عندما كتبت مقال الأمس لم أكن منتبهًا إلى أن هناك حكمًا سيصدر مساء اليوم نفسه، ثم جاء حكم محكمة القضاء الإداري الصاعق لكي يؤكد بحمد الله كل ما كنت أحذر قومي منه، والغريب أن قيادات حزب الحرية والعدالة معظمهم سارع إلى إعلان احترامه للحكم وبعضهم ألمح إلى أنه كان "يميل" إلى إعادة القانون للمحكمة الدستورية، ولكن لا ندري من الذي منعه من "الميل" إلى هذا، وأعلنت رئاسة الجمهورية بعصبية شديدة في البداية أنها ستطعن على الحكم أمام الإدارية العليا، ثم أعلنت بعد ذلك كلامًا هادئًا وعاقلًا بأنها تحترم أحكام القضاء وتلتزم بها، واضطرب الجميع واختفى الجهابذة الذين ضللوا رئيس الجمهورية وقالوا له إن الموضوع انتهى ولا ولاية للقضاء على القانون بعد أن أصدرت قرارك، وخليهم يتسلوا، وتحدث المستشار القانوني لرئيس الجمهورية فؤاد جاد الله متبرئًا من تمرير القانون أو إصدار القرار الجمهوري، وقال إنه لم يكن موافقًا على ذلك ولكن مجلس الشورى هو الذي ورط الرئيس على حد قوله العلني وهذا يعني أن مستشار الرئيس يتهم جماعته بأنها التي ورطت الرئيس، وهي لم تكن أول توريطة على كل حال، ولكنه لا يتعظ ولا يتعلم من الكوارث، غير أن مستشار الرئيس أراد أن يبرئ الرئيس من المسؤولية فقال إن الرئيس كان راغبًا في أن يحيل مجلس الشورى القانون بعد ذلك إلى الدستورية لكن المجلس أصر على موقفه ورفض إعادة القانون للدستورية قائلين إنهم استوفوا كل شيء، ونسي مستشار الرئيس القانوني أن كلامه هذا يسخر من عقولنا ومن الدستور نفسه، الذي منح المجلس والرئيس كلاهما الحق في إرسال القوانين إلى المحكمة الدستورية، فإذا كان مجلس الشورى رفض، فما الذي منع الرئيس من استخدام صلاحياته الدستورية بإرسال القانون، تخبط وعبث ومحاولات متكررة لاستغفال الناس للهروب من الفضائح المتكررة التي سببها الأساس هو العجرفة والكبر والاندفاع في استباحة أي شيء يتصورون أنه يعوق أهواءهم السياسية للهيمنة والعجلة المخيفة لجني الثمار والسيطرة على الدولة ووجود مستشارين سريين لا يعرفهم أحد هم الذين يطبخون للدولة قوانينها وإجراءاتها حيث يتبرأ كل المستشارين المعروفين أو الرسميين من معرفتهم بما جرى وما تم في الظلام. على كل حال، أعتبر أن هذا الذي حدث لطف من الله بالرئيس مرسي وبالجماعة وبالوطن كله، لأن تكلفة هذا الأمر ما زالت محدودة جدًا، وكانت ستكون كارثة لو أن هذا الحكم صدر بعد معركة الانتخابات وتشكيل البرلمان، للاعتبارات التي سبق وأن شرحتها في مقالات عدة سابقة، لم أحظ فيها سوى بالشتائم، لأن العقول المغلقة لا تريد أن تسمع أو تقرأ سوى ما يريحها ويدغدغ مشاعرها حتى لو بالأكاذيب، ويكرهون أن تكون صريحًا معهم، وأن تكون أمينًا مع الخطر الذي تراه محدقًا، وأن تكون موجعًا وصارخًا لعلهم يفيقون من غفلتهم، فهذا كله يجعلك مع الأسف مصنفًا في ركن الأعداء والخونة والعملاء وجبهات الخراب والهلاك، وكان العربي القديم إذا أدرك الخطر محدقًا بقومه وهم غافلون يخلع ملابسه ويقدم عليهم عريانًا صارخًا منذرًا ملوحًا بها لكي يدركوا أن الأمر جد لا هزل فيه، رغم قبح المشهد والمنظر،.. أتمنى أن يغتنمها الرئيس مرسي فرصة لكي يصحح مجمل المشهد المضطرب والفوضوي في البلاد، وأن يخرج قليلًا من أسر الجماعة ومستشاري السوء فيها، لكي يحتوي الجميع في مظلة رئاسة تسع المصريين جميعًا ولا تنحاز إلى فصيل بعينه، وأن يدير حوارًا وطنيًا حقيقيًا مع القوى الفاعلة، وأن يعمل بعقل مفتوح وقلب مفتوح وأذن صاغية مع شركاء الثورة من أجل عمل خريطة إنقاذ جادة نعبر بها هذه المرحلة الخطرة، ولو اعتصم بذكائه لفوضهم بالتوافق على تلك الخريطة وصدق عليها، وأن يعيد النظر جذريًا في أسطورة حكومة قنديل خاصة وأن الانتخابات من الواضح أنها ستتأجل وبالتالي فالتعلل بالوقت الضيق لعدم تغيير الحكومة لم يعد مناسبًا ولا مقنعًا، فيا دكتور مرسي، أدرك نفسك، وأدرك بلادك، وجرب مرة واحدة أن تسمع جديًا لغير الجماعة، جرب مرة واحدة أن لا تستجيب لمن يحرضونك على العناد والتجاهل وإعطاء ظهرك للواقع المر. [email protected]