إقبال جماهيري كبير على عرض فيلم "السادة الأفاضل" في مهرجان الجونة    كم سجل عيار 21 الآن بعد آخر تراجع فى سعر الذهب اليوم الأربعاء 22-10-2025؟    سعر الدولار والريال السعودي أمام الجنيه قبل بداية تعاملات الأربعاء 22 أكتوبر 2025    فيديو.. وزير الزراعة: صادراتنا سجلت رقما قياسيا جديدا    محمد عامر: الجونة تضم 18 فندقًا و670 محلًا تجاريًا بينها 110 مطاعم    محافظ الغربية: رفع درجة الاستعداد القصوى لانتخابات مجلس النواب 2025    اسعار الحديد فى أسيوط الاربعاء 22102025    أسعار اللحوم فى أسيوط الاربعاء 22102025    سفيرة قبرص بالقاهرة: مصر خيارنا الأول.. ولو كان بوسعنا اختيار جيراننا لاخترناها    إلغاء مباراة برشلونة وفياريال فى ميامى.. والبارسا يصدر بيانًا رسميًا    وزير الخارجية الأمريكي يبلغ رئيس وزراء العراق ضرورة نزع سلاح الفصائل الموالية لإيران    إخلاء مقر حاكم ولاية وايومنغ الأمريكية بعد العثور على عبوة ناسفة    هولندا تؤيد البيان الأوروبي الداعي لوقف إطلاق النار في أوكرانيا    القيادة المركزية الأميركية تفتتح مركز تنسيق مدني عسكري لدعم غزة    مجلس الشيوخ الأمريكي ينتظر قرار البيت الأبيض لتمرير قانون العقوبات ضد روسيا    «تجاوز لخط أحمر إسرائيلي».. نتنياهو يرفض الوجود التركي في غزة (تفاصيل)    ترامب عن تأجيل لقائه مع بوتين: لا أريد "اجتماعًا فارغًا"    باريس سان جيرمان يكتسح ليفركوزن بسباعية في دوري الأبطال    «تقريره للاتحاد يدينه.. واختياراته مجاملات».. ميدو يفتح النار على أسامة نبيه    الشباب والرياضة تنهى إجراءات تسليم وتسلم إدارة نادى الإسماعيلى للجنة المؤقتة    هشام حنفي: الأهلي أقوى من بيراميدز.. وخسارة الأحمر كانت «ظروف مباراة»    موعد مباريات اليوم الأربعاء 22 أكتوبر 2025.. إنفوجراف    المدير التنفيذي للزمالك يكشف كواليس فشل الجمعية العمومية وأسرار الأزمة المالية    أرتيتا: مواجهة أتلتيكو مدريد كانت صعبة.. وجيوكيريس استحق التسجيل    ريكو لويس: سيطرنا على مباراة فياريال.. وجوارديولا يعلم مركزي المفضل    ارتفع عدد مصابي حادث طريق أبوسمبل السياحي ل13 شخصاً.. صور    اعترافات المتهم بمحاولة سرقة مكتب بريد العوايد في الإسكندرية: من قنا وجاء لزيارة شقيقته    «حافظوا على سلامتكم».. تحذير من حالة الطقس اليوم: ظاهرة جوية «خطيرة»    التضامن تكشف موعد إعلان أسعار حج الجمعيات.. وتؤكد: لن تزيد عن العام الماضي    وفاة شاب ابتلع لسانه أثناء مباراة كرة قدم في الدقهلية    الحماية المدنية تسيطر على حريق تدوير مخلفات شرق الإسكندرية    تشييع جثمان شاب بأسيوط ضحية انهيار بئر في محافظة المنيا    قرار جديد بشأن استئناف عامل المنيب على حكم سجنه بالمؤبد    د. محمد العربي يكتب: دور الأزهر في التصدي للفكر الإرهابي    رومانسي وحساس.. 4 أبراج بتحب بكل جوارحها    تكريم ياسر جلال في مهرجان وهران بالجزائر    جيهان الشماشرجي: هدفي مش أسيب بصمة.. المهم أكون مبسوطة وأنا بمثل    فعاليات للتوعية ضد الإدمان وزواج القاصرات بعدد من المواقع الثقافية بالغربية    جامعة طنطا تحتفي بإنجاز دولي للدكتورة فتحية الفرارجي بنشر كتابها في المكتبة القومية بفرنسا    «نحن فى ساحة الحسين نزلنا».. المصريون يحييون ذكرى استقرار رأس الحسين.. وانتشار حلقات الذكر والابتهالات.. وخدمات الطرق الصوفية تقدم الطعام