ، بعد أن وُصف بالتهريج، وعاد إلى القاهرة في القطار وحيدا دون حراس !!. القضية ليست في إقالة هذا المسئول أو ذاك ، ولكنها قضية نظام آثر أن يهيئ الأسباب لبقائه إلى ما شاء الله دون أن يضع في حسبانه حماية شعبه أو حدوده ، معتمدا أن تنازلاته للأعداء ستوفر السلام والأمن والطمأنينة . . وهذا من رابع المستحيلات ، لأن تحقيق الأمن لا يتم هكذا ولو كان هناك ألف جيش من الأمن المركزي العرمرم ، ومعه التعذيب والإهانة للمعارضين ، وإنما يتحقق بنزع أسباب العنف ، ومنح الجلادين الفاشلين إجازة أبدية ، ثم صياغة مفهوم آخر للأمن على المستوي العام وليس مستوي الكراسي وحدها ، يعتمد العلم والفهم وتقديم المصلحة العليا للبلاد وليس مصلحة المسئولين وطبقة المصفقين..!! [email protected]