إن مهمة الكشف عن أكاذيب وضلالات الإعلام المصري بعيد ثورة الخامس والعشرين من يناير هي مهمة مستحيلة بكل المقاييس , فقد تمتلئ صفحات الجرائد عن آخرها في رصدها بل وينتهي عمري كله قبل أن أنتهي من كشف حلقات ذلك المسلسل المستمر في الكذب ليلا ونهارا بلا توقف من أجل تضليل تضليل الرأي العام وتشويه تيارات الإسلام السياسي ورموزها وقادتها . في مقالي السابق أردت أن أوضح أن الأمر ليست كذبة سمجة تبرع بها مذيع هنا او مذيعة هناك , بل هو منهج للكذب الممنهج والمبرمج يهدف لخلق رأي عام مناهض لكل القوى الإسلامية التي أفرزتها ثورة الخامس والعشرين من يناير , ويقوم بتشويه كل منجزات الثورة من مؤسسات وأفعال على الأرض ويقضي على ذلك الاتجاه والتيار المسمى بتيار الإسلام السياسي والذي اثبتت الانتخابات شعبيته الكبيرة حيث استحوذ في جميع الانتخابات البرلمانية ( مجلسي شعب وشورى ) وحتى الاستفتاءات على نسبة تقارب من الثلثين , وهي نسبة ضخمة بلا شك ..ولتغيير تلك المعادلة كان لابد من استخدام سلاح الإعلام القوي والفعال في خلق حرب نفسية تستهدف تلك التيارات وأبرزها بالطبع ( جماعة الإخوان المسلمين ) ورموزها , من أجل تشويهها وهدم قواعدها الشعبية , وقد اعتمدت آلة الإعلام المصرية منهج ( جوبلز ) ( وزير الإعلام النازي ) واتبعت قواعده بكل دقة ....أولا : في خلق واقع وهمي وإقناع الرأي العام به , و ثانيا : حرب نفسية هدفها تشويه الخصوم وتحطيم صورتهم في المجتمع , وفي مقالي السابق ذكرت العديد من الأمثلة على إستهداف التيارات الإسلامية ورموزها في تلك الحرب النفسية , إما بالنقد الشديد أو بالإمعان في تشويههم ووصمهم بكل التهم المشينة فهم تجار دين وعملاء ومتأسلمين وانتهازيين وغيرها , واليوم سنتكلم عن النقطة الثانية التي ركزت عليها آلتنا الإعلامية المصرية ..وهي محاولة تضليل الرأي العام بخلق واقع مزيف من خلال التسميم الدائم للأجواء بمزيد من الأكاذيب والشائعات , و التي يتم الترويج لها في كافة وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية في ذات الوقت وبذات الكيفية , ليصنع منها الإعلام واقعا يقنع به القارئ والمشاهد والمستمع ..والذي يخيل إليه إستحالة إجتماع كل هؤلاء على كذبة واحدة , وهو يجهل بالطبع ذلك الإتفاق الضمني على أن يقوم أحد هؤلاء بصنع الكذبة والباقي يقوم بنشرها و الترويج لها , بل وينسجون منها واقعا مزورا يستمرون فيه أياما وأيام , و حين يأتي وقت اكتشاف الكذبة... لن تعرف مطلقا من هو الصانع الأول لها , كما أنهم سيكونون قد بدأوا في صنع واقع جديد لكذبة جديدة تتوه في دهاليزها أياما أخر , فمن منا لم يسمع بخطة الرئيس وجماعة الإخوان لبيع قناة السويس لدولة قطر , وتأجير الأهرامات وأبي الهول , و الإستغناء عن حلايب وشلاتين للسودان , وإعطاء سيناء لأهل غزة , وحصة البنزين التي سيتم اعتمادها للناس ولن تكفي لتوصيل أولادهم المدارس يومين فقط في الأسبوع , وحصة المواطن من الخبز يوميا والتي لن تتعدى الثلاثة أرغفة , والدستور الذي سيزوج الفتاة بنت التاسعة , وقانون المضاجعة للأموات , والدولة التي ستعلن إفلاسها في غضون أسابيع , و تعيين رئيس أركان جيش من الإخوان المسلمين من أجل أخونة الجيش والسيطرة عليه ( وقد رأينا بالطبع إنتمائه الشديد للإخوان !!! ) وكذلك الحديث عن أخونة وزارة الداخلية من أجل القضاء على المعارضة ( وهي أول وزارة أعلنت إنقلابها على الرئيس ) وغيرها الكثير والكثير من الإشاعات المصنوعة بدقة والتي تم الترويج لها بحرفية شديدة , وغاص المجتمع المصري كله في وحل تلك الإشاعات طوال عام كامل من رئاسة الدكتور ( محمد مرسي ) لمصر , و يذكرنا ذلك بأحد قوانين جوبلز في الحرب النفسية وهي : ( كلما كبرت الكذبة كلما سهل تصديقها ) وذلك لأنك تخلق واقعا يحيط بتلك الكذبة ..فيسهل على المتلقي تقبلها , ولم يسلم الرئيس ( محمد مرسي) بالطبع من ذلك التشويه الممنهج له ..