أعترف بأني فشلت فشلاً ذريعًا في أن أقنع غالبية أبناء التيار الإسلامي بوجهة نظري في الأحداث الجارية، وفشلت في أن آخذهم إلى ما أعتقد أنه طريق المستقبل الواعد والأفضل، وأن ينظروا للواقع بحسابات المصالح والمفاسد وليس بعواطف من يعيش في عالم افتراضي، ورغم أني كتبت مرارًا في وقائع سابقة أحذرهم ويشتمونني، خاصة الإخوان لعصبيتهم الشديدة، ورغم أن الأيام كانت تأتي بتصديق ما حذرتهم منه، لكنهم لا يتعلمون الكثير من دروس الواقع، كما لم نتعلم الكثير من دروس التاريخ ، وفي الأحداث الأخيرة سيطر الغضب على الجميع وهاجت المشاعر واضطربت الأفكار حتى لم يعد للعقل مكان ولا موضع، وإذا تمسكت بحديث العقل غالبًا ستصاب بالجنون في النهاية، وكنت قديمًا أقرأ في كتب التاريخ عن زمان الفتنة وأحداث الفتنة ورد فعل الرجال فيها وكيف تذهب بالعقول وتدع الحليم حيرانًا ويرى المرء حسنًا ما ليس بالحسن، ولكني اكتشفت أنك عندما تعيش الفتنة وزمانها واقعًا حيًا بكل تفاصيله وهوسه واضطرابه وتلف الأعصاب فيه يختلف كثيرًا عن أن تقرأ عنها في الكتب والتاريخ، ولذلك أرى أن الأكرم لهذا القلم أن يمسك على نفسه الحديث هذه الأيام، وأن يتواصل مع قرائه في مجال آخر غير مجال السياسة والهم العام، لأني من جانب وجدت أني لن أقنع أحدًا في هذه العاصفة الجياشة من المشاعر والهوس العاطفي المخيف والمنفلت، ومن جانب آخر أعتقد أنني أبرأت ذمتي أمام ربي وأمام بني وطني، عقل من عقل، وغفل من غفل، فإن كنت أصبت فأرجو أن أصيب الأجرين من رب العباد، وإن كنت أخطأت فأرجو أن أصيب الأجر الواحد وأستغفر الله عن أي زلل أو خطأ، فو الله ما قصدت بما كتبت إلا وجهه الكريم، ثم النصح لمن أحب وأوالي، ونحن مقبلون على شهر كريم، تهفو فيه النفوس إلى صفو القلوب وخلو الخاطر من شغب الدنيا وصخبها، ولعلي أتواصل مع القارئ الكريم بكتابات، بعضها قديم، في قضايا الفكر والأدب والمعرفة، مما يناسب أجواء الصيام، فقط أسجل قبل ذلك الكلمات التي كتبتها قبل أربعة أشهر في هذه الزاوية، تحت عنوان "ولكن لا تحبون الناصحين"، والتي يمكن للقارئ أن يصل إليها في محركات البحث كاملة، فقد كتبت فيها ما نصه الحرفي كالتالي: (إن العقول المغلقة لا تريد أن تسمع أو تقرأ سوى ما يريحها ويدغدغ مشاعرها حتى لو بالأكاذيب، ويكرهون أن تكون صريحًا معهم، وأن تكون أمينًا مع الخطر الذي تراه محدقًا، وأن تكون موجعًا وصارخًا لعلهم يفيقون من غفلتهم، فهذا كله يجعلك مع الأسف مصنفًا في ركن الأعداء والخونة والعملاء وجبهات الخراب والهلاك، وكان العربي القديم إذا أدرك الخطر محدقًا بقومه وهم غافلون يخلع ملابسه ويقدم عليهم عريانًا صارخًا منذرًا ملوحًا بها لكي يدركوا أن الأمر جد لا هزل فيه، رغم قبح المشهد والمنظر.. أتمنى أن يغتنمها الرئيس مرسي فرصة لكي يصحح مجمل المشهد المضطرب والفوضوي في البلاد، وأن يخرج قليلًا من أسر الجماعة ومستشاري السوء فيها، لكي يحتوي الجميع في مظلة رئاسة تسع المصريين جميعًا ولا تنحاز إلى فصيل بعينه، وأن يدير حوارًا وطنيًا حقيقيًا مع القوى الفاعلة، وأن يعمل بعقل مفتوح وقلب مفتوح وأذن صاغية مع شركاء الثورة من أجل عمل خريطة إنقاذ جادة نعبر بها هذه المرحلة الخطرة، ولو اعتصم بذكائه لفوضهم بالتوافق على تلك الخريطة وصدق عليها، وأن يعيد النظر جذريًا في أسطورة حكومة قنديل، خاصة أن الانتخابات من الواضح أنها ستتأجل، وبالتالي فالتعلل بالوقت الضيق لعدم تغيير الحكومة لم يعد مناسبًا ولا مقنعًا، فيا دكتور مرسي، أدرك نفسك، وأدرك بلادك، وجرب مرة واحدة أن تسمع جديًا لغير الجماعة، جرب مرة واحدة ألا تستجيب لمن يحرضونك على العناد والتجاهل وإعطاء ظهرك للواقع المر). هذا ما كتبته يوم الخميس السابع من مارس الماضي 2013، وقد حذفت من المقال التعليقات عليه، لأنها كانت شتائم من النوع الخادش للحياء. كل عام وأنتم بخير. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.