والشربات للزوار.. وطوارئ بمستشفى الحسين الجامعى لخدمة المحتفلين.. صور    انطلاق مهرجان القاهرة الدولى لموسيقى الجاز 30 أكتوبر بمشاركة 12 دولة    مواقيت الصلاة فى أسيوط الاربعاء 22102025    إمام مسجد الحسين: المصريون يجددون العهد مع سيدنا النبي وآل البيت    مجلس كلية طب طنطا يناقش مخطط تدشين مبنى الكلية الجديد    استشاري مناعة: الخريف أخطر فصول العام من حيث العدوى الفيروسية.. واللقاحات خط الدفاع الأول    خطر يتكرر يوميًا.. 7 أطعمة شائعة تتلف الكبد    تخلصك من الروائح الكريهة وتقلل استهلاك الكهرباء.. خطوات تنظيف غسالة الأطباق    أبرزها الموز والزبادي.. أطعمة تجنب تناولها على الريق    الصليب الأحمر في طريقه لتسلم جثماني محتجزين اثنين جنوب غزة    أحمد موسى عن استقبال الجاليات المصرية للرئيس السيسي فى بروكسل: مشهد مهيب غير مسبوق    المصري الديمقراطي يدفع ب30 مرشحًا فرديًا ويشارك في «القائمة الوطنية»    وزير الخارجية: نشأت فى أسرة شديدة البساطة.. وأسيوط زرعت الوطنية فى داخلى    هل يجوز تهذيب الحواجب للمرأة إذا سبّب شكلها حرجًا نفسيًا؟.. أمين الفتوى يجيب    رمضان عبد المعز: "ازرع جميلًا ولو في غير موضعه".. فالله لا يضيع إحسان المحسنين    شاريسا سولي تشارك في لجنة القضايا العامة بمجلس الكنائس المصلحة العالمي    رئيس جامعة الأزهر يفتتح معرض الكتاب خدمة للطلاب والباحثين بتخفيضات كبيرة    رئيس الوزراء يتابع عددا من ملفات عمل وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 21-10-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.عبد الحميد مدكور..فيلسوف الفصحي في حوار صريح :
أصبحنا ¢مضحكة ¢ للأقزام.. صورتنا عبء علي الإسلام
نشر في عقيدتي يوم 23 - 04 - 2013

الدكتور عبد الحميد مدكور استاذ الفلسفة الاسلامية بكلية دار العلوم وعضو مجمع اللغة العربية من الشخصيات المهمومة بأمراض الباحثين عن علاجها حتي تعود اليها عافيتها من جديد وتكون ¢ مفخرة ¢ لأبنائها وليست ¢ مضحكة ¢ للأمم .. بعقلية الفيلسوف التي تتصف بالحكمة والواقعية كان لنا معه هذا الحوار حول آهات الحاضر وتطلعات المستقبل فيما يتصل باللغة والنهضة وأدواتها وكيفية واستنهاض الاسد الجريح الذي تتلاعب علي ظهره الذئاب يفكرون كيف ينهشونه ويمنعونه من استعادته لقوته لأنهم يدركون ان صحوة المارد ستعيد جميع الفئران الي جحورها.پ
** أنتم من أعلام دار العلوم معقل العلوم الشرعية والعربية وعضو مجمع اللغة العربية فكيف تري واقع لغة القرآن وموقعها من هوية أهلها؟
لاشك أن الارتباط بين اللغة وهوية أصحابها ارتباط وثيق لأن اللغة وعاء الفكر ومستودع التراث وصلة الحاضر بالماضي وأداة التعبير عن الآمال والطموحات وبدون اللغة لا يمكن التوصل إلي تحقيق المعني الكامل للإنسان بصفة عامة. والإنسان ابن حضارته أي ابن لغته المعبرة عن هذه الحضارة فإذا كانت اللغة عريقة قديمة جديدة كاللغة العربية التي هي أقدم اللغات الحية المستعملة دون انقطاع فإنها تزداد قدراً لأنها تطبع في ذهن أصحابها الأخيلة والتصورات والمفاهيم المتوارثة عبر القرون فتؤثر في عقول أصحابها ووجدانهم تأثيراً جوهرياً.وإذا انضم إلي ذلك أن هذه اللغة هي اللغة التي اختارها الله لكي ينزل بها القرآن فإن ذلك يزيدها تأثيراً في الأنفس والعقول. ولقد رأيت في بعض بلاد العالم من يصف هذه اللغة بأنها ¢اللغة الشريفة¢.
