أتمنى أن يفصح السادة الليبراليون عن مكنون صدورهم بشأن ما يعتقدونه تجاه عموم الشعب ، وعما إذا كان في وجهة نظرهم له الحق في الاختيار وتقرير المصير ، أم أن الشعب بالنسبة لهم مجرد أرقام وكتل بشرية يستمتع السادة النخبويون باحتقارهم وإذلالهم وفرض الوصاية عليهم. لن نوجه لهم أي لوم إذا قالوا صراحة أننا لا نؤمن بالإرادة الشعبية ، ولا نقيم أي وزن لرأي الطبقة الفقيرة ، فهذا سيعتبر عندنا اتساقاً مع الذات ، ووضوحاً للفكر الذي يؤمنون به. ولكن أن يتشدقوا بمصطلحات الليبرالية والحرية ثم تجدهم يتنصلون من استحقاقات ذلك مع أول ممارسة ديموقراطية ، فهذا ما لا يحتمل ويكاد يصيبك بالغثيان والاشمئزاز.
المشكلة أن هؤلاء لا يجيدون حبكة الدراما المملة التي يقومون بتمثيلها علينا كل يوم ، وإنما تنفلت من بين شفاههم بين الحين والآخر كلمات فاضحة تنبئك عن عميق الإحساس الداخلي عندهم بأنهم طبقة فوق الشعب ، وأنهم بحكم الاصطفاء الليبرالي لهم يملكون الحق في الاختيار نيابة عن كل الجماهير.
نحن نعتبر أن اللقاء الذي تحدثت عنه السيدة منى مكرم عبيد وطلب فيه التدخل من الجيش لإسقاط الرئيس .. نعتبره فضيحة بكل المقاييس. عندما تناقش ذلك مع أحدهم تجده "يتفلسف" عليك ويخرج بنتيجة مفادها أن هؤلاء قاموا بواجبهم الوطني في اللجوء للقوات المسلحة الوطنية لحماية الدولة من الضياع علي أيدي الإسلاميين الإرهابيين.
دعك من هذا ، وتأمل معي كلام السيدة التي كشفت عن اللقاء وهي تقول أن الخطاب الذي توجهوا به للجيش حاز علي موافقة الأستاذ فلان والدكتور فلان وشخصيات أخرى من نفس "المستوى" وذلك لدفع الجيش للتحرك.
الكلمة قد لا تلفت نظر الكثيرين ، ولكنها بالتأكيد تكشف عن قناعة هؤلاء بأن ثمة "مستوى" معين من المجتمع هو الذي يجب أن يقرر مصير البلد بأكمله ، وأن موافقة هذا "المستوى" كافية جداً لإهدار الإرادة الشعبية وإلغاء أصوات من هم "دون المستوى" ، وذلك بالاستعانة من مؤسسة القوة التي هي أصلاً "فوق المستوى".
لا تحزن يا صديقي .. "فالمستوى" الذي أنت فيه لا يسمح لك "بالإستواء" مع الذين هم في "المستوى" ، ولا تتطلع لأكثر مما يسمح لك به الإخوة في "المستوى" وإلا ستواجه بقوة ممن هم "فوق المستوى". ابق في "مستواك" واشكر "المستوى" الذي فوقك لأنه يرعى مصالحك بالتنسيق مع "المستويات" الأخرى.
هذه هي المسرحية الهزلية التي نعيشها ، مؤلمة لكنها حقيقية. أبطالها أناس يظهرون في ملابس أنيقة عالية "المستوي" ، وينطقون بعبارات منمقة لا يفهمها أصحاب "المستويات" الدونية. وضحاياها هم أبناء الشعب الذي يعيش في "مستوى" ردئ من الخدمات والتعليم والصحة ، ولكنهم يحملون همة عالية وإرادة حقيقية تتجاوز كل "المستويات". عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.