خلال ساعات.. نتيجة تنسيق المرحلة الثانية للجامعات 2025 (الرابط الرسمي)    استقرار البلدي وتراجع طفيف في أسعار الفراخ البيضاء اليوم الإثنين 11-8-2025 بالفيوم    ميناء الإسكندرية يستقبل السفينة السياحية الهولندية MS Oosterdam    سعر جرام الذهب صباح اليوم الإثنين، عيار 21 وصل لهذا المستوى    كامل الوزير يستقبل السفير الياباني بالقاهرة لمتابعة الموقف التنفيذي للمشروعات المشتركة    رئيس الوزراء يتابع جهود توفير التغذية الكهربائية لمشروعات التنمية الزراعية بالدلتا الجديدة    مسيرة في تركيا تطالب بفتح ممر إنساني لدخول المساعدات إلى غزة    بدء دخول قافلة مساعدات إماراتية جديدة إلى قطاع غزة عبر معبر رفح    حاكم مقاطعة نيجني نوفجورود الروسية يؤكد مقتل شخص وإصابة اثنين آخرين في هجوم أوكراني بطائرات مسيرة    بالأسماء.. 3 تغييرات في تشكيل الأهلي أمام فاركو (تفاصيل)    بعثة منتخب الشباب تغادر لمواجهة المغرب في الدار البيضاء    وسط مباحثات تجديد عقده.. إمام عاشور يعلن موعد عودته للأهلي (تفاصيل)    ارتفاع نسبة الرطوبة.. موجة حارة تضرب العلمين ومطروح    التصريح بدفن جثة لص سقط من الطابق الثالث أثناء الهرب بأكتوبر    «الداخلية» تكشف ملابسات سرقة سيارة محملة بكمية من النحاس الخردة بالجيزة    ب4 ملايين جنيه.. الداخلية توجه ضربات أمنية ل«مافيا الاتجار بالدولار» في المحافظات    وكيل تعليم الغربية يتابع سير امتحانات الدور الثاني للدبلومات الفنية في يومها الثالث    ضبط عاطل بالجيزة لتصنيع الأسلحة البيضاء والإتجار بها دون ترخيص    نجاة الصغيرة قيثارة الشرق.. محمد عبد الوهاب أول من تبناها.. طالبت بإعادة النظر في قانون الأحوال الشخصية.. وهذا سر خلافها مع مصطفى أمين    ضمن دوري المكتبات.. لقاءات عن سيناء بقصر ثقافة الغربية    طب قصر العيني تطلق مجلة دولية متخصصة فى الطوارئ والكوارث    تقديم مليون 975 ألف خدمة طبية ضمن حملة «100 يوم صحة» بالشرقية    وزير الري يؤكد أهمية صيانة وتطوير منظومة المراقبة والتشغيل بالسد العالي    محافظ المنيا: المعلم سيظل رمزًا للعطاء وصانعًا للأجيال    مؤتمر صحفي لإعلان نتيجة انتخابات مجلس الشيوخ.. الثلاثاء    نائب ترامب: لن نستمر في تحمل العبء المالي الأكبر في دعم أوكرانيا    إعلام إسرائيلي: الجيش سيعرض خلال أسبوعين خطة شاملة لاحتلال غزة    الأمم المتحدة: خطة إسرائيل بشأن غزة "فصل مروع" من الصراع    خلال 24 ساعة.. ضبط 143745 مخالفة مرورية متنوعة    11 أغسطس 2025.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    المالية: دعم جهود تمكين القطاع الخاص المصري مع والتوسع بالأسواق الأفريقية    السياحة والآثار: وادي الملوك بالأقصر آمن والمقابر لم تتأثر بالحريق    محمد شاهين: ظهرت في كليب إيهاب توفيق وطفولتي كانت مع جدتي    البورصة المصرية تستهل بارتفاع جماعي لكافة المؤشرات اليوم الإثنين 11 أغسطس    تعرف على مباريات اليوم في الدور الرئيسي ببطولة العالم تحت 19 عامًا    نقص مخزون الحديد.. أجراس تحذير للجسم وطرق علاج الأنيميا    من التشخيص للعلاج .. خطوات لمواجهة سرطان المبيض    أمين الفتوى: رزق الله مقدّر قبل الخلق ولا مبرر للجوء إلى الحرام    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 11-8-2025 في محافظة قنا    أكثر 5 أبراج قيادية بطبعها.. هل برجك بينها؟    