ومن الكوارث التي نعيش فيها أن اللغة العربية يتم إهمالها وتهميشها في مناهج التعلم أو الفصل بينها وبين لغة الحياة ولغة العلم ولغة الفنون وسائر جوانب الحياة وللاسف فإن الذين يريدون الفصل بين الناس ولغتهم يعتدون علي جانب مهم جداً من جوانب شخصيتهم وفكرهم ليجعلوا منها مَسخاً من الآخرين الذين ينتسبون إلي لغات وحضارات أخري.
الدول المحترمة
** كيف تحترم الدول الكبري لغتها ؟
يجب أن نتذكر ان لغة العلم في الماضي كانت العربية وكأن الاوربيين يتعلمونها لتحصيل العلوم وفي عصرنا علينا أن نتذكر ما لجأت إليه فرنسا تريد الحفاظ علي لغتها وأدبها وفنها وفكرها فلا يُسمَح خاصة في الأمور الرسمية والمعبرة عن واجهة الحياة الفرنسية والمجتمع الفرنسي باستعمال لغة أخري غير الفرنسية ومن يخالف ذلك يدفع غرامة ضخمة عقوبة له علي ترك التعبير بلغته القومية. اما نحن فإننا نتعامل مع الفصحي علي أنها لغة أجنبية فلا نكاد نستمع إليها إلا في مناسبات محدودة حيث تطغي العامية واللغات الاجنبية علي قاعات الدرس في المدارس والجامعات والمؤسسات العلمية عامة حتي وصل الامر الي افتخار كثيرين باستخدامهم لغات أخري قد لا يجيدونها في واقع الأمر إجادة تامة وهذا الفصل بين اللغة والعلم يؤدي لإضعاف اللغة نفسها بعزلها عن هذا المجال الحيوي المتطور الذي يمكن أن يمد اللغة بالقوة والنماء والحيوية وللأسف ليس لمجمع اللغة العربية مشاركة حقيقية في وضع مناهج اللغة العربية في مراحل التعليم المختلفة وليس له مشاركة في كتابة الكتب التي تُؤدَّي بها هذه المناهج.
كلام علي الورق
** جميع الدول العربية سجلت في دساتيرها أن لغة البلاد الرسمية هي اللغة العربية فكيف يمكن توظيف هذه المواد الدستورية لتعزيز مكانة اللغة ؟
من عيوبنا القاتلة أنه توجد لدينا نصوص دستورية وقانونية جيدة لكن لا يتم تنفيذها من الناحية العملية وعلي سبيل المثال يوجد في مصر قانون منذ أكثر من أربعين عاماً يمنع كتابة اللافتات علي المحالّ والمؤسسات باللغة الأجنبية وحدها ويلزم أصحاب هذه المحال بضرورة الإعلان عنها باللغة العربية ومع ذلك لا يتم من الناحية العملية تطبيق هذا القانون. ويحتاج الأمر إلي مزيد من الإصرار والصبر والدعوة المستمرة إلي تطبيق مثل هذه القوانين وهذا ما تلجأ إليه بعض الجمعيات العاملة في حقل الدعوة إلي العناية باللغة العربية فهي تصدر التوصيات وترفع الالتماسات إلي المسئولين أن يعملوا علي تطبيق هذه القوانين ولكن ليس لمثل هذه الجمعيات سلطة لوضع القوانين موضع التطبيق.
