فى ندوة شارك فيها ممثلون لكافة الأحزاب الرئيسية – بما فيها الحزب الوطنى – حول "العنف فى الانتخابات" ظهر إدراك الجميع لعدة حقائق : أولا : خطورة الأوضاع الحالية وصعوبة استمرارها على ما هى عليه . ثانيا : تصاعد العنف فى الانتخابات مرة بعد أخرى . ثالثا : دور الدولة فى غض الطرف عن عنف أطراف موالية لها ثم تطور هذا الدور إلى ممارسة ألوان من العنف بحماية الجهاز الأمنى المسئول عن منع العنف . رابعا : أهمية إجراء انتخابات حرة وسليمة لمنع تصاعد العنف ومحاولة لتحجيمه . خامسا : الانتخابات الحرة جزء من منظومة سياسية متكاملة تبدأ بإطلاق الحريات العامة وتستمر مع إطلاق حرية تشكيل الأحزاب بمجرد الإخطار وتعيش فى ظل دولة القانون التى تحترم الدستور وتطبق أحكام القانون بعدالة مغمضة العينين وتنتهى بتداول سلمى على السلطة فى دولة مدنية تحقق المساواة بين المواطنين وتكافؤ الفرص فيما بينهم . سادسا : ليس بالانتخابات وحدها يحل أى بلد مشاكله المزمنة، بل يحتاج أى وطن إلى عملية إحياء شامل وإحداث يقظة روحية وفكرية وثقافية وتحقيق تنمية عادلة وشاملة، وأمامنا 3 تجارب واضحة خلال الشهور الماضية من حولنا تقول ذلك بأعلى صوت . فها هو السودان الشقيق تتم فيه انتخابات عامة رئاسية وبرلمانية وولائية، وإذ نحن بالسودان على أبواب انفصال الجنوب فى دولة مستقلة محبوسة وهى مطمع قوى للدول الكبر بسبب أنهار البترول التى تجرى تحت أرضها ولا زالت أزمة دارفور قائمة وجاءت مقاطعة الأحزاب الكبرى "حزب الأمة"، واعتراض من شارك منها على نتائج الانتخابات "الحزب الاتحادى" و "المؤتمر الشعبى" و "الحزب الشيوعى" والاتهامات بالتزوير وعدم الشفافية وعدم الالتزام بالمعايير الدولية تطارد الانتخابات، بينما يغض المجتمع الدولة الطرف عن انتخابات أخرى كان التزوير هو سمتها وخصيصتها الفاضحة وتمت تحت إشراف كامل من الأممالمتحدة فى أفغانستان، مما يدلل من جهة على ازدواجية المعايير المكشوفة من جانب المجتمع الدولى، ومن جهة أخرى على أن الانتخابات مهما حاول البعض الالتزام بما يسمى المعايير الدولية أو النزاهة ليست الحل السحرى لمشاكل أى بلد من البلاد، هناك ما هو أهم وأخطر وأبعد من مجرد الانتخابات إذا كان المطلوب هو الحفاظ على استقلال البلد ووحدته الوطنية ووحدة ترابه الوطنى وحرية إرادته وتماسكه الاجتماعى . الانتخابات والديمقراطية جزء من منظومة أشمل يجب الالتفات إليها فى إطار أوسع للحفاظ على البلد من التمزق الداخلى أو التدخل الخارجى . ومنذ شهور جرت الانتخابات العراقية تحت حراسة الحراب الأمريكية ووفق المعايير الدولية وفى منافسة شديدة، وها نحن فى انتظار ولادة حكومة عراقية جديدة منذ ذلك التاريخ ويرى المراقبون أن انتظارنا سيطول إلى شهور عديدة وأن المخرج من المأزق العراقى هو حدوث توافق إقليمى بين "السعودية ومصر" من ناحية و "إيران" من ناحية أخرى برعاية وموافقة أمريكية لولادة حكومة عراقية جديدة . المهم فى نظر البعض هو ولادة حكومة تمنع انزلاق العراق إلى حروب مذهبية وطائفية مدمرة، ونسى الجميع أن العراق بلد محتل يتهدده التقسيم إلى 3 دويلات، ولا يمنع من ذلك إلا اعتراض دولة إقليمية كبرى مثل تركيا فى الأساس