على الرغم من مرور 18 عاما على زواجي من مواطنة تركية وتعرضنا لعسف تطبيق علماني من دائرة التزويج بالبلدية عام 1989 أراد تقديم زوجتي صورة شخصية بدون حجاب لكي يمكن تنفيذ إجراءات زواجنا بشكل رسمي وقانوني.ولما كانت زوجتي تربت في منزل أبويها على فريضة ارتداء الحجاب للمرأة المسلمة فأنني كمسلم لم يكن أمامي غير احترام هذه الفريضة الإسلامية ودعم عروسي في موقفها الرافض من خلع حجابها لكي تتزوج زواجا مدنيا لا يعترف القانون التركي إلا به. وبما أنى مواطن مصري ولى سفارة وقنصلية عامة بتركيا ، لم يكن صعبا علىّ آنذاك تجاوز العقبة وأن أتصل بالقنصلية المصرية وأطلب منها مساعدتي في إبرام عقد زواج رسمي وشرعي ، بعد أن تزوجت شرعا لكن بدون أوراق رسمية . وبالفعل قام السفير نامق كمال بتزويجي على سنة الله ورسوله وقانونا وبشهادة موظفان من القنصلية .وظللت مدة 4 سنوات متزوجا لدى السلطات المصرية ووهبني الله تعالى الأبناء ، ولكن لا اعتراف رسمي بزواجنا في تركيا . وبعد 4 سنوات أمكن إصدار دفتر العائلة المعني كوثيقة زواج رسمية من دائرة البلدية استنادا لترجمة عقد الزواج المصري المصدق عليه من القنصلية المصرية ، وكان موقفا يشبه مواقف مسرحيات الميلودراما حين ذهبت ومعي أبنائي للبلدية لكي نحصل على عقد زواج رسمي بتركيا ، هذا المأزق الذي واجهته قبل 18 عاما بكل أسف لا يزال مستمرا بتركيا حتى هذه اللحظة . فقد أدهشني خبر جريدة ميلليت يوم 28/4/2006 الذي ذكر أن رجب طيب أردوغان رئيس الحكومة التركية وزوجته أمينة أردوغان – القانون يقبل شهادة للمرأة تساويا مع الرجل - سيكونان شاهدين على عقد زواج جماعي بمحافظة أضنا جنوب تركيا يعقد يوم 6 مايو القادم لتزويج عدد 15 ألف زوج بينهم عدد 4 آلاف زوج وزوجة لم تعترف الدولة بزواجهم منذ سنين ، وأن البعض منهم سيأتي للحفل ومعه الأبناء ، بل وشر البلية ما يضحك .. أن البعض منهم سيأتي ومعه الأحفاد !. وأضاف الخبر يقول أن نفس بلدية محافظة أضنا ، وفى إطار برنامج اجتماعي قامت بتزويج رسمي لعدد 5012 زوجا خلال السنوات الثلاثة الماضية.وبحسبة بسيطة يتضح لنا جميعاً أن في محافظة واحدة أعيد تزويج عدد 9012 زوجا بها خلال 3 سنوات فقط ، أو بمعنى أصح اعترفت الدولة بعد سنوات بزواج كل هذه الآلاف التي تزوجت شرعا وأنجبت. ولو وضعنا بالاعتبار كون محافظة أضنا يسكنها حوالي مليون نسمة وتخمين وجود أرقام أكبر من تلك التي اعترفت الدولة بزواجهم قياسا على معطيات الأرقام أمامنا ، سنكون أمام حقيقة وجود 10% من أزواج هذه المحافظة لا تعترف بهم الدولة . ولوّ أضفنا عدد الأبناء أو الأحفاد للبعض فهذا يعنى وجود 20% تقريباً من سكان هذه المحافظة خارج القانون. وهنا نأتي للسؤال الذي يدور بلا شك في ذهن كل قارئ ، ولماذا كل هذا ؟ أليس الزواج حقا إنسانياً ؟ الإجابة ببساطة هي أن التطبيقات العلمانية لا تعترف بتعدد الزوجات ، كما تطالب بخلع الحجاب لكي يتم القيد وتسجيل الزواج المدني – ليس هناك زواجا شرعيا يتوافق والقواعد الإسلامية – فالبعض يضطر للزواج من أكثر من زوجة لأسباب إنسانية متعددة الجوانب ، والبعض يرفض خلع الحجاب حتى ولو بشكل مؤقت ، لأن المسألة اعتقاد وإيمان والتزام بأوامر الله ، ويفضل زواج الإمام(سراً) لتحليل عملية الزواج وإنجاب الأبناء ، ويواجه لفترات زمنية طويلة مشاكل تتعلق بقيد الأبناء الرسمي وإدخالهم المدارس... إلخ من معاملات رسمية. السياسيون بتركيا على علم بهذه المشكلة الإنسانية المزمنة ، وحزب العدالة والتنمية الحاكم ليس وحده الذي يسعى للاعتراف بالأزواج غير المسجلين ، بل قام بهذا الأمر أحزاب مثل الرفاه والفضيلة والوطن الأم والحركة القومية والاتحاد الكبير ، عن طريق البلديات التي يسيطرون عليها ، ومن ثم عدم التشدد في طلب صورة زوجة مكشوفة الرأس أو طلب تطليق الزوجة الثانية والاكتفاء بزوجة واحدة. هذه الجهود الحزبية للمساعدة في حل مشكلة إنسانية لأعداد ربما تجاوزت 2-3 مليون نسمة بتركيا ، بالتأكيد تكون محل تقدير ، ولكن أليس من الأفضل إعادة النظر في أصل المشكلة وهو القانون المدني الذي يمنع تعدد الزوجات ، رغم أن الوقائع تقول أن هناك حالات لا مفر أمامها من الزوجة الثانية وعدم ترك الأولى لمراعاة مشاعرها وإنسانيتها وخصوصيتها. وإذا كان قانون السكان والسجل المدني الجديد سمح واعترف بالابن القادم من طريق غير الزواج باعتبار هذا تقدما إنسانيا واحتراما لحقوق الإنسان ، فما الذي يمنع من الإقرار بحق تعدد الزوجات واعتباره من حقوق الإنسان ، وتجنيب المجتمع ويلات ومآسي إنسانية محزنة ، والمساهمة أيضاً في منع العلاقات غير الشرعية المنتشرة نتيجة للتطبيقات المتعارضة مع الفطرة الإنسانية. لا شك أن قرار الرجل المسلم في التعدد يستند لأوضاع في عمومها إنسانية بحتة والنادر منها يكون للذوق والمتعة – وإن كان من حقوق الإنسان في نظري - ولا يوجد رجل مسلم أو غير مسلم يقدم على تعدد الزواج وهو يدرك المصاعب الحياتية وطباع النساء وصعوبة العدل بينهن كما نبه القرآن الكريم. ولعل أفضل ما أختتم به هذه المقالة ، قول بولنت آرينش رئيس البرلمان التركي مؤخرا : "يجب على العلمانية أن تكون وسيلة للسلام الاجتماعي وسببا في الأمن والاستقرار واحترام المعتقدات والإيمان وإلاّ نكون بحاجة لتعريف جديد لها ". كاتب مصري مقيم في تركيا