حيث قام الإعلام بتركيز الضوء بشكل فج ومتحيز على أخطاء الرئيس ووضعها تحت مجهر قوة تكبيره آلاف المرات , فهو ينتقد قراراته وزياراته الخارجية ولقاءاته في الداخل واختياراته للمسئولين وكلماته وخطبه بل و حركاته وسكناته وإشاراته وتعبيرات وجهه , في الوقت الذي يتعمد فيه غض الطرف نهائيا عن أي ميزة أو فعل إيجابي يقوم به , و من أجل تشويه صورة الرئيس نجد الإعلام يتفنن في إلصاق كل الصور الكريهة به ..حتى ولو كانت الصورة وعكسها ..فهو الديكتاتور والضعيف , هو شديد الدهاء والمكر وهو الساذج أيضا , صورا متناقضة يستحيل أن تجتمع لإنسان واحد , قام برسمها الإعلام المصري لشخص الرئيس إمعانا في تشويهه , وطال التشويه والنقد كل دائرة الرئيس الخاصة كالزوجة والأولاد , حينما سخروا من حجاب زوجته , و نسجوا الكثير من الشائعات حول ابنائه وعلاقاتهم بالآخرين . وفي تقرير عن الممارسة الصحفية, الذي تعده لجنة الممارسة المهنية بالمجلس الأعلي للصحافة, والذي يدرس مدي التزام الصحافة المصرية بمعايير ميثاق الشرف الصحفية , فقد قام مجموعة من الباحثين في مجال الإعلام السياسي على رأسهم الدكتور (بسيوني حمادة ) أستاذ الإعلام السياسي والرأي العام بجامعة القاهرة , برصد الإصدارات الصحفية, في الفترة من20 يناير إلي12 من فبراير2013م والتي شملت18 صحيفة(8 خاصة و4 قومية و4 حزبية و2 عربية). و كشف التقرير الخطير عن أن تضليل الرأي العام والافتقار إلي الدقة احتل موقع القمة في سلم الانتهاكات الأخلاقية والمهنية بإجمالي468 انتهاكا, تمثل61.4% من إجمالي الانتهاكات ويقول معدو التقرير أنه وبدلا من أن تمارس الصحافة دورها في التنوير والترشيد والمساهمة في صنع قرار المواطن, مارست دورا مغايرا تماما قائم علي التضليل, سواء كان هذا التضليل عن قصد وسوء نية, أو نتيجة لغياب المهنية, وهو ما يجعل الرأي العام فريسة لغياب الفهم الصحيح لما يجري من أحداث!. ومن بين وسائل التضليل التي رصدها التقرير: استخدام عنوان مضلل لا ينطبق مع متن الخبر, ونشر أخبار أو إحصاءات أو مواد صحفية مجهلة المصدر وغير موثقة, والمبالغة والتهويل في تناول الأحداث والأرقام, والكذب ونشر شائعات لا أساس لها من الصحة, وإطلاق الاتهامات وإصدار الأحكام علي الغير بدون دليل, وتقديم وجهات النظر باعتبارها حقائق وغياب الفصل بين الرأي والخبر , ويقول التقرير إن جريدة ( الدستور) اليومية الخاصة, التي يصدرها ( رضا إدوارد) احتلت المرتبة الأولي بلا منازع, حيث مارست التضليل132 مرة بنسبة28%, من إجمالي مؤشرات التضليل التي مارستها الصحافة المصرية كافة, تليها صحيفة الوفد الحزبية, التي مارست التضليل40 مرة, ثم (روزاليوسف) اليومية القومية40 مرة أيضا, كما احتلت جريدة ( الفجر) الخاصة, التي يرأس تحريرها عادل حمودة, المرتبة الأولي في انتهاكها للمعايير الأخلاقية والمهنية في العدد الواحد!. التقرير أشار أيضا إلي أنه تم رصد124 انتهاكا لميثاق الشرف الصحفي ومعايير الأداء المهني والأخلاقي في مجال التشهير والسب والقذف, وهنا أيضا احتلت الدستور المرتبة الأولي بمعدل40 انتهاكا! ولكي اثبت لكم أن الأمر ليس مرتبطا بأخطاء الرئيس أو تصرفاته , بل هي حملة ممنهجة معدة سلفا لتشويه صورة الرئيس , عن قصد وسوء نية , سنقوم بإستعراض سريع لأبرز عناوين الصحف الخاصة والحزبية .. التي نشرت فقط خلال الأيام العشرة الأولى التى أعقبت أداء الرئيس لليمين القانونية , أي قبل ظهور أية مؤشرات على سوء أداء من الرئيس ..وقبل صدور أية أخطاء منه يمكن أن نثبتها عليه وننتقدها ... حيث سنطالع عناوين مثل : ( الرئيس الفضيحة الرئيس العاجز الفاشى فى قصر الرئاسة الرئيس الخادم رئيس فى خدمة الأمريكان وفى خدمة قطر وصنع (الرئيس) فى أمن الدولة عضو بالكونجرس يقول أمريكا اشترت مرسى ب50 مليون دولار محمد مرسى الأسطورة الكاذبة مرسى يدير مصر بلعبة الثلاث ورقات...إلخ ) وهذا بالطبع غيض من فيض . لست بصدد الدفاع عن الرئيس مرسي أو جماعة الإخوان المسلمين , أو إنكار أخطاء وقعت بالفعل منهم , ولكني أحاول أن أثبت بالدليل العملي على وقوع أكبر عملية تضليل وتزييف إعلامي في تاريخ مصر , وأقوى عملية تشويه ممنهجة حدثت لفصيل وجماعة ورئيس .