أحرج " يويفا "بتعليقه علي استشهاد سليمان العبيد. .. محمد صلاح صوت فلسطين فى ملاعب أوروبا    رئيس جامعة جنوب الوادي يناقش إنشاء تطبيق إلكترونى لأرشفة الإنجازات    التيك توكر "داني تاتو" أمام النيابة: مهنة رسم التاتو عالمية ولم أجبر أي سيدة على الظهور معي    انطلاق فعاليات مبادرة "أنا أيضا مسئول" بجامعة جنوب الوادى    شيري عادل تخطف الأضواء وتعتلي منصة التكريم في مهرجان إبداع بحضور وزير الشباب والرياضة وكبار المحافظين    د.حماد عبدالله يكتب: "الفن" والحركة السياسية !!    تعرَّف على مواقيت الصلوات الخمس اليوم الإثنين 11 اغسطس 2025 بمحافظة بورسعيد    فلسطين تطالب بتحرك عربى فعّال لمواجهة جرائم الاحتلال    الرئيس: أؤكد التزام الدولة بإعلاء حرية التعبير وتعزيز التعددية    جمال العدل: الزمالك هو الحياة.. ولا نية للترشح في الانتخابات المقبلة    إجمالى إيرادات الفيلم فى 11 ليلة.. تصدر شباك التذاكرب«28» مليون جنيه    بعد قرار جون إدوارد.. عبدالله السعيد يتدخل لحل أزمة نجم الزمالك (تفاصيل)    بقوة 6.1 درجة.. مقتل شخص وإصابة 29 آخرين في زلزال غرب تركيا    يحسن وظائف الكبد ويخفض الكوليسترول بالدم، فوائد عصير الدوم    ياسر ريان: مصطفى شوبير رتمه بطئ والدبيس أفضل من شكري    أمين الفتوى: لا يجوز كتابة كل ما يملك الإنسان لبناته لأنه بذلك يعطل أحكام الميراث    أمين الفتوى يوضح: المال الموهوب من الأب في حياته لا يدخل في الميراث    هل يجوز إجبار الزوجة على الإنفاق في منزل الزوجية؟.. أمينة الفتوى تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليبيا وسيف الإسلام والدستور المرتقب
نشر في المصريون يوم 16 - 05 - 2010

فاجَأت الدّعوة الأخيرة التي أطلقها سيف الإسلام، نجل الزعيم الليبي معمر القذافي، لسَنّ دستور للبلاد جميع المُراقبين، لأن هذا الملفّ طُويّ مُنذ أكثر من سَنة، في أعقاب آمال كبيرة طارت بالنّخب الإصلاحية فوق بِساط الحلم، قبل أن يودِّع مشروع الدستور الأدراج. ويُعلن سيف الإسلام اعتِزاله العمل السياسي احتجاجا وتفكيره في الهجرة إلى أوروبا... لإنشاء مركز دراسات، وكانت ليبيا أعلنت في شهر ديسمبر 2008 عن تشكيل لجنة حكومية مكلّفة بدراسة مشروع الميثاق الوطني.
وقال عبد الرحمن أبو توتة، رئيس اللجنة في تصريحات صحفية آنذاك، إن العمل على هذا المشروع انطلَق مُنذ ثلاث سنوات (أي في عام 2006)، موضِّحا أن "مشروع الميثاق الوطني" أو "الدستور" أحِيل إلينا من قِبَل لجنة شُكِّلت من خبراء قاموا بصياغة مُقترحات عدّة لميثاق وطني للبلاد، وستقوم اللجنة الحالية بمُراجعته وتنقيحه من الناحية القانونية".
ثم ما لبِثت قناة "الليبية" أن أعلنت في مطلع شهر فبراير 2009 أن مسودّة مشروع الدستور ستُعلن في نهاية الشهر نفسه، مؤكِّدة أن "اللجنة الحكومية المكلَّفة بدراسته، انتهت من تنقيح المُسودّة ووضعها في صياغة نهائية من الناحية القانونية".
وتوقّع مراقبون أن تكون تِلك الخُطوة تمهيدا لعرضه على المؤتمرات الشعبية، لكن كل ذلك الحِراك توقّف فجأة من جانب من لدَيْه السّلطة العليا، وهو ما حمل سيف الإسلام على إعلان اعتِزال السياسة، بعدما كان يفتخِر بأنه بذل مجهوداً كبيراً من أجْل أن تتحوّل ليبيا من دولة محاصَرة ومقاطَعة، إلى دولة لديها كُرسي في مجلس الأمن.
