احتفلت ليبيا الشهر الجارى بالذكرى ال33 لقيام «سلطة الشعب»، التى أعلنها الزعيم الليبى معمر القذافى عام 1977. وتقوم نظرية الحكم التى يطلق عليها بعض المنظرين «البدوقراطية» الليبية على أساس الديمقراطية الشعبية المباشرة فى الحكم من خلال مجالس ومؤتمرات شعبية هى التى تقوم بتسيير شؤون البلاد والمجتمع وتصدر التشريعات والقرارات، فيما بقى الزعيم الليبى رسميا لا يحتل أى منصب فى الدولة. وقال محمد أبوالقاسم الزوى، أمين المؤتمر الشعبى العام «البرلمان» خلال تلك الاحتفالات: «أؤكد حتمية انتصار سلطة الشعب على قوالب الحكم التقليدية فى العالم». ولكن الاحتفالات بذكرى «سلطة الشعب» تأتى فى وقت يؤكد فيه المراقبون السياسيون أن قائد ليبيا أرجأ الإصلاحات السياسية والاقتصادية التى أعلن عنها سابقا وحتى توريث الحكم لابنه الثانى سيف الإسلام بعد أن كسب دعم العواصم الرئيسة فى الغرب لتأمين استمراره فى الحكم. وأكد المراقبون أن مشروع الإصلاح السياسى الذى دعا إليه نجل القذافى مازال يصطدام بالحرس القديم رغم محاولاته لتمرير مشروع دستور وتحرير الصحافة من سيطرة الدولة، فى حين يرى البعض أن ما يقوم به سيف الإسلام مجرد «تقمص» لدور «المصلح» لم يخرج عن الإطار العام الذى رسمه والده، لأنه بعد أن أرجأ القذافى الحديث عن الإصلاح اختفى نجله عن الساحة باستثناء بعض الانتقادات التى يوجهها إلى النظام فى ليبيا، والتى كان آخرها انتقاده دعوة والده لإعلان «الجهاد ضد سويسرا». ويرى رشيد خشانة، رئيس تحرير صحيفة «الموقف» الليبية فى مقال بمجلة «لوموند دبلوماتيك» الفرنسية، أن سيف الإسلام أحد المساهمين الأساسيين فى هذا الجدل بشأن الحديث عن الإصلاح فى ليبيا، مما يعنى أن والده لم يكُن بعيداً عن القبول بدستورٍ ضمن حدودٍ محسوبة. وفى 20 أغسطس 2007 أعلن سيف الإسلام بجرأة وعلى الملأ عن مشروعه الإصلاحى الذى يحتوى على دعوة ملحة إلى وضع دستور للبلاد وإطلاق خطة تنموية اقتصادية بقيمة 70 مليار دولار وتحرير الصحافة من سيطرة الدولة وقيام مؤسسات مجتمع مدنى قوية. ويؤكد خشانة أن التطوّرات لاحقا أثبتت أن القذافى الأب مُمسكٌ بجميع خيوط القرار، وأنّه لن يتنازل عن الحكم لأحد «لأنّه يدرِك أن القبضة الأمنية إذا ما ارتخت قليلاً فتلك بداية نهاية النظام برمّته». وتبدّدت الآمال التى علّقها الليبيّون على نجل القذافى، ليتّضِح أن المشروع قد طُوى مثلما طُويَت، فى الفترة نفسها، وعود والده بتوزيع الثروة النفطية على الليبيين. وفى 20 أغسطس 2009، أعلن سيف الإسلام انسحابه من الحياة السياسية. وقال مناصروه، إن هذه الخطوة جاءت «نتيجة تعثر واحتجاج على بطء المؤسسات الحكومية فى تنفيد المشاريع الإصلاحية». وسرعان ما بات سيف الإسلام، الذى رأت فيه العواصمالغربية خليفاً مقبولاً لوالده، يقضى وقته متنقِّلاً بين النمسا وسويسرا وليبيا وكرواتيا، وقال إنّه يعمل على تأسيس مركزٍ للأبحاث فى الخارج، هكذا اختفى من المسرح السياسى، ولم يعُد إلى الواجهة إلاّ بعد إطلاق عبد الباسط المقرحى المتّهم الرئيسى فى قضية «لوكيربى»، وهى الخطوة التى لعب فيها دوراً مركزياً وحرص على كشفِه فوراً بطريقة بعيدة عن الكياسة أزعجت الحكومات المعنيّة، بحسب «لوموند». وانسحاب سيف الإسلام المفاجئ من الحياة السياسية انتقده الكثيرون، خاصة المقربين منه لأنه كان يعتبر من وجهة نظرهم باب التغيير الأوحد حاليا.