تخريب اللغة
** الدعوات لتخريب اللغة العربية لم تتوقف منذ أيام الاستعمار حتي الآن حيث يتم الترويج للغات الاجنبية واللهجات المجلية ووصل الامر الي وصل قواميس لها فما خطورة هذه الدعوات الفكرية الهدامة ؟
لا يُخفي الأمريكيون رغبتهم في تغيير الخريطة السياسية والثقافية پللعالم العربي ورسم خريطة جديدة له ولا يخفون وقد أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن ورقة لتغيير بعض المفاهيم والمناهج التعليمية. وهم يذكرون هذا صراحة ويسعون إلي تحقيقه بكل الوسائل المتاحة لهم وهي كثيرة. ويمكن أن يتحقق ذلك عن طريق التغيير في المناهج التعليمية بإضافة موضوعات إليها وحذف موضوعات منها وتغيير نمط دراسة موضوعات أخري بحيث يثمر ذلك علي المدي الطويل تغييراً في المفاهيم والأفكار والمواقف والتوجهات وربما أصبح المجال مهيَّأً لتجديد دعوات قديمة ظهرت في عصور الاستعمار القديم لإحياء اللغة العامية أو الكتابة بالحروف اللاتينية وربما أدي ذلك إلي تقليل الاعتماد علي العربية في المناهج الدراسية إلي غير ذلك من الوسائل التي تحاصر اللغة وتؤدي إلي إضعاف تأثيرها في الوعي والفكر لدي الذين يتحدثون بها.وربما تُعامَل اللغة العربية علي أساس أنها مصدر من مصادر القوة لهذه الأمة ومن ثم ينبغي مواجهتها بما يؤدي إلي إضعافها وتقليل آثارها في وحدة الفكر والشعور بين أهلها كما تُعامَل الجيوش أو الموارد الاقتصادية لأنه إذا تم القضاء علي اللغة العربية فلن يكون لأهلها الناطقين بها رابطة تجمعهم بعدها.
** قال الامام مالك بن أنس ¢ من تكلم في مسجدنا هذا بغير العربية أخرجناه منه ¢.. كيف يمكن اعادة اللغة وتعلمها بين الناس؟
ينبغي أن يكون واضحاً عندنا نحن المسلمين أن العربية هي لغة القرآن الكريم وأن تعلمها يرتقي إلي درجة الفريضة التي لا ينبغي التفريط فيها وقد قال ذلك كثير من علماء الإسلام من قديم وفزع الصحابة أنفسهم حين وجدوا اللحن يتسرب أو يتسلل إلي ألسنة الموالي الذين كان بعضهم يخطئ في قراءة بعض الآيات القرآنية وقال عمر بن الخطاب مرة لرجل ¢ لخطؤك في كلامك أشد علينا من خطئك في سهامك¢. وليست العربية عبئاً علي أحد بل هي في الحقيقة مصدر قوة وامتدادي تاريخي وحضاري وعمق بشري حيث يجتمع من حولها مئات الملايين من المسلمين ومن ثم يجب العناية بها والعمل علي التمكين لها.
