قبل شهر ونصف فقط كان الإخوان يصفون جيش مصر بأنه "الجيش العظيم"، حتى أن محمد مرسي وعصام العريان وغيرهم أصبح وصف "العظيم" هو اللازمة التي لا تتخلف عن حديثهم وخطبهم عند وصفهم لجيش مصر، وكان الفريق أول عبد الفتاح السيسي رمزًا لوطنية الجيش المصري عند الإخوان المسلمين، وكان قائدًا مميزًا وعسكريًا رائعًا في نظرهم، ويثني عليه الرئيس السابق محمد مرسي وعلى حسن إدارته لشئون الجيش ولم يتحدث أي مسئول إخواني من أي مستوى بكلمة واحدة فيها رائحة نقد، وليس نقدًا، مجرد رائحة نقد، للفريق السيسي أو الجيش، كان الرجل خطًا أحمر عند مكتب الإرشاد، فهو الرمز وهو الأمل في الهيمنة والسيطرة، فجأة، بعد شهر واحد فوجئ العالم بالإخوان يصفون السيسي بأنه شيطان، وأنه قائد عسكري غير كفء، واكتشفوا يا للعجب أن الجيش المصري ضعيف ولا وزن له، وأنه "لا عظيم ولا حاجة"!!، واكتشفوا فجأة أن هناك تعاونًا أمنيًا بين مصر وإسرائيل، دون أن يسألهم أحد أتباعهم السؤال البديهي والأخلاقي: هل اكتشفتم كل ذلك فجأة بمجرد ضياع كرسي الرئاسة من سيطرتكم؟ هل هذا الجيش الذي كان يرأسه مرسي ويتباهى في المجالس والخطب بأنه "القائد الأعلى للجيش العظيم"؟ هل كان جيشًا مغوارًا عندما كان مرسي موجودًا؟ وفجأة في اليوم التالي أصبح جيشًا هزيلاً لأن مرسي نزل من فوق رئاسته، هذا استخفاف بالعقول، ويكشف عن خطورة وعي جماعة الإخوان بفكرة الوطن وأمنه القومي، الوطن هو الجماعة، والدولة هي التنظيم، فإذا خرجت الجماعة من السلطة لم يعد الوطن وطنًا، ولم يعد الجيش جيشًا ولم تعد الدولة دولة، تلك عقلية مخيفة بالفعل، وتكشف لكي ذي عين وضمير، أن مصر كانت مختطفة من قبل تنظيم سري عابر للقارات، ولو كان الجيش المصري كما يروج المأفونون الآن في شماتة تضعهم في مصاف الصهاينة والعملاء، لو كان في حالة الضعف ومثارًا للسخرية كما يقول ويروج نشطاء الإخوان، لكان أول متهم في ذلك هو محمد مرسي نفسه، وأول مصري يحاكم على تلك الخلفية هو مرسي نفسه، لأنه ظل لمدة عام كامل على رأس هذه المؤسسة دون أن يفعل شيئًا لإصلاحها، وحتى عندما غير قادتها وسد الأمر لمن يقولون إنه غير كفء وغير جدير بها، وتلك جريمة يسأل عنها مرسي بدون شك قبل أي شخص آخر، ومرسي هو الذي "ضلل" الوطن كله طوال عام كامل بغزله المتتالي في الجيش "العظيم"، ولعلنا جميعًا نذكر مصطلح "العظيم" بمخارجه اللغوية الفخيمة عندما ينطقها مرسي، وكيف كان هذا الوصف "تميمة" ثابتة ودائمة في جميع كلمات محمد مرسي عندما يتحدث في خطبه ولقاءاته المعلنة عن الجيش المصري، الآن اكتشف الإخوان أنه "لا عظيم ولا حاجة"، ذلك استهزاء بالعقول، ومحاولة استغفال الناس والمراهنة على أن الناس تنسى، والحقيقة أن القصة كلها تتلخص في غصة حلوقهم ونار قلوبهم