الأساتذة الإجلاء حكماء ورموز الأمة الموقرين : لقد وقّعتم قبل أيام على بيان قوي اللهجة يناصر حركة القضاة الإصلاحية بمناسبة إحالة المستشارين البسطويسي ومكي إلى التحقيق.. وقد أردتم بهذا البيان إيصال رسالة دعم ومساندة إلى القضاة الشرفاء وتطمينهم بأنكم تقفون معهم في معركة استقلال السلطة القضائية باعتبارها إحدى معارك الإصلاح والتغيير الذي تنشدونه لمصر.. وقد وصلت الرسالة وشعر القضاة بصدق مواقفكم الوطنية النبيلة، وكان ذلك حافزا مهما لهم على الصمود في وجه الضغوط الرسمية والأمنية الرهيبة التي مورست ضدهم، حين شعروا أن حكماء الأمة ورموزها يدعمونهم ويقفون إلى جانبهم، من خلال كتاباتهم وزياراتهم التي لم تنقطع إلى نادي القضاة. ولكن اسمحوا لي يا أساتذتي أن أسألكم سؤال التلميذ المحب والمعترف لكم بالفضل في تكويني السياسي والفكري والوطني: هل هذا البيان الذي أصدرتموه وتلك المقالات التي تسطرونها هي نهاية القصيد وكل ما تستطيعون فعله في هذا الظرف الجلل الذي تمر به الأمة؟.. ألم تقرأوا من الأحداث الجارية أن الأوضاع هذه المرة تستدعي موقفا مختلفا وجديدا منكم، أكثر من تدبيج مقال والتوقيع على بيان؟.. الم تدركوا أن الأزمات وصلت إلى ذروتها حتى باتت تخنق الوطن وأشرفت الدولة على الانهيار من جراء سلطة فاسدة وعنيدة ترفض الرحيل رغم فشلها المحقق؟.. ألم تسمعوا بما فعله الطغيان يوم الخميس الدامي، من ضرب وتنكيل واعتقال وإرهاب في حق زهرة شباب الوطن، لا لشيء إلا لخروجهم أمام دار القضاء العالي معلنين تضامنهم مع القضاة؟!!.. الم تلاحظوا هذا الصمت المريب والتواطؤ المفضوح من الخارج على ما يجري في بلادنا، فلم نسمع إدانة أو مجرد تعقيب من أي جهة رسمية في الخارج على ما يرتكبه نظام قمعي استنفذ كل الفرص والحيل التي جعلته باقيا في الحكم على مدار عقود؟.. ألم تنتقدوا دوما ضعف المجتمع أمام سلطة غاشمة أماتت السياسة وغيبت الشارع بقسوتها المفرطة وغبائها منقطع النظير؟.. ألم تعلنوا مرارا وتكرارا أن علة الأجيال الحالية هي افتقاد القدوة والمثل الدال للفعل الوطني الايجابي؟.. فماذا فعلتم انتم يا حكماء الأمة ورموزها أمام كل ذلك؟.. سأكون صريحا معكم وأقول انه رغم التأكد من صدق مشاعركم.. وأنكم تضمون صفوة المفكرين والكتاب والعلماء النابهين، الذين لا ينقصهم الحس الوطني والرغبة الصادقة في الإصلاح، ولا يعجزهم طرح اجتهادات ورؤى تتسم بالجدة والرصانة. غير أن تأثيركم في الشارع وفي دوائر صنع القرار ظل دائماً ضعيفاً، ولا نكاد نلمس حضوركم أو نسمع أصواتكم إلا في خلفية المشهد أو على هامش الأحداث. وسبب ذلك أن أفكاركم ورؤاكم لا تتجاوز في عمومها حدود التشخيص وتكتفي غالباً بالتحليل والتنظير، من دون أن تعطينا أية حلول عملية لكيفية الخروج من أزماتنا المستحكمة، أو خطوات محددة يستضيء بها رجل الشارع ويلمس تأثيرها في حياته العملية. فلم تحصد كلماتكم الثمر الذي أردتموه، ولم تبلغ أقوالكم المدى الذي قصدتموه، وانتهى بنا الحال إلى وفرة كُتّاب ومفكرين من نوع "المحللين" و"المنظّرين"، مع ندرة شديدة من نوع "الرواد" و"المبدعين". لقد مكثتم طويلاً في مرحلة استجداء التغيير من النظام والمطالبة الصوتية بالإصلاح، ولم تتحركوا حتى اللحظة إلى مرحلة "الفعل الإصلاحي" وما يقتضيه من مهمات ومسؤوليات وما يتطلبه من أعمال واستحقاقات. فكان أقصى ما فعلتموه هو مطالبة الحكومات باستحقاقات محددة كإطلاق الحريات وضمان نزاهة الانتخابات وتعديل الدستور، ثم ظننتم أنكم فعلتم بذلك ما في وسعكم، وأنكم بلغتم رسالتكم وأديتم أمانتكم، ولم تطالبوا أنفسكم في المقابل باستحقاقات مماثلة أجدر لكم الالتزام بها، تدفع في اتجاه تماسك المجتمع، وإكسابه حيوية سياسية تهيئ الظرف المواتي للإصلاح. وذلك من واقع الإدراك أن التغيير لن يتم من دون إيجاد ضغط شعبي فاعل ومنظم، يقود الجماهير الصامتة وينقلها من صفوف المتفرجين إلى ساحات العمل السياسي والوطني. إذا كان الحال كذلك، فاسمحوا لي يا أساتذتي الإجلاء أن اقترح عليكم النزول إلى الشارع ليلة الحادي عشر من مايو الجاري، عشية التحقيق مع القضاة، كبداية مرحلة جديدة من العمل الوطني، وإعطاء زخم للقوى الوطنية وكسر الجمود الحاصل في المشهد الراهن، وتشجيع قطاعات واسعة من الجماهير لممارسة حقهم السياسي المغتصب، وإعطاء القدوة والنموذج والأمل للشباب اليائس.. على أن يكون التجمع في ميدان التحرير في تمام السادسة عصر الأربعاء القادم الموافق العاشر من مايو، والتوجه إلى نادي القضاة وسط كوكبة من القوى الوطنية وتيارات المجتمع المدني، يحوطهم شباب كفاية وأساتذة الجامعات وعناصر من نقابات المحامين والصحفيين والمهندسين وكافة الأحزاب والتيارات السياسية الفاعلة.. يتقدمهم شخصيات ورموز وطنية كبيرة من أمثال: عزيز صدقي، حسنين هيكل، طارق البشري، يحيى الجمل، جلال أمين، عبد الغفار شكر، حازم الببلاوي، عاطف البنا، سلامة احمد سلامة، فهمي هويدي، عبد الوهاب المسيري، نبيل الهلالي، ميلاد حنا، محمد سليم العوّا، منى مكرم عبيد، رفيق حبيب، جمال اسعد عبد الملاك، عبد العظيم أنيس، جميل مطر، سكينه فؤاد، يحيى الرفاعي، فاروق جويدة.. وغيرهم من الشخصيات الموقعة على بيان القضاة الشهير . فإذا قبلتم يا حكماء الأمة هذه الدعوة وشاركتم فيها، ستساهمون في صنع مشهد وطني جليل وواقع جديد ، وستكون بداية (فعل) وطني قد يغير كثيرا في المعادلة الراهنة.. فحيّ على النضال يا حكماء الأمة وشيوخها الإجلاء . [email protected]