الدين والحياة
** لكن هناك من يدعو من العلمانيين ومن علي شاكلتهم بتهميش دور الدين في الحياة حتي يرتقوا كما ارتقي الغرب العلماني .. فماذا تقول لهم ؟
يؤكد المهتمون بفلسفة الحضارة والتاريخ علي أهميَّة الدِّين في بناء الحضارات الإنسانيَّة وأقدم لهؤلاء العلمانيين والتغريبيين شهادة جوستاف لوبون مؤرِّخ الحَضَارة المشهور الذي أوضح هذه الأهميَّة علي نحو قاطع حيث ذكر أن أهم المبادئ التي تسير عليها الأمم وتُعد منارة التاريخ المبادئ الدِّينيَّة التي كانت علي الدَّوام أهم عنصر في حياة الأمم ومن ثَمَّ كانت أهم عنصر في تاريخها ولذا كانت أكبر حوادث التاريخ التي أنتجت أعظَم الآثار هي قيام الديانات وسقوطها.ولم يغِب عن بالِ لوبون أن يؤكد فكرته عن أهميَّة الدين بما يسجله التاريخ من أن قيام الأمم بأعظَم الأعمَال كان في عصر هذا التطور الذي يحدثه الدِّين في نفوس أتباعه وبسببه تأسَّست أكبر الممالك التاريخية البارزة فإنه وجد أمامه تاريخ الأمة الإسلاميَّة التي نشأت وتطورت علي أساس تلك الفكرة الدِّينيَّة التي اقتبستها من محمد صلي الله عليه وسلم فاستطاع هؤلاء الذين ينحدرون من بعض القبائل العربية أن يقهروا أممًا كانت لا تعرف عنهم حتي الأسماء أقاموا تلك الدولة الكبري.
شهادات منصفة
** هل يعد جوستاف لوبون المؤرخ الغربي الوحيد الذي أكد أهمية الدين في تاريخ الحضارة الإسلامية في مختلف العصور ؟
بالطبع لا حيث نجد مثل هذا الرأي لدي المؤرِّخ والفيلسوف الكبير أرنولد توينبي الذي يقرر أن للعقائد الدِّينيَّة دورًا خطيرًا للغاية في مُجرَيات التاريخ حيث كانت البوذية سببًا في وجود حضارة الشَّرق الأقصي وكانت العقيدة الهندوكية وراء ميلاد الحَضَارة الهندية وكانت العقيدة المسيحيَّة سببًا في نشأة الحَضَارة المسيحيَّة الشَّرقيَّة والغربيَّة وكان الإسلام هو المصدر الذي انبثقت منه الحضارتان: العربيَّة والإيرانيَّة وهكذا كان للعقيدة أثرُها البارز في نشأة الحَضَارة الإنسانيَّة في عصورها المختلفة وفيما كان للعقيدة أثرها البارز في نشأة الحَضَارة الإنسانيَّة في عصورها المختلفة وفيما يتعلَّق بالإسلام خاصَّة أكد توينبي إلي أن التوفيق الذي أصابته الدولة الإسلاميَّة كان يرجع إلي العقيدة الإسلاميَّة وحدها .ومثل هذا الرأي موجود لدي فلاسفة آخرين ممن شُغلوا بفلسفة الحَضَارة وبيان أثر الدِّين في نشأتها وازدهارها ومثل هنري بِين وهرمان دي كسلرلنج وغيرهما ممن لاحظوا ذلك الارتباط بين الدِّين والحَضَارة علي نحو لا يمكن إغفاله أو إهماله وخاصة فيما يتعلقپپ بعلاقة الإسلام بحضارته التي قامت علي أساسه وبتأثيره فهو أصل نشأتها ومصدر وجودها وباعث نهضتها وأساس حضارتها وإليه ترجع عوامل ازدهارها وقوتها.
عوامل قوة الأمة
** رغم أن أمتنا ضعيفة إلا أن الأعداء ما زالوا يعملون ويخططون ألا تقوم لها قائمة ونحن من جانبنا نريد أن نبرز عوامل قوة الأمة لعلها تستعيد عافيتها فماذا تقول؟.پ پ
لابد أن نحسن قراءة التاريخ حتي نستفيد من ايجابيات الماضي ونتجنب الأخطاء ولا نكررها ومن يتأمل عوامل قوة الأمة الإسلاميَّة في عصرها الأول من قوة مادية ومعنوية وتأتي العقيدة علي رأس هذه العوامل جميعًا وما تبعها من يقَظة الوجدان والضَّمير وقوة الشعور بالمسئولية أمام الله ويرجع ذلك إلي أن العقيدة لم تكن فكرةً نظريةً خاملة خامدة في الشعور بل كانت قوة حية وكان من آثار تلك اليقظة للضمير التي هي نتيجة لقوة العقيدة وهيمنتها علي النفس أن وجدنا من العصاة من يذهب إلي الرَّسول صلي الله عليه وسلم ليعترف علي نفسه بأشد الجرائم وهو يعلم أن هذا الاعتراف سيُنزِل به أشد العقاب وقد كان يمكن له أن يستتر بستر الله له لأن الولاء للإسلام والانتماء إليه كان سابقًا ومقدمًا علي ما سواه من أنواع الانتماء والولاء الأخري ولقد كان هذا الولاء للإسلام يُعطِي للأمة عاملاً من أهم عوامل قوتها ويمدها بزاد متجدد من الصبر والاحتمال والقدرة علي مواجهة الصعاب ثم يعينها علي خوض المعارك في ميادين الجهاد.
