النصر الكبير الذي بدأت تلوح آفاقه في أفغانستان بصبر وتفاني قادة ورجال حركة المقاومة الوطنية "طالبان" طلاب الشريعة طوال سنوات شهدت الحصار والسحق واستخدام الأمريكيين أقسى آلات التدمير والنيران التي عرفتها البشرية والتي لا يعلوها إلى السلاح النووي ، هذا النصر الكبير الذي بدأ يتجلى في اعترافات الخيبة من قبل القادة العسكريين لقوات الغزو ، يمثل في بعض دلالاته فضحا لأكذوبة طالما روجها الأمريكان أنفسهم ومشى وراءها اليساريون العرب وكل من هو كاره لهوية الأمة وانتمائها الإسلامي ، لقد قالوا كذبا عندما سحق الأفغان قوات الغزو الروسي أن المخابرات الأمريكية هي التي صنعت المجاهدين الأفغان والعرب وهي التي مكنتهم من الانتصار على السوفييت ، لمجرد أن بعض السلاح الأمريكي كان يصل إلى أيدي المجاهدين ، حسنا ، فمن الذي هزم الأمريكان الآن ، ولماذا يعجز الأمريكان صانعي الانتصارات المزعومة عن صناعة نصر جديد ، أو صناعة مقاتلين بدلاء يفعلون معهم مثلما فعلوا مع المجاهدين الأفغان ، أظن أن كل من كتب عن هذه الأكاذيب مدين بالاعتذار اليوم للشعب الأفغاني ومجاهديه وأبطاله قديما والآن ، المجاهدون من طلاب الشريعة في أفغانستان أسقطوا حتى الآن أكثر من عشرة من القادة العسكريين الكبار الأمريكيين والبريطانيين ، كان كل منهم يأتي إلى أفغانستان مزهوا بنفسه وخططه واستراتيجياته التي يستعرض طرفا منها أمام الكاميرات والصحفيين ببدلته العسكرية المرصعة بالنياشين والعلامات ، ثم لا يلبث أمام الواقع المرير حتى يعلن أن الوضع صعب وأنه لا يعد بالنصر ، ثم يبدأ في "التخبيط" في قياداته السياسية التي دفعت بجنود بلاده إلى هذا المستنقع الدموي المخيف قبل أن يعزلوه ليخفوا الفضيحة ، والقائد الجديد للقوات الأمريكية الذي خلف "ماكريستال" لم يمكث أكثر من أسبوع واحد لكي يعلن أن الأوضاع صعبة وأن تحقيق الانتصار على المقاومة الأفغانية لا يبدو قريب المنال ، وعندما يعلن القائد العسكري أنه عاجز عن تحقيق النصر ، فهذا مجرد تمهيد لإعلان الهزيمة أو الانسحاب ، قدر هؤلاء المجاهدين الأفغان أن تضعهم أطماع الجبابرة في مواجهة أقوى امبراطوريات عرفها التاريخ ، الامبراطورية السوفيتية والامبراطورية الأمريكية ، وشاء الله أن يسجل للتاريخ أن هؤلاء البسطاء الفقراء هم الجند الذين أسقط بهم امبراطوريات الجبابرة ، أسقطوا الامبراطورية السوفيتية بعد أن هزموا جيوشها الجرارة واستنزفوا طاقاتها وكشفوا خواءها وكانوا سببا مباشرا في تفكيك أجزائها ، والآن يسقطون امبراطورية العم سام ، ويذلون أنوف الرئيس السابق والرئيس الحالي ، والذي يقرأ تصريحات وتعبيرات الرئيس أوباما مؤخرا عن المتاعب والتحديات الخطيرة التي تواجه الولاياتالمتحدة يعرف حجم الهلع والخوف من الهزيمة المذلة التي يخشى أن تنكشف أبعادها أمام العالم ، لقد سحب قواته من العراق ومن مناطق أخرى من أجل ضخ المزيد من القوات في أفغانستان ، دون أن يغير ذلك شيئا من معادلات الصراع ، أو أن يفت في عضد المجاهدين ، والآن يتبارى زعماء أوربيون في توجيه النداء إلى الرئيس الأمريكي بسرعة فتح جسور من الحوار مع "طلاب الشريعة" في أفغانستان ، بعد أن أدركوا أن عميلهم هناك "حامد كرزاي" ليس سوى عارض أزياء يتبختر بها أمام الشاشات وفي المحافل دون أن يكون له أي وجود أو قدرة حتى على حماية نفسه ، بل إنهم اكتشفوا في النهاية أنه تحول إلى زعيم عصابة من المفسدين الذين خدعوا الأمريكان وأخذوا ملايين الدولارات التي كانوا يرسلونها إلى حسابات خاصة بهم وبأسرهم وأقاربهم ، وغدا سيأتي الأمريكيون مرغمين صاغرين إلى طاولة المفاوضات مع "طلاب الشريعة" لكي يسترضوهم ، ويبحثوا معهم عن مخرج ، وعن "انسحاب لائق" يحفظ لهم ماء الوجه ، وسيقبلون حينها بشروط طلاب الشريعة كاملة . [email protected]