يمثل اليسار أحد أجنحة الحياة السياسية في أي مجتمع بشري الآن ، وبغض النظر عن طبيعة النظام السياسي الذي يحكم ، في الشرق أو الغرب سواء ، وطالما وجدت مظالم اجتماعية وفوارق كبيرة بين الطبقات الاجتماعية سيوجد تيار إنساني يميل إلى "اليسار السياسي" ، والمجتمع الإسلامي ليس استثناءا من هذا الأمر ، وسواء كان الأمر يتعلق باليسار أو اليمين ، الليبرالية أو الاشتراكية ، فإن الإطار الإسلامي يحتوي هذه التعددية وتتسع لها عباءته ، طالما احترمت مرجعية الأمة والتزمت بدستورها الذي ارتضته ، ومشكلة اليسار المصري والعربي كله تمثلت في تورطه في صدام مع الدين أثناء موجة استعلاء الماركسية في الاتحاد السوفييتي والاختراقات اليهودية في حقبة التأسيس مما ورثه تطرفا فكريا وسياسيا واغترابا عن الوطن وثقافته ودينه وهموم أهله ، كما أن بعض من اعتلوا سدة الأحزاب اليسارية كانوا من المتورطين في الولاء للسوفيت وأجهزتهم الاستخبارية ، وقد نشرت الصحف وثائق بالأسماء أدانت شخصيات ما زال بعضها حاضرا في المشهد السياسي المصري والعربي ، كانوا باختصار : عملاء ، وفي مقابل هذه النماذج كانت هناك قيادات يسارية نبيلة ومستقلة وتفرض احترامها على الجميع ، من أمثال الأستاذ أحمد نبيل الهلالي رحمه الله ، الذي قضى شطرا كبيرا من عمره في ساحات المحاكم مدافعا عن المظلومين وخاصة من التيار الإسلامي ، متطوعا ، وكان محبوبا منهم بصورة لافتة ، وكذلك الدكتور فؤاد مرسي والمفكر المرموق الدكتور محمد السيد سعيد وغيرهم ، فاليسار كغيره من القوى السياسية ، فيه أطياف متباينة ، هناك اليسار الوطني وهناك يسار الخيانة والتطبيع ، وهناك يسار النضال من أجل المستضعفين والمظلومين وهناك يسار البيزنس الحرام مع منظمات غربية مشبوهة ، وهناك يسار الإيمان بأهمية التلاحم مع القوى الإسلامية المجاهدة من أجل الحرية والعدالة والقانون ، وهناك يسار التحالف مع الطائفيين لاستجلاب أموال مليونيرات أقباط المهجر ومليارديرات أقباط الداخل ، وهناك يسار الإلحاد ومخاصمة الدين وهناك يسار الإيمان والتصالح مع الدين ، ليسوا سواء ، ومن الواجب أن ندعم جناح اليسار الوطني ، لأنه هو الذي يدعم المصلحة الوطنية ومسارات الإصلاح في المجتمع ، دون أن يعني ذلك الاتفاق معه على أدبياته الفكرية أو غيرها ، وهذا الأمر لا يتعلق فقط بالموقف من اليسار المصري ، بل اليسار العالمي كله ، ونحن لا نستطيع أن نتجاهل حقيقة أن أكثر التيارات السياسية الأوربية تعاطفا مع قضايا الوجود الإسلامي والجاليات والمهاجرين هو اليسار الأوربي ، ولا يمكن أن نتجاهل أن أكثر التيارات السياسية الأوربية تعاطفا ودعما لقضايا العرب والمسلمين ضد الكيان الصهيوني هو اليسار الأوربي ، ولا نستطيع أن ننسى أن هذا "اليسار" هو الذي سير مظاهرات مليونية في عواصم أوربية كبرى نصرة لقضية شعبنا في فلسطين ، في الوقت الذي عجزت "عواصم المسلمين" عن أن تسير مظاهرة من ألف شخص فقط وليس مليونا ، بلادنا اليوم في حاجة إلى كل طاقة مخلصة ، أيا كان توجهها ، تجهد في سبيل غد أفضل ، ومجتمع أكثر عدلا وإنصافا وشفافية ، بلادنا في حاجة إلى جهاد كل أبنائها ، بكل انتماءاتهم من أجل انتزاع كرامة وطن وكرامة مواطنيه ممن استباحوا كل ذلك فيهم ، ولقد كان مما يؤثر عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قوله : لقد دعيت في الجاهلية إلى حلف لو دعيت إليه في الإسلام لأجبت ، وهو يعني حلف الفضول ، الذي كان يهدف إلى نصرة المظلوم سواء كان من أبناء مكة أو من جاورهم بغض النظر عن قبيلته أو انتمائه ، ونحن المسلمين وأبناء المشروع الإسلامي ، لو دعينا إلى حلف من أجل الفضيلة ومن أجل العدل والحرية والكرامة ونصرة المظلوم لأجبنا ، ومن أجل ذلك قلت وأكرر أن إضعاف أي من تيارات الجهاد الوطني في مصر هو إضعاف لمسيرة الوطن نفسه نحو حياة أفضل . [email protected]