ولعلّ هذا ما يفسِّر حِرصه على التّأكيد في حِوار أجرته معه صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية في يناير 2009 في منتجع دافوس السويسري، على أن قراره بالانسحاب "لا رجْعَة عنه"، مشدِّدا على أنه قرّر "الابتِعاد عن الشّأن العام نِهائياً، وأتمنى للأبد ... وحدَّدْت الآن موقِعي في المُجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية"، مضيفا "أنَا دوْري الآن بِناء مُجتمع مَدني، فيه نقابات حُرّة وحقيقية ومؤسّسات وروابِط ومُنظمات حقوقية واتِّحادات، هذا هو مجالي. أما الدولة والحكومة والشأن العام، فهذا أمر انسحَبْت منه انسِحاباً نِهائياً، وأفكِّر أيضاً في مشروع معروض عليّ لإقامة مركز دراسات في دولة أوروبية، ويُمكن أن أتفرّغ لهذا المركز"، لكن بعد صمْتٍ استمَرّ أكثر من سنة، ها هو يرفع الصَّوت مُجدّدا للمُناداة بوضْع دستور لليبيا.
الدستور ضرورة
تعود الدّعوة من جديد هذه الأيام، لكنها أتَت من القاهرة وعلى هامِش مؤتمر، وليس من داخل ليبيا وكأنها مشروع ما زال في المنفى، على رغْم قوة التيّار الدّاعي للانتقال من مرحلة الثّورة إلى مرحلة الدولة. وتَأكّد من خلال اتِّصالات هاتفية أجرتها swissinfo.chمع شخصيات عامة داخل ليبيا من أطياف مختلفة، أن لا أحَد لديه معلومات دقيقة ومؤكَّدة، تُفيد أن دعْوة سيف الإسلام تُمهد لخُطوات عملية ستُتوّج بتصديق "مؤتمر الشعب العام" (البرلمان) على مشروع دستور يُرْسي مرجعية جديدة، واستطرادا، شرعية دستورية تحُلّ محلّ "الشرعية الثورية"، التي يستنِد إليها العقيد القذافي منذ صعوده إلى سدّة الحكم قبل أكثر من أربعة عقود.
ولا تمتلِك ليبيا دستورا رسميا، إذ يحكمها النظام الذي وضعه "الكِتاب الأخضر" والذي يرسم فلسفة الزعيم الليبي وآراءه عن الطريقة التي يجِب أن تُحكَم بها الدول. ويُمكن القول أن المعلومة الوحيدة التي تطرّقت إلى الإطار الذي تندرِج فيه دعوة سيف الإسلام، هي ما قاله لوكالة "رويترز" البريطانية أحد الليبيين القريبين من دائرة هذا الأخير، من كون نجل الزعيم الليبي "يخطِّط لحمْلة من أجل وضْع دستور جديد (للبلاد) في الأشهر القليلة القادمة".
ويدلّ هذا الكلام في ظِلّ نظام سياسي يمسك القذافي الأب بجميع مفاتيحه، على وجود ضوْء أخضَر لوضع مشروع الدّستور على السكّة، هذا إن لم يكن مصير المحاولة الجديدة مثل سابقتها. منطقيا، تنبني الدّعوة لسَنّ دستور على حاجة مُلحّة، وهذا ما أكّده سيف الإسلام، حين أشار إلى أن الدستور له أهميّة حيوية في تحقيق الرّخاء لليبيا، وحين قال في المؤتمر الذي شارك في أعماله في القاهرة "نحتاج دستورا، إذ لا يمكِنك أن تُدير دولة من دون أن يكون لديك دستور ومن دون قوانين أساسية. إنها ضرورة". وأضاف سيف الإسلام "يجب مُراجعة طريقة الحُكم بشكل كبير وبجدِّية كبيرة، هذه هي الأولوية الأولى".