وتمنع دول أخرى مثل سوريا والسعودية ومصر رغم أنها لا تملك التدخل الحاسم لمنع التقسيم مثل تركيا، ونسى الآخرون أن العراق أصبح جزءا من لعبة أخرى دولية مثل عض الأصابع بين إيران وبين أمريكا وأوربا وتتدخل فيها الصين وروسيا، لعبة دولية تهدد العالم بحرب عالمية قد تغلق مضيق هرمز وتمنع تدفق نفط الخليج وتدمر الآمال التى انتعشت بإخراج العالم من أزماته الاقتصادية . هناك فى العراق ما هو أخطر من مجرد الانتخابات ونتائجها وهو تحرير العراق، إرادته وأرضه وثرواته، ثم وحدة العراق وتماسك أهله وسكانه، ثم استقلال العراق عن التدخل الخارجى، من دول الجوار ومن الدول الكبرى . وهذا يحتاج إلى ما هو أبعد من مجرد انتخابات أدخلت العراقيين فى دوامة بعد دوامة . وها هى فلسطين التى لم يعترف العالم بانتخاباتها النزيهة (أكثر نزاهة من السودان والعراق باعتراف الجميع) وصلت إلى طريق مسدود وأصبحت السلطة الوطنية فى الضفة الغربية وكيلا معتمدا للاحتلال الصهيونى حتى نحن فى مصر والوطن العربى لم نعترف بنتائج تلك الانتخابات . أصبح واضحا من التجارب أن نزاهة الانتخابات يجب أن تظل مطلبا أساسيا للقوى الوطنية ولكن فى إطار أوسع وأشمل للإصلاح الشامل، ومع ذلك لابد من وجود توافق وطنى كبير وتماسك اجتماعى قوى يرسل رسالة واضحة للقوى الخارجية جميعا بأن تقبل نتائج الانتخابات التى قبلتها القوى السياسية والنخب الفكرية وعموم الشعب داخليا، فالقبول الشعبى مؤشر لضرورة القبول الدولى . هذا يقتضى جهدا وطنيا شاملا على كل الأصعدة . أهمية الانتخابات الحرة النزيهة – رغم عدم كفايتها لتحقيق الإحياء الشامل – أنها تحقق حراكا اجتماعيا وسياسيا ووطنيا شاملا حيث تقدم كل القوى السياسية برامجها ومرشحيها وتحرك قواعدها لتخاطب الشعب لتحظى بثقته وتأييده مما يعيد الاعتبار إلى المواطن العادى ويؤكد لديه حقيقة أن صوته هام وضرورى وأن مشاركته ستؤدى إلى تغيير ما ولو قليل، ومع تراكم عمليات الانتخابات على كل الأصعدة : طلابية وعمالية ومحلية ومهنية ونيابية ورئاسية فإن ذلك التدريب العملى يحقق خلال عقد أو عقدين ما لا يمكن أن تحققه وسائل أخرى، لذلك قلت فى الندوة أن أبشع صور العنف هو ما تمارسه الحكومة من إقصاء متعمد وإفساد تام للعملية الانتخابية وذلك عن طريق : • إقصاء القوى السياسية من حقها الطبيعى فى التنظيم وتكوين الأحزاب . إقصاء المرشحين المحتملين من الحق فى الترشيح . إقصاء المتنافسين عن الحق فى الدعاية الانتخابية والتواصل مع المواطنين . إقصاء المراقبين من الحق فى مراقبة الانتخابات . إقصاء مندوبى المرشحين من حضور عملية التصويت . إقصاء المواطنين من التصويت بكردونات البوليس ومتاهة جداول الناخبين وتغيير لجان التصويت باستمرار . الاعتماد على البلطجية وأرباب السوابق فى إرهاب الناخبين والمرشحين وحمايتهم بقوات البوليس . التزوير المتعمد بعد ذلك لأى نتائج لا تحظى بموافقة الحزب الحاكم عن طريق التلاعب بالأرقام بعيدا عن رقابة القضاء والاعتماد على موظفى الإدارة المحلية الذين يسهل إرهابهم أو إغراؤهم . كل ذلك يتم فى ظل : • استمرار حالة الطوارئ خلال الانتخابات . الرفض المستمر للإشراف القضائى التام على كل الانتخابات .