تفجرت مجددًا قضية "العلاج على نفقة الدولة"، قبل يوم واحد من انتهاء الدولة البرلمانية لمجلس الشعب، وأدت إلى اندلاع معارك وتبادل للاتهامات بين نواب الحزب "الوطني"، وصلت إلى حد اتهام نائب الأغلبية اللواء سيد عزب بالتربح والمتاجرة من وراء قرارات العلاج على نفقة الدولة، وتصدير الكراسي المتحركة التي حصل عليها بموجب هذه القرارات إلى ليبيا. يأتي ذلك في الوقت الذي كشف فيه الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب أن هناك حوالي 8 نواب متهمون بارتكاب انحرافات وسوء استخدام لنظام العلاج على نفقة الدولة، إلا أنه رفض الكشف عن أسماء هؤلاء النواب، وقال: أرسلت للجهات الرقابية للتحقيق فيما هو منسوب إلى هؤلاء النواب إلا أن هذه الأجهزة لم ترسل أي رد حتى الآن. واعتبر سرور أنه "ليس عيبا أن يوجد انحراف من بعض أعضاء المجلس، فهذا حدث في مجلس العموم البريطاني وفي الكونجرس الأمريكي وأُجبروا (النواب) على الاستقالة، لكن العيب أن نتستر، كما أنه لا يجوز في نفس الوقت أن نلوث سمعة الشرفاء، لذلك يجب التحقق من الانحرافات المنسوبة لهؤلاء النواب". وأضاف: "مش معقول أي حد ينسب انحرافات لنائب نعلن اسمه مباشرة لذلك أرسلت للأجهزة الرقابية للتحقق، ولم ترد علي حتى الآن، وقال: "وفقا للتقارير التي وصلتني فإن هناك بعض أعضاء مجلسي الشعب والشورى أساءوا استخدام نظام العلاج على نفقة الدولة ويتم حاليا التحري عن مدى صحة ذلك، لم يصلني الرد حتى الآن ولكن أجزم أن الأعضاء أساءوا، ولكن تنقصني الأدلة". وقال الدكتور حمدي السيد رئيس لجنة الصحة إن الدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة أكد أن 99% من النواب التزموا وكان أداؤهم مشرفًا، لكن هناك فقط 6 أعضاء في مجلس الشعب وعضوين في مجلس الشورى متهمون بإساءة استخدام نظام العلاج على نفقة الدولة، على حد قوله. من جانبه، قال النائب مصطفى بكري إن لديه الأسماء الكاملة للنواب غير الملتزمين لكنه علق الأمر في رقبة رئيس المجلس للإعلان عنها، وطلب من سرور الإعلان عن هذه الأسماء، وقال: أنا أعرف 7 أسماء منها وهناك مَن يريد تلويث سمعة المجلس والقضية مطلوب التستر عليها، بحسب تعبيره. غير أن سرور رفض ما ذهب إليه بكري حول وجود نية لتلويث سمعة المجلس، قائلا: "ليس مطلوبا تلويث سمعة المجلس ولمصلحة من.. وإذا انحرف بعض الأعضاء، فإن ذلك لا يعني تلويثا لسمعة المجلس، وكلما ارتفعت هامة البرلمان ارتفعت هامة مصر لأن مجلس الشعب هو الممثل لشعب مصر". وذكر الدكتور حمدي السيد الصحة أن هناك عجزًا ماليًا شديد في تمويل نظام العلاج على نفقة الدولة رغم توفير مليار جنيه لهذا النظام في الموازنة الجديدة إلا أن هذا المبلغ مخصص لسداد مديونيات النظام. وقال إن لجنة الصحة بالمجلس طلبت 2 مليار جنيه، لأن التمويل الحالي لا يكفي لأنه يخصص 5 ملايين جنيه يوميا فقط للنظام، وذكر أن وزير الصحة اعترف بتلافي هذه الأخطاء بنهاية سبتمبر القادم عندما يتم ربط المستشفيات بشبكة معلومات. وكانت لجنة الصحة بمجلس الشعب شهدت في اجتماعها أمس برئاسة الدكتور حمدي السيد وبحضور الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابية والدكتور حاتم الجبلي تبادل للاتهامات بين نواب الحزب "الوطني" حول سوء استغلال نظام العلاج على نفقة الدولة. ووجهت اتهامات مباشرة إلى النائب اللواء سيد عزب بالتربح والمتاجرة في قرارات العلاج على نفقة الدولة، وتصدير الكراسي المتحركة التي حصل عليها من هذه القرارات إلى ليبيا، وواجه الأخير الاتهامات بترديد الشتائم والسباب، رافضا أن يذكَر اسمه ضمن النواب المتربحين من قرارات العلاج على نفقة الدولة، وقال موجها حديثه للنواب: "إيه الفوضى وقلة الأدب دي". وأثارت عبارات النائب استفزاز زميله الدكتور شرين أحمد فؤاد، الذي رد عليه موجهًا اتهامات