واتّفق عدد من الذين تحدّثت إليهم swissinfo.ch في طرابلس، على أن الخُطوة تأخّرت كثيرا، لكنهم أكّدوا أن "ما يأتي متأخِّرا أفضل من أن لا يأتي أبدا، ولعلّها حسابات السياسة التي لا نعلم خَفاياها"، غير أن المحامي محمد العلاقي، رئيس لجنة حقوق الإنسان في مؤسسة القذافي، التي يرأسها سيف الإسلام، كان أكثر وثوقا، إذ أكّد ل swissinfo.ch أن مؤسّسات المجتمع المدني كانت تُطالب منذ زمان بنَصٍّ يُحدِّد طريقة الحُكم، مُشيرا إلى أن "ما تحدّث فيه سيف الإسلام ليس جديدا، إذ أن اللجنة التي كُلِّفت بصياغة الدستور، أنهَت أعمالها، ونحن نضُم صوتنا إلى صوت الأخ سيف الإسلام بضرورة إصدار الدستور الدائم لليبيا".
وردا على سؤال بشأن مدى قُدرة المحافظين على إحْباط المحاولة الجديدة، قال العلاقي الذي كان نقيبا للمحامين طيلة أربع سنوات "لا أتصوّر أن هناك إنسانا له عقْل سيُعارض مثل تلك الخُطوة"، إلا أنه أقَرّ بوجود "محافظين لديهم مصالح ما، يرفضون الاستقرار بمَعناه الشامل ووضع ضوابط محدّدة (للنظام السياسي)".
وأفاد أن هناك نقْصا في مشروع الدستور تَمّ تلافيه بتعديل البنود المتعلِّقة بالحريات، بناءً على أن نصوص الباب الأول من الكتاب الثاني من قانون العقوبات السابق، كانت ضدّ حرية الرأي وجرت مُراجعتها وتغييرها، كما تمّ إلغاء "العقوبات الغليظة" مثل الإعدام من ذلك القانون ولم يتِم استبقاؤها سوى لجريمة القتل المتعمّد مع الإضمار المُسبق، مثلما أوضح العلاقي.
ومضى قائلا "هذه جُملة من القوانين التي بلغ عددها 21 قانونا أساسيا وقد باتت جاهزة، ومنها قانون الاستثمار وقانون المُرافعات وقانون العقوبات، ونحن نعبِّر عن استغرابنا لكونها لم تُعرَض بعدُ للتّصديق عليها". وأبدى العلاقي تفاؤُله بأن هذه القوانين العصرية ستُعرَض على الدّورة المُقبلة لمؤتمر الشعب العام (البرلمان)، لكن متى؟ ردّ قائلا: "ربَّما في شهر سبتمبر المقبل".
يحكم العقيد معمر القذافي ليبيا منذ حوالي 41 عاما (Keystone)
محافظون وإصلاحيون
أساس التّأخير المتجدّد عن عرض الأمر على البرلمان، هو الصراع بين الجناحيْن، الإصلاحي والمحافظ في الحُكم. ورأى صحفي يعمل في ليبيا منذ سنوات، أن طرْح سيف الإسلام الإصلاحي لاقى قَبُولا وتجاوُبا لدى مؤسسات المجتمع المدني، وخاصة نقابة المحامين ونقابة الصحفيين ورابطة الكتّاب وما إلى ذلك، بناءً على توافُق مع ذلك المشروع الإصلاحي. ورجّح الصحفي، الخبير بالشؤون الليبية والذي فضّل عدم الكشف عن هُويته، أن إطلاق سيف الإسلام دعوته الجديدة، تنبني على حلٍّ وسَط Compromise بين الجناحيْن، لكنه قال إنه يجهَل بنوده.
وأوضح أن كل الدّعوات الإصلاحية تُواجَه دائما بالرّفض من الحرَس القديم في البداية، ثم يصِل الطّرفان إلى توافُق على النصّ. وأشار إلى أن القاضي الذي رأس لجنة تحرير مشروع الدستور، أعلن بوضوح أن الكِتاب الأخضر هو دليله في صوغ الدستور الجديد وأن هدفه "ليس التغيير، وإنما تجميع كل شيء في ملفٍّ واحِد".
وأكّد الصحفي أن بعض عناصِر "اللِّجان الثورية" منفتحون على فِكرة سَنّ دستور وأعلنوا قبولهم بها، لكنهم يعترِضون على محرِّري النصّ ويرَوْن أنهم لا يعكِسون ما يريده الشعب، مع إقرارهم بضرورة الدستور. أكثر من ذلك، تحظى دعوة سيف الإسلام الإصلاحية بدعْم قِسم من المؤسسة العسكرية، التي تشكِّل مُوافقتها، أمرا حيَويا لمستقبله السياسي.