ولابد أن نتأمل نقل الإسلام للعرب من العصبيَّة القبلية التي كانت سائدة قبل الإسلام إلي الوحدة القائمة علي الإيمان ثم وحد العرب وغيرهم من الشعوب الأخري التي أقبلت علي الإسلام وجعل من الجميع أمَّة واحِدَة متكافئة متماسكة كالجسد الواحد والبنيان المرصوصپ جمع المسلمين بأخوة تؤلف القلوب وتوحد الأمة بعد ان أقام تشريعه علي العدل الذي يستوي أمامه الجميع.
ولم تقف مسئولية الأمة والدولة في عصور الإسلام الزاهرة عند حد إبعاد الظلم أو إقرار العدل بل ترتفع إلي مستوي رفيع من الرحمة والرعاية للأفراد ومعاونتهم في مواجهة مشكلاتهم فمثلا تساعد الفقراء بتهيئة وسائل الكسب والعيش لهم وتساعد الغارمين في قضاء مغارمهم وتعاونهم في تدبير ضرورات حياتهم من المأكل والملبس والمسكن بل تساعد في تأثيث المسكن بالفرش والأثاث وتساعد غير القادرين علي الزواج ونحو ذلك مما تحدَّث عنه الفقهاء علي أساس من نصوص الشريعة وهذا ما لم تصل اليه أكثر الأمم رقيا وتقدما حتي الآن..فأين نحن من ذلك ؟
الوحدة ومفهوم الأمة
** كيف نستلهم ما فعله أجدادنا في وقت كانت فيه أوربا تعيش في الظلمات ؟
ما أحدثه الإسلام في توحيد المسلمين علي اختلاف لغاتهم وألوانهم في سنوات قليلة يشبه المعجزة لأن ذلك تم في سرعة ليس لها مثيل في التاريخ مع أن ذلك يقتضي في العادة جهودًا طويلة وزمنًا طويلاً هذا ما قاله جوستاف لوبون الذي يذكر أن الأمة الفرنسية لم تتمكن من توحيد مشاعرها وأفكارها وإيجاد روح خاصَّة بها إلا بعد عشرة قرون كاملة ومع ذلك لا يزال هذا التكوين ناقصًا جدًّا وربما كان أهم أثر ترتب علي الثورة الفرنسية في رأيه هو تعجيل هذا التكوين لأنَّها أجهزت علي الموانع الناتجة من تعدد الجنسيات الصغيرة في قلب الأمة ..أي أن وحدة فرنسا استغرقت قرابة الالف سنة فما بالنا اذا نظرنا الي خريطة الدولة الاسلامية في نهاية القرن الأول الهجري وبداية القرن الثاني سنجد دولة تضم اكثر من نصف العالم من المغرب الي حدود الصين.
مفاتيح النهضة
** كثر الحديث عن نهضة الامة وليس نهضة مصر فقط فما هو مفتاح النهضة من وجهة نظركم ؟
المفتاح في ثلاثة حروف هي ¢ العين - اللام - الميم ¢ بكل مشتقاتها خاصة ¢ علم وعمل ¢ حيث كونا معا أهم پعوامل قوة الدولة الإسلاميَّة پفي الماضي ولن ننهض الا بهما حيث لابد من تلازم علوم الدين والدنيا مع العمل الديني كأنك تموت غدا والعمل الدنيوي كأنك تعيش أبدا ويكفي ان نفهم معني نزول اول ايات القرآن ¢اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقي * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ¢ . لن تنهض الامة وتتقدمپ إلا بتكامل العلم والإيمان والعمل وكذلك تنشيط دور العلماء وطلبة العلم في نهوض المجتمع وتقدم المعرفة من خلالپ السير في طريق العلم والتفكير والعزم علي الوصول إلي أعلي المراتب العلمية.