حادة إليه، قائلاً له: "فوضى إيه.. ما هو أنت سبب الأزمة وفي الآخر جاي تطلب ب "عين بجحة" 2 مليون جنيه لإجراء جراحة لطفلين على نفقة الدولة؟!! كان فين قلبك ده قبل كده"، وتدخل النائب نشأت القصاص قائلاً له: "أنت أكبر من الرد عليه يا دكتور شيرين.. سيبك منه". ووسط التراشق وتبادل الاتهامات بين النواب، انقلبت أكواب الشاي والتمر هندي على ملابس الدكتور مفيد شهاب والدكتور حاتم الجبلي، فيما فشل عبد العزيز مصطفى وكيل المجلس والدكتور حمدي السيد رئيس اللجنة في احتواء الأزمة، وقرر الأول الانسحاب من الاجتماع احتجاجًا على أسلوب النقاش. بدوره، رفض الجبلي الكشف عن أسماء النواب المتربحين من قرارات العلاج، وقال إنه ليس مسئوًلا عن ذلك، وإن رئيس مجلس الشعب هو المسئول عن حماية سمعة النواب وهو المسئول أيضًا عن كشف أسماء النواب الذين أساءوا استخدام تلك القرارات. رغم ذلك لم يتوقف التلاسن، واشتبك النائبان عبد الرحيم الغول وسيد عزب بسبب محاولة كل منهما الحديث قبل الآخر وهمس الأول في إذن زميله شيرين، قائلا: "مش هو ده اللي سرق أموال قرارات العلاج"، وتدخل وكيل المجلس لتهدئة الأجواء مطالبا عزب بالجلوس فيما لجأ الأخير إلى الدكتور مفيد شهاب لحمايته من الاتهامات الموجهة إليه من زملائه، وانفعل عليه الغول وهدده بالضرب، وسط دعوات من النائب حيدر بغدادي بإحالة هؤلاء النواب للتحقيق فورا. وشهد الاجتماع أزمة أخرى بين النائب نشأت القصاص الشهير ب "نائب الرصاص" والنائب محمد حسين بعد أن أعلن الأخير رفضه لما دعاها ب "الرشاوى الانتخابية"، ووجه الأول كلامه له: أسكت لحسن أجيلك، وصاح الثاني فيه قائلا: "يلا يا حرامية ياللي بعتوا البلد"، فيما انتقد النائب أكرم الشاعر غياب الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية عن حضور الاجتماع باعتباره صاحب الولاية على تدبير الاعتمادات المالية، وأكد أن علاج المواطنين واجب دستوري على الدولة وطالب بوضع النواب المتورطين في قائمة سوداء. من جانب آخر، تعهد وزير الصحة بإعطاء الأولوية لعلاج حالات الطوارئ والحوادث والرعاية المركزة فور دخولها المستشفى ثم تقوم الوزارة بعد ذلك بسداد تكاليف علاجها من المخصص لعلاج المواطنين على نفقة الدولة. وقال إنه كلف المراكز الطبية المتخصصة وعددها 24 مركزا على مستوى الجمهورية باستقبال تلك الحالات دون أي إجراءات مسبقة، مشيرا إلى أن أي مواطن سيذهب في إطار تلك التوجيهات إلى المستشفى دون أي واسطة طبقا للحق الدستوري الذي لا خلاف عليه. وشكا من وجود مشاكل مالية في العلاج على نفقة الدولة ظهرت على السطح منذ عام 2006 بسبب زيادة الإنفاق بشكل كبير، مشيرا إلى أنه تم العام الماضي علاج مليوني مواطن على نفقة الدولة بينما تم علاج مليون مواطن في الفترة من 2000 إلى 2005. وقال الجبلي إنه لأول مرة تخصص الدولة مبلغ 600 مليون جنيه لعلاج مرضى الالتهاب الكبدي "فيروس" سي وهو مرض خطير مصاب به حوالي 10% من السكان، واعترف بأن النقص في التمويل أنعكس على الخدمات الصحية وقدرة المستشفيات على تقديم تلك الخدمات. وأشار الجبلي إلى زيادة المخصصات للعلاج على نفقة الدولة والتي وصلت إلى مليار جنيه من الضرائب التي فرضت على الأسمنت والحديد والسجائر ودخلت في الموازنة العامة للدولة ولم تربطها وزارة المالية بالعلاج لكنها قالت إن موازنة العلاج على نفقة الدولة أصبحت 2.5 مليار جنيه بدلا من 1.3 مليار جنيه، موضحا أنه تم تخصيص مليار جنيه منها لسداد ديون الوزارة للمستشفيات ومؤسسات العلاج. وأعرب الجبلي عن اعتقاده بأن هذا النظام في حاجة إلى مليار جنيه أخرى إضافية، غير أنه قال إنه نظرا لأن العام المالي هو عام الانتخابات البرلمانية فإنني سأطلب من وزير التنمية الاقتصادية توجيه جزء من أموال العلاج المجاني للعلاج على نفقة الدولة هذا العام فقط.