ومع تسميَته منسّقا للقيادات الشعبية في ليبيا في أكتوبر الماضي، تمّ نظريا ربطه بكل من مؤتمر الشعب العام (البرلمان) واللجنة الشعبية العامة (الحكومة) والأجهزة الأمنية، وهي أضلاع الحُكم في البلد، وِفقا للَّوائح الداخلية للقيادات الشعبية الاجتماعية، التي تُعتبر المرجعية العُليا للنظام السياسي القائم في ليبيا. وبوأت تلك التسمية سيف الإسلام، موقع الرجل الثاني في النظام الليبي، إلا أن كثيرا من القيادات المحافظة القوية داخل النظام، تُعرْقل مشروعه وتتحفّظ على دوره.
وفي هذا السياق، أفاد الصحفي العامل في ليبيا swissinfo.ch أن عموم الناس في البلد، لا يفهمون ما الهَدف من الدّعوة الجديدة. فهل هي لتسهيل تولِّي سيف الإسلام رِئاسة الدولة؟ أم لمُمارسة الضُّغوط على القِوى المحافظة؟
غير أن المُتابِع للشأن الليبي، يمكن أن يُلاحِظ أن مبادرة سيف الإسلام أتَت بعد حركتيْن قد تحمِلان دلالات سياسية. أولهما، أنه بدأ حوارا في 14 أبريل الماضي مع مثقّفين وإعلاميين وأُدَباء ليبيين في مُدن درنة والبيضاء وطُبرق، حثّهم خلاله على التصدّي لمكافحة الفساد والتطرّق بحرية إلى المشكلات الداخلية في البلاد.
أما الثانية، فهي إخلاء سبيل السجين السياسي جمال الحاجي، الذي كان يقضي عِقابا بالسِّجن لمدة 12 عاما مع زميله فرج حُميد، المحكوم عليه ب 15 سنة، وكان الإثنان مثلا أمام محكمة أمْن الدولة في مطلع عام 2007 مع عشرة متّهمين آخرين، لأنهم خطَّطوا للقيام بمظاهرة سِلمية في ساحة الشهداء في طرابلس في الذكرى الأولى لمقتل 11 من المحتجِّين، في مواجهات مع الشرطة. ويُعتَقد أن تدخّل سيف الإسلام، الذي يُدير جمعية حقوق الإنسان، هو مَن كان وراء الإفراج عن جمال خلال فترة سِجنه السابقة.
استقطاب المُستثمرين
هناك أيضا مَن يربِط دعوة سيف الإسلام بهدف استِقطاب المستثمرين الأجانب الذين يُولون أهمية كبيرة لوُجود قوانين واضحة ومن باب أولى، دستور للبلاد. ومعلوم أن رجال الأعمال يشترِطون توافُر الشفافية والحَوْكمة واستقلال القضاء، لتأمين الضمانات اللاّزمة لاستثماراتهم، وهي أمور غائِبة من النظام السياسي الحالي في ليبيا.
ومن هذه الزاوية، اعتبر السيد علي أبو زعكوك، المدير التنفيذي للمنتدى الليبي للتنمية السياسية والإنسانية في تصريح خاص ل swissinfo.ch أن العوْدة إلى الدستور "هي العوْدة إلى المرجِعية التي يجتمع حولها الوطن، والتي غابت عن المجتمع الليبي منذ عام 1969، وهي يُمكن أن تكون مِحور إصلاح سياسي واجتماعي وثقافي في البلاد"، مؤكِّدا أن "ليبيا بحاجة ماسّة لهذه الإصلاحات، وخاصة المجتمع المدني والنّقابات والمؤسسات الأهلية، وقد دجنتها كلّها السلطة الحاكمة، فلم تعُد مؤسسات فعّالة في المجتمع".
وسألناه عن المستجدّات التي تبرِّر العودة اليوم إلى الحديث عن ضرورة سَنّ دستور، فرأى أن فكرة إعداد دستور للبلد ظلّت دائما موجودة، وتشكّلت لجنة لهذه الغاية قبْل سبع سنوات من الآن، وطُرحت المسودّة الأولى للمناقشة على الإنترنت وسط صِراع في الداخل بيْن قِوى تدّعي أن لدينا في ليبيا ما يكفي من التشريعات من جهة، وسيف الإسلام من جهة ثانية، الذي يرى أن سَنّ دستور للبلد ضروري، ونحن معه في هذه الدعوة". وأضاف علي أبو زعكوك "أعتقد أن إيجاد دستور سينقل ليبيا إلى دولة تسعى للِّحاق بركْب القرن الحادي والعشرين".
