الفريق الإنقلابي الذي يؤلب الشعب علي الرئيس المنتخب يحاول أن يقنعنا بأن الثورة المرتدة علي النظام وعلي حكم الإخوان إنما هي بسبب ضعف الإنجازات والفشل في تحقيق مطالب الثورة الأصلية. على مدار عدة أشهر ظل الرئيس يكافح من أجل بناء قاعدة صلبة ينطلق منها باتجاه التنمية الشاملة ، وظل مؤيدي الرئيس يتنافسون لإظهار بعض النتائج المبدئية لنجاحات الحكومة في بعض المجالات ، ويتسابقون لإبراز الخطوات الأخرى التي اتخذت من جانب السلطة لمعالجة الأزمات المزمنة. في المقابل ظلت فضائيات مبارك ، وأبواق الثورة المضادة تمارس عادتها في الامتناع عن نشر أية أخبار إيجابية عن تحرك الرئيس والحكومة في مجال تحسين معيشة المواطن ، بل وبالعكس صارت تنشر الأكاذيب والشائعات، وتضخم من السلبيات والأخطاء ، وذلك كله بهدف بث روح اليأس في نفوس الشعب ، وتحطيم معنويات المصريين الذين اختاروا رئيساً ليعوضهم عن سنوات الفقر والحرمان ، فإذا بهم لا يحصلون إلا على وعود من جانب السلطة ، وعلي رسائل محبطة من جانب الإعلام الذي ينصب حفلات التعذيب كل ليلة للرئيس والإخوان والحكومة. نحن إذن أما معادلة خاطئة ولكنها للأسف موجودة وحقيقية ، طرف المعادلