هل أيقن المفكر السوداني، حسن الترابي، أن الأمة العربية الإسلامية، قد سدت كل ثغرات جبهاتها، ولملمت كل آثار جراحاتها، حتى ينكأها بثغرة جديدة، ويفتح، في جسمها، جراحات أخري شديدة ، تنزف دما، وتنبض ألما ؟ لعله أول من يعلم، أن أمتنا ما تزال تعاني من الخارج صدمات العدوان والاحتلال ، والاغتيال و تكابد من الداخل مرارة الظلم، والاستبداد، والاستغلال. وأمتنا في صدماتها هذه، ومكابدتها، ومعاناتها، تنشد وعيا موجودا يوحدها، وقائدا منشودا يسندها، وجيشا موعودا ينقذها. فكيف يخرج علينا – في هذه الفترة الحرجة من تاريخنا وتأزمنا – مفكر كالدكتور حسني الترابي، وهو رجل كنا نعده من الراسخين الأبرار، في الفكر الإسلامي، ومن المجددين، الأحرار، في الحقل السياسي. يخرج علينا هذا المفكر، لا ليشخص لنا الداء، و يقدم إلينا الدواء، وإنما ليزرع في جسم أمتنا الهش فيروسات فكرية قاتلة، تلوث انتماءها، وتسفه علماءها، وتمرغ في الوحل أحكامها وفقهاءها وتشوه مصلحيها وصلحائها. كيف – لعمري – ظل كامنا – طيلة فترة طويلة من الزمن. هذا الاجتهاد الفقهي المنقوص، الذي يخالف إجماع الأمة، والأئمة، فينشر من الفصوص ما يناقض النصوص ويقدم الأدلة المذلة والمخلة، للمتسولين اللصوص، على أبواب الغرب، مما يجعل شرف نسائنا، لقمة سائغة، لأهل الكتب المنحرفة، والمزيفة. كيف طاوع ضمير الترابي نفسه، بالخروج عما لا اجتهاد فيه، كزواج المسلمة من غير المسلم، و شهادة المرأة، وحجابها، وغير ذلك من القضايا، المعلومة، من الدين بالضرورة ؟ ما كنا نحسب – علم الله – أن تصاب أمتنا من أقرب الناس إليها ممن يرفعون الإسلام شعارا لانتمائهم، فيطعنونها في مقاتل فكرها، ويتزلفون- بطعنها-، إلى أعدائها فيقدمون مبادئها وجواهر أحكامها، قربانا لهم، كيما يوصفوا بالمعتدلين، والمنفتحين والمتسامحين. كبرت أحكام تصدر منهم، تمجها الآنفة الخلقية، و ترفضها الكرامة العربية ويأباها المنطق الإسلامي القويم. على أننا، و نحن، نتقزز مما خرج به على الناس الدكتور حسن الترابي من أحكام جائرة نبرأ إلى الله منها، لا لستعدى عليه أحدا، ولا نكفره أو نخرجه من الملة كما فعل البعض منا سامحهم الله. إن قصارى ما يمكن أن نستنبطه من مواقف المفكر السوداني، أنها شطحات فكرية غير مؤسسة، ربما يكون الدافع إليها، يأس سياسي مما يعانيه من إحباط، أو قنوط سوداني مما أحيط به في محنته، من تفريط أو إفراط. إننا نستغفر الله لحسن الترابي، من أقوال وأحكام صدرت في لحظة انفعال، لم يكن لقائلها، ما يعيده إلى التعقل، ومن ميزان واعتدال. ونحن موقنون، بأنه في لحظات تأمله العميق، و إيمانه الوثيق سيعود إلى رشده الإسلامي الصحيح، و إلى استئناف دوره في الصراع الصريح، الدائر اليوم، بين عدوان عولمي هجومي قبيح، وشعب مسلم مقاوم، مهيض الجناح طريح. يكفي أجزاء أمتنا ما تعانيه من تشرذم ومن تمزق، بدء بالسودان وما ينسج له من مكائد، ووصولا إلى العراق الذي يوشك أن يضيع وحدة شعبه، بعد أن فقد القائد. إن البوصلة العربية الإسلامية، تعيش حيرة البحث عن قبلة سياسية ترضيها ومحنة السير على الشوك في رحلة اليأس التي أدمت مآقيها. أفي عهد النور العقلي، والفهم النقلي، ينبثق من صفوفنا، من يحاول إعادتنا إلى جاهلية الفكر، ولائكية العصر، واتباعية القهر؟ و يا ليت من تسول له نفسه، حمل الأفكار المشبوهة، يشفع له جهل بعلم الأصول، أو أمية في علم المعقول والمنقول، لو كان ذلك كذلك، لهان علينا ما نلقى من كيد الرومان، والمغول، غير أن من يتصدون للفتوى المريبة، و الأحكام الغريبة، هم من أضلهم الله على علم، و حكموا على أنفسهم، أن يناصروا أهل البغي والظلم. إن معركتنا، اليوم، ليست مع من يتصدر للفتوى، في السياسة و الدين، بغير زاد، و من يحمل معول هدم البلاد والعباد، فهؤلاء شر ذمة يركبون حصان العمالة و العناد. إن معركتنا الحقيقية هي المعركة المصيرية ضد الذين يقومون بدور الملقن في المسرحية الذين يحسبهم الجمهور لا شيء و هم كل شيء، فهم الذين يمسكون شبكة الأضواء ويديرون عملية التخطيط و التنفيذ للإعتداء، يعدون لكل مشهد أزياء، و لكل ممثل رداء. إننا من عمق الظلام الذي يلفنا، ومن دهاليز الكهوف التي تضمنا، نهيب برجال الفكر في أمتنا، وقادة الفقه من صفوتنا، أن يرتفعوا – و لو لفترة ما – إلى مستوى الطموح الإسلامي المنشود، كي يستجيبوا لتطلعات أمتهم الجريحة، فيخلصوا لها النية في القول، والصدق في القريحة. وإلى الدكتور حسن الترابي ومن لف لفه ، نقول لهم إن تاريخ الأمة صحائف، وسينتهي عهد الرومان، والأمريكان، ويطفوا على السطح التدجيل والبهتان، ولن يبقى إلا حبر العلم والإيمان، الذين بهما يثقل التاريخ والميزان. فسامح الله، حسن الترابي، ورزقه التوبة والغفران، والعودة إلى الصحيح من الأقوال وما به يتم التعقيل والرجحان. [email protected]