في التاسع عشر من فبراير الماضي نشرت مقالا في هذه الزاوية بعنوان "يسألونك عن الفساد" ، تحدثت فيه عن فضيحة شراء وزير الإسكان لواحدة من أغلى درر أراضي نيل مصر بتراب الفلوس ، وقلت وقتها ما نصه : نيل مصر هو أغلى ما فيها وأبقى ما فيها ، هو روحها ودمها وتاريخها الممتد في أعماق السنين ، وكل ما يتصل بالنيل يستمد قيمته وثراؤه من انتسابه إلى النيل حتى لو كانت شقة صغيرة ، يتضاعف سعرها عشرين ضعفا عن مثيلاتها في أي مكان آخر ، لأنها "على النيل" ، فكيف إذا كانت جزيرة في قلب النيل ، وفي أرقى مناطق النيل السياحية ، في أسوان ، وهناك حيث الطبيعة الخلابة والفطرة والجمال كله ، تقبع جزيرة "آمون" والتي يعتبرها خبراء السياحة والإسكان درة جزر النيل ، جزيرة آمون تمتد عبر مساحة تصل إلى مائتين وثمانين فدان ، وهو ما يعني بحساب المتر المربع ، مليون متر مربع أو أكثر قليلا ، هذه الجزيرة التي ترابها دهب وشجرها مرمر وهواؤها من ريح الجنة ، اشتراها وزير الإسكان أحمد المغربي واصطفاها لنفسه قبل قرابة عام ونصف بثمانين مليون جنيه ، وبالحساب البسيط يعني أنه اشترى المتر فيها بثمانين جنيها ، والمبتدئون مثلي في فهم سوق العقار والأراضي يعرفون بالبديهة أنه لو كان يشتري خرابة في صحراء القاهرة فإن المتر فيها سيكون بأكثر من ثمانين جنيها ، فكيف اشترى وزير الإسكان أجمل جزر مصر وأغلاها بهذا السعر الفضائحي ، المعنى والإجابة في "بطن" الذين وقعوا معه العقود ، وخاصة السيد اللواء رئيس شركة مصر أسوان التي تمتلك قرابة ربع الأرض ومعها باقي الجهات الحكومية ، أراضي جزيرة آمون كان أقل سعر عرض فيها من قبل مستثمر ليبي هو عشرة آلاف جنيه للمتر ، وهو الآن أكثر من ذلك بكثير ، ، فكيف "أباح" لنفسه وزير إسكان مصر أن يشتريها من خلال شركته "بالم هيلز" بتراب الفلوس ، وكيف أباح لنفسه مسؤول رسمي أن يوقع عقدا إجراميا بهذه البساطة ، مهما كانت الألاعيب المعتادة عن المناقصة والمظاريف والمزادات ، ... ثم انتهيت في المقال إلى القول حرفيا :إن المنطق أن يحال كل الأطراف التي شاركت في هذه العملية الخطيرة إلى التحقيق وإلى المحاكمة ، كبيرهم وصغيرهم على السواء ، لأن هذا الذي حدث يرقى إلى مستوى سرقة المال العام ونهب أموال الدولة ، انتهى النقل عن المقال . وأول أمس الجمعة أصدر الرئيس مبارك قرارا بإلغاء الصفقة "الحرام" وأمر محافظ أسوان بإبلاغ القرار إلى كل الأطراف وتنفيذه فوريا ، ونصه كما نشرته الصحف القومية : (الغاء كافة التعاقدات المسبقة والخاصة ببيع فندق جزيرة أمون بأسوان ، والذي تمتلكه شركة مصر / أسوان للسياحة مع طرحه من خلال مزاد علنى وبنظام حق الانتفاع لمدة لا تزيد عن 49 عاما) ، وعلى الفور بادر مصطفى السيد محافظ أسوان الذى تلقى توجيهات الرئيس هاتفيا بابلاغ الشركة وجميع الجهات المعنية وطالبها بسرعة تنفيذ تلك التوجيهات ، شكرا يا سيادة الرئيس على هذا القرار الذي حمى درة من درر مصر أراد بعض خربي الذمة انتهابها وسط الزحام ، شكرا يا سيادة الرئيس أن أصغيت إلى صرخات الوطن لإنقاذ جزء من ثرواته تعرض للنهب بدم بارد ، ولكني أتمنى أن "تكمل جميلك" في هذا الموضوع ، بالأمر بفتح التحقيق مع كل الأطراف التي شاركت في هذا العمل المشين ، وخاصة أن البائع حكومة والشاري وزير في الحكومة يفترض أنك استأمنته على أراضي الدولة فكان أول من اصطفا دررها لنفسه بتراب الفلوس ، قرارك يا سيادة الرئيس أعاد الأمور إلى نصابها ، وأوقف فعلا فاضحا وفسادا بينا ، أفلا يكون من حق الوطن أن تأمروا بالتحقيق ومحاكمة أصحاب الفعل الفاضح حتى ولو كانوا وزراء ، ويبقى السؤال المر وهو ، إلى متى تظل كل صغيرة وكبيرة في بلادنا مرتهنة بقرار من رئيس الجمهورية شخصيا ، وتدخل رئيس الجمهورية شخصيا ، أين هو رئيس الوزراء ، أين هو البرلمان ورئيسه ، أين هي الجهات الرقابية ، أين هي العدالة ، أين هي المؤسسات في دولة يفترض أنها دولة مؤسسات . [email protected]