مغالطة تاريخية
** ولكن الغربيين يقولون أننا أعداء العلم في حين يصفون بأنهم أرباب العلم في كل العصور .
هذه مغالطة لأن العلم في الإسلام ليس متصادما مع قدرة الله تعالي ولا تمردًا علي إرادته كما هو الشأن في بعض الحضارات السابقة علي الإسلام كالحَضَارة الإغريقيَّة القديمة التي تتمثل فيها المعرفة علي أنها جاءت قهرًا عن إرادةپ الآلهة وقد تم ذلك علي يد بروميثيوس الذي يوصف في الأساطير بأنه سارق النَّار المقدسة التي لم يكن زيوس كبير آلهتهم قد أنعم بها علي البشر خشية أن يصبح بنو البشر في غاية المهارة والمعرفة فيظنوا أنفسهم مساوين للآلهة ولكن بروميثيوس احتال للأمر حتي اقتبس النَّار من وهج الشَّمس فتعرض بذلك لغضب زيوس الذي انتقم من البشر جميعًا بسبب خديعة أحدهم له فابتلاهم بالأمراض والهموم ولكنه اختص بروميثيوس بأشد العقاب حيث أمر بتقييده بسلاسل من الحديد إلي صخرة عظيمة بحيث لم يكن يستطيع أن يحرك يدًا أو رِجلاً ثم سلط عليه نسرًا ضخمًا يأتي إليه كلَّ صباح لينقر جسده ويأكل كبده الذي ينمو مرة أخري في المساء وتلتئمُ جراحُ جسدِه لكي يأتيَ إليه النسر في الصباح الذي يليه وهكذا تتجدَّد آلامُه وأحزانه كل يوم بسبب سرقتِه للنار التي هي رمز للعلم والحياة في الأسطورة التي تكشف عن عقوبة الآلهة اليونانيَّة للإنسان عندما حاول أن يكتشف المجهول ويستقل بالعلم في غفلة منها أو رغمًا عنها.
مضحكة الأمم
** هذه مكانة العلم عند من يعيبون علينا تخلفنا العلمي ويريدون الغاء تاريخنا المجيد فيه .. فماذا عن مكانة العلم في ديننا الذي تقدم اجدادنا بسببه وتخلفنا وأصبحنا ¢ مضحكة ¢ الامم لتركه؟
العلم في الإسلام فهو فريضة يرفع أهلها أعلي الدرجاتپ حيث قال تعالي ¢يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتي¢ ومن هذه الدرجات التي ينالونها أنهم أهل الخشية لله القائل ¢إِنَّمَا يَخْشَي اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ¢ .كما انهم أهل العلم بآيات الله القادرون علي فهم الأمثال واستكشاف مواطن العبرة فيما خلقه الله القائل ¢وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ¢ . بل أنهم شهداء الله مِن خلقه علي التَّوحِيد لا يسبقهم فيه هذه الشهادة إلا الله تعالي وملائكته فقال ¢شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ¢ .والإنسان مطالب بالاستزادة منه دائمًا وليس أكرم علي الله من رسوله صلي الله عليه وسلم الذي أمره الله تعالي بقوله ¢وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا¢ . فالمشكلة اننا صورة منفرة للإسلام . واين نحن من قول رسول الله صلي الله عليه وسلم ¢من سلك طريقًا يلتمِس فيه علمًا. سلك الله به طريقًا من طرق الجنة. وإن الملائكة لتضع أجنحتَها لطالب العلم. وإن فضل العالم علي العابد كفضل القمر ليلة البدر علي سائر الكواكب. وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض وكل شيءي. حتي الحيتانُ في جوف الماء. وإن العلماء ورثة الأنبياء. وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا. وإنما ورثوا العلم. فمن أخذ به أخذ بحظ وافر.¢پپ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.