وعن سؤال حول مدى قُدرة عناصر الردّة على إحْباط هذا المسعى، أكّد أن "وجود حِراك في داخل ليبيا والصوْت العالي لسيف الإسلام من أجل دعْم ذلك الحِراك، يجعل أن هناك صوْتان على الأقلّ، وهذا أمْر أساسي لحيوية المجتمع الليبي، إذ لم يعُد هناك إقصاء للرأي الآخر، بل لديه الحقّ في طرح ما لديه من آمال وطروحات لليبيا الغد"، وأوضح، أيضا ردّا على سؤال ل swissinfo.ch، أنه "من الصّعب التكهّن باحتِمال عرض مشروع الدستور على الدورة المقبلة ل ؤتمر الشعب العام"، مثلما توقّع ذلك كثير ممَّن تحدثت إليهم swissinfo.ch في داخل ليبيا، لكنه شدّد على أنه ينضَمّ إلى تفاؤُل أهْل الداخل، إذا ما تكلَّموا في الموضوع بهذا التوقّع.
وربّما تنبني تلك المسْحة التفاؤُلية على التقدّم الذي حقّقه حوار سيف الإسلام مع مجموعات أصولية متشدّدة، ممّا جعل المعارضين يعتبرون أن الحِوار يشكِّل مفتاح الحلّ لجميع مشاكل البلد، وهذا ما ردّده أيضا أشخاص مقرّبون من سيف الإسلام، إذ قال سليمان دوغة، رئيس مجلس إدارة شركة "الغد" للخدمات الإعلامية، الذي التقى نيابة عن نجل القذافي عددا من المثقّفين والإعلاميين، إن هذه اللقاءات تُعبِّر عن رغبة سيف الإسلام في أن يكون لكُل مثقّف مكان راسِخ في مشروع شركة "الغد" عبْر المشاركة التي من شأنها أن تسلِّط الضوء "بجُرأة وشجاعة ودون نِفاق ولا كذب" على عدد من المسائل التي تخُصّ الشأن الليبي العام.
وأكّد دوغة في تصريحات نقلتها عنه وسائل إعلام ليبية وعربية، أن نجاح تجربة الحِوار مع الجماعات المقاتِلة "أثبت أن الحِوار هو مفتاح الحلّ لكل مشكلاتنا وأن ليبيا أصبحت دولة قوية وقادِرة على حلّ كل ملفّاتها الأخرى"، لافتا إلى أن الدّور الحقيقي لشركة "الغد" يكمُن في ترجمة خِطاب الغد وإسقاط تلك الرُّؤى على أرض الواقِع ورصْد حالة التّدافع في داخله عبْر المنابر والوسائل التي تمتلِكها الشركة.
واعتبر دوغة أن إنجاح مشروع "ليبيا الغد"، يتمثَّل في تفعيل سُلطة الشعب تفعيلا صحيحا، مؤكِّدا أن نظرية سلطة الشعب ثابِت من ثوابِت الدولة وخطّ أحمر يجِب احترامه، وأن النقد يجِب أن يتّجه نحو التطبيق وترشيد التجربة وترجمة النظرية على أرض الواقِع، ترجمة صحيحة. ويلتقي هذا الاتجاه مع من يعتبِرون أن سقف الحركة الإصلاحية في ليبيا اليوم، لا ينبغي أن يتجاوز الدائرة التي رسمها سيف الإسلام.
وتكاد تلك الدائرة تقتصِر على الاعتراف بالآخر والتخلّي عن اعتباره "كلْبا ضالاّ" أو "عدوّا لسُلطة الشعب!"، لكن من ضِمن ركائز نظرية العقيد القذافي التي أودعها في كِتابه الأخضر بشأن التعدّدية السياسية و"سلطة الشعب" والنظام الجماهيري ... فذلك سِياج من المحرّمات لا يُسمح بالاقتراب منها أسْوة بثالوث الله والملك والوِحدة الترابية في المغرب الأقصى.
ولعل بول وودز، مبعوث إذاعة "بي بي سي" إلى ليبيا، لخّص الوضع بهذه الجُملة التي ختَم بها رسالته تحت عنوان "هل ليبيا جادّة في مسألة الإصلاح؟"، بقوله "هناك حديث كثير عن (الإصلاح) في ليبيا، لكن من الصّعب التأكّد من مدى جدِّية ذلك الإصلاح".
المصدر: سويس أنفو


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.