عندما تعرضت فى مقال الاسبوع الماضى لواقعة تعطيل المصانع الخدمية التابعة لوزارة الصحة ذات الميزانية المتواضعة فى حدود ال 2.5 مليون جنيه ، والتى تنتج الأدوية البسيطة التى يتم صرفها بالمجان لفقراء هذا البلد الذين دفعوا من قوتهم حوالى المليونى جنيه فاتورة علاج السيدة الفاضلة حرم وزير الصحة ، والمليون جنيه فاتورة علاج العيون "الجريئة" لوزير المالية ! شفاهما الله ، كنت أتوقع أن يبادر الوزير أو الدكتور عبد الرحمن شاهين المتحدث الرسمى باسم الوزارة بنفسه أو بمن يكلفه لتبرير أو حتى تكذيب الواقعة ، وأن يعلن حرص وزيره ووزارته على توفير الدواء للمواطن البسيط الذى لم يعد يدرى أيأكل أم يُعَلِّم أم يعالج ! ولكونه أحد الأسباب الرئيسية لوجود وزارته أصلا ! الا أن الأيام مرَّت ولم تُشَنف أذاننا بسماع صوت المتحدث الرسمى ولا صوت وزيره ولا صوت أى مسئول سبق ووجهنا له الخطاب فى المقال الأخير ! وكأننا نزعق فى "مالطة" ! وكأننا نحرث فى البحر ! الأمر غير المستغرب من حكومة رفعت شعار ديمقراطية الصراخ وحرية تنفيس بخار الغليان بالكلام ! كل ما وصل الى علمنا أن الوزارة ، بارك الله فيها ، اكتشفت فجأة أن مصانعها ، ذات العمر الطويل ، لم تحصل على ترخيص للانتاج من نفس الوزارة !!! رغم أنها مصانع الوزارة التى هى الجهة الوحيدة صاحبة الحق فى منح مثل ذلك الترخيص !!! ، واؤكد أن مبرر التعطيل لم يكن لتوفير اشتراطات الدفاع المدنى أو الأمن الصناعى على فرض عدم وجودها ، ولكنه كان لعدم وجود ترخيص بالانتاج من الوزارة صاحبة المصانع !!! بمعنى أن الترخيص المطلوب يجب أن يصدر لصالح اسم الوزارة أو اسم الحكومة كصاحب عمل أو مستفيد من النشاط ! الأمر الذى يستحيل تحقيقه عمليا نظرا لأن أحد شروط أى ترخيص أن يتقدم المستفيد بأوراق ومستندات كثيرة منها استخراج صحيفة للحالة الجنائية يشترط القانون أن تكون بيضاء من غير سوء ، الأمر الذى ستعجز الحكومة عن تدبيره بكل تأكيد ، خاصة وأنه لا يمكن التوسط لدى وزارة الداخلية لاستخراج صحيفة حالة جنائية مخالفة للحقيقة ! لذلك فقرار الاغلاق كان هو الحل الأمثل ! خوفا من حدوث زيارة تفتيشية من الوزير يطلب فيها فحص المستندات التى تثبت حق الوزارة فى انتاج ادوية داخل مصانعها !!! هذا المبرر القوى يقودنا الى البحث وراء بقية منشآت وزارة الصحة وما اذا كانت قد حصلت على التراخيص المطلوبة من الجهات المعنية بما فى ذلك ديوان الوزارة نفسه الذى يجب أن يكون قد حصل على ترخيص بناء من مجلس الحى التابع له والا فهى الازالة بالبلدوزر كما حدث مع المستشفى الخيرى فى مدينة نصر ، ونفس الحال بالنسبة لبقية منشآت الحكومة على طول بر المحروسة بداية من الطرق والكبارى ونهاية بالقصور الادارية والمكاتب الفخيمة التابعة لوزارة المالية وغير ذلك مما تنفق الحكومة الملايين على تكييفها وتجديد ديكوراتها وتغيير صالونات الاستقبال فى غرفها حتى يتمكن المسئول من لمس معاناة الجماهير واستشعارها بنفسه على الطبيعة دون أن ينقلها اليه وسيط قد يكون مغرضا ! الملفت للنظر ما طالعتنا به صحيفة "المصرى اليوم" 15/4/2010 بعد 24 ساعة من انفرادنا بتفجير قنبلة اغلاق المصانع ، بأنباء أنقلها بالنص ، عن ( لقاء جمع وزير الصحة مع عدد من ممثلى شركات الدواء الأجنبية العاملة فى مصر، وأعضاء رابطة "فارما"، التى تضم عضوية جميع شركات الدواء العالمية ، تحت مبرر "احتواء غضب" شركات الدواء الأجنبية، بسبب القرار الذى أصدره الوزير مؤخراً، بتخفيض أسعار 48 صنفاً دوائياً لشركات محلية وأجنبية وبنسب تتراوح ما بين 10٪ و60٪ بدءاً من يوليو المقبل، مشيرة إلى أن بعض الشركات الأجنبية "التى تضررت من تخفيض أدويتها"، هددت بشن حملة ضد قرار "الجبلى"، الذى وصفته ب "المنفرد"، والطعن عليه أمام القضاء فى حالة عدم التوصل لحل للأزمة مع الوزارة. فى المقابل، أكدت مصادر رسمية أن تراجع الوزير عن قراره "أمر مرفوض"، خصوصاً أن قرار التخفيض سيخفف عن كاهل المرضى، لأنه يتعلق بأمراض حيوية، موضحة أن الاجتماع قد يتطرق إلى حلٍ لتلك الأزمة دون التعرض لإلغاء القرار، بالنظر إلى أنه لم يدخل بعد حيز التنفيذ ) . الى هنا انتهى النقل ، ليبقى لنا التساؤل عن حقنا فى معرفة طبيعة ذلك الحل الذى تم التوصل اليه للخروج من الأزمة ، وما اذا كان يضم تبشير شركات الدواء وترضيتهم بقرار اغلاق مصانع الوزارة الخدمية والقضاء على أدويتها المجانية المخصصة لعلاج الروماتيزم وقرحة المعدة والأمراض الجلدية وغيرها مما اشتمل عليه قرار الوزير بالتخفيض ، على أساس الغاء البديل المجانى لاتاحة الفرصة لاستعواض الأرباح بزيادة توزيع كميات أكبر من أدوية تلك الشركات بالسعر المخفض الجديد ، خاصة وأن أغلب الأدوية التى شملها قرار التخفيض يتم توريدها لمستشفيات الوزارة عن طريق المناقصات بأسعار تقل كثيرا عن أسعار بيع مثيلتها فى الصيدليات ! أظن أنها تساؤلات مشروعة نطلقها لمعرفة ماذا يُدبر لنا من وراء الستار ، فما من قرار الا وله مبرراته التى يجب أن تعلن على الرأى العام وأصحاب هذا البلد الحقيقيين الذين يعمل وزير الصحة وكل رجاله ورجال حكومته لديهم ، فالصمت فى مثل هذه الأمور اختيار خاطىء يفتح الباب أمام الاشاعات والتبرير حسب الهوى والهوية أيضا ! وما زلنا فى انتظار التواضع والتعطف والتكرم بالرد والتعقيب بل ونتمنى التكذيب ! ، مرة اخرى على فرض أن هناك من يملك الشجاعة لذلك !!! ضمير مستتر يقول تعالى: { وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيّاً وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيراً } النساء45 [email protected]