يعترفُ المصريون اليوم بأنّ تحولًا كبيرًا وهائلًا حدث في شخصية المصري المعاصر، عن ذاك المصري الذي كان يعيش في بدايات القرن الماضي، وحتى في نهايته. والغريب في الأمر أن هذا التحول كان من الضخامة، والخطورة أنْ لاحظه كلُّ الناس على اختلاف بيئاتهم وثقافاتهم وأفكارهم وحتى مستوياتهم الاقتصادية، وأصاب (أخلاق المصريين). هذا التحوُّل لم يحدث فجأة إلا أنه كان ملحوظًا، وبخاصة في الأعوام الخمسين الأخيرة. والأغرب من ذلك كلّه أن أهل الاختصاص -وأعني بهم علماءَ الاجتماع- هم آخر من أحسّ هذا التحول. ولا شك أننا جميعًا نعزِّي أنفسنا لضياع الأخلاق، والصفات الحميدة التي كان يتصف بها الإنسان المصري على مدى التاريخ.. منذ التاريخ الفرعوني ومرورًا بجميع المراحل التاريخية حتى العصر الحديث.. لم تكن أخلاق المصريين قد بلغت حدًّا من السوء الذي أحسَّ به القاصي والداني. أبادر فأقول: إني لست واحدًا من أفراد قبيلة علماء الاجتماع والأنثروبولجي، ولا أيّ قبيلة أخرى سوى أنني واحد من أبناء هذا المجتمع المصري المكتوب على جبينه أن يحيا فترة من الزمن كي يرصد هذا التحوُّل، ويشير إلى خطورة ما يحدث في حياة المصريين المعاصرة. لعلِّي هنا أشير إلى سببٍ جوهري أُتبِعه بآخر ثانوي، أشعر أنهما السبب فيما حدث للمصريين الذين كانوا يتصفون بالتسامح، والطيبة، والتواضع، والنخوة، والشهامة، وحب الآخر، وغير ذلك من الصفات الإنسانية التي ضاعفها إسلامهم، ودعوةُ دينهم الكريمة إلى التمسُّك بالخُلُق القويم والصفات الحميدة. البعض هنا يشير بأصابع الاتهام إلى جهات عديدة ربما تكون أو كانت السبب في هذا التحول الكبير في شخصية المصري.. لدرجة أن وصف البعض المصريين بأنهم جدد.. فيذهب الاتهام إلى عصر مبارك.. ويذهب اتهام آخر إلى العلمانيين الجدد، وإلى الليبراليين الجدد، وإلى الملحدين الجدد.. واتهام آخر يطال المستغربين من المصريين وغيرهم.. وتذهب جل هذه الاتهامات إلى أن هذا التحول لم يكن سوى إفساد في الأرض. والدليل هو هذا التحول الذي حدث في حياة المصريين المعاصرين.. (حتى حياة البسطاء أُفسدتْ بأفكار وعقائد أُشبِّهها بالغزو الثقافي والفكري، التي راحت تعيد صياغة حياة المسلم وفق تصورات علمانية وليبرالية ومقتضيات الحداثة والإنسانية، وهلم جرًّا من الأفكار والعقائد التي نغّصت على البسطاء هذه الحياة الإيمانية، ولعبت بعقول الشباب، وهيأت لهم المناخ كي يكونوا وقودًا في محرقة هذه الأفكار والعقائد.. وهي التي أفرزت ما أطلق عليه الإنسان.. حقوق الإنسان.. والمزايدة على ما احتوت عليه الكتب السماوية، وعلى وجه الخصوص كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.( وأصبحت ظاهرة منظمات المجتمع المدني، ودكاكين حقوق الإنسان، مفرخة للمتمردين، وحائط مبكى للخارجين على العقيدة، وجسرًا يعبر عليه الكارهون لدينهم، والباحثون عن الشهرة، والتكسب من وراء ما يروِّجون له في الدنيا.. فانتشرت الجريمة، وانتشرت السرقة والاغتصاب للمال والأعراض، واغتيال النفس البشرية، واستبدل المصري خلقه الحميد بخلقٍ آخر وسلوك غريب، وتفنّن في الانتقام، وفي الثأر، وفي الانتقاص من قيمة الآخر، وتحولت الحياة في المجتمع المصري الآمن من واحة إلى جحيم، ومن دار سلام إلى دار كراهية، وأصبح الإنسان المصري في خوفٍ دائم على نفسه وماله وعرضه وعلى دينه. أشعر بأن غيمة شديدة القتامة تمر بحياة المصريين اليوم، ولا أجد لها في المستقبل القريب نهاية.. وحياتنا يحكمها قانون إلهي، ينير لنا الطريق كي نحيا حياة يرضاها لنا الله.. {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]. ولذا فإنني أدعو المصريين إلى أن يغيروا ما بأنفسهم أولًا؛ حتى يغير الله ما بهم من أحوال، وأن يُبدِلهم خيرًا مما هم فيه.. وإلاّ فسوف تزيد الشكوى من نقص في المال والأنفس، ونقص في الأمن والسلام، ونقص في راحة البال. فهل من مبادرٍ يقود حركة التغيير، والتوجُّه إلى الله؟! ها أنا ذا ألقي بحجر في بحيرة هذا المجتمع؛ علّني أجد من يتبعني!! هذا المقال وجدته في سلة مقالاتي التي لم تنشر وقد انتهيت منه في الثالث عشر من الشهر التاسع من العام التاسع بعد الألفين. ترى هل تغير شيء من هذا الواقع الذي حكيت عنه منذ أربعة أعوام..؟ الإجابة هي أن المشهد صار أكثر قتامة، وأكثر ضبابية، وأكثر بشاعة عن ذي قبل.. وأنهي مقالتي هذه بسؤال.. هل من مخرج؟ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.