من أن الرجل الذي أتوا به ليحكموا به سيطرتهم على الجيش، كان أذكى منهم، وأكثر وطنية منهم، وفضل ولاءه لبلده ومصالح بلده على ولائه لجماعة متطرفة ومصالحها وخططها الإقصائية، وأنه "اتغدى بيهم قبل ما يتعشوا بيه"، باختصار شديد، وبلغة العامة البسيطة والسهلة. أيضًا، في أعقاب حادث القصف الأخير قرب رفح الذي ضخمته دعاية الإخوان السوداء بشكل هستيري نكاية في خصومهم، تحدث الإخوان فيه بتبتل شديد عن الأمن المصري المخترق، وشنعوا على الجيش بأنه سرب معلومات للجانب الإسرائيلي، وأن هناك تعاونًا أمنيًا، دون أن يطرف لهم جفن من الحياء أنهم سبق وأعلنوا بكل وقاحة تأييدهم للتعاون الأمني مع إسرائيل، وكان محمد مرسي يدافع عن هذا التعاون الأمني بقوة ويعتبره ميراثًا والتزامًا دوليًا، وعندما قالت له خديجة بن قنة، مذيعة قناة الجزيرة في حوارها الشهير معه إن الإسرائيليين يقولون إن التعاون الأمني الآن في ظل حكم الإخوان هو أوثق من أي وقت مضى (أي أن الصهاينة كانوا يثقون في الإخوان ومرسي أكثر من ثقتهم في مبارك نفسه)، أجابها على الفور: نعم، لأنه تعاون يقوم على الندية! والتعاون الأمني في ألف بائه، أن تعطي الطرف الآخر ما يتوفر لديك من معلومات وتقارير عن أي مخاطر أو تهديدات يتعرض لها شعبه أو مصالحه أو مستوطناته، هل كان التعاون الأمني مع الجانب الإسرائيلي حلالاً طيبًا عندما كان الإخوان في الحكم ويمارسونه، وأصبح "كخة" عندما ابتعدوا عن الحكم؟ أم أن الإخوان يظنون أن ذاكرة الناس ضعيفة؟ وأنهم بالخطب العنترية والدعاية السوداء لتنظيم الأردن والتنظيم العالمي يمكن أن يتلاعبوا بعقول الناس؟.. وبهذه المناسبة أرجو أن تكون هذه النقطة، التعاون الأمني، موضعًا لمراجعات شاملة في البرلمان المصري الجديد والسلطة الجديدة المنتخبة، ولا يصح أن تظل مصر أسيرة معاهدات دولية أبدية غير عادلة. أيضًا يذكر الناس داخل مصر وخارجها كيف وصف الدكتور مرسي المجموعات المسلحة التي قتلت الجنود المصريين في رفح، ووصفهم بالمجرمين والقتلة وأنه لن ينام ولن يغمض له جفن حتى يثأر من "قتلة أولادنا" وتوعدهم بأن رده عليهم سيكون مزلزلاً، صحيح أنه نام بعد ذلك وغمض جفنه طويلاً ونسى الموضوع، ولكن الشاهد، أن هذه المجموعات عندما ترتكب نفس الجرائم ضد الجيش المصري أيام محمد مرسي يكونون مجرمين وقتلة، وعندما يرتكبون نفس الجرائم ضد جنودنا بعد مرسي والإخوان فهم أبطال، ويدافع عنهم زعماء "رابعة" الأشاوس ويرفض الإخوان توجيه أي كلمة إدانة لما يحدث ويقول كبيرهم: أعيدوا مرسي للكرسي وتتوقف الاعتداءات في سيناء، ثم عندما يعقب الناقدون على هذه الازدواجية النفاقية، وعندما يصفهم الآخرون بأنهم خونة وليسوا أمناء على مصر يغضبون ويعتبرون ذلك تطاولاً على "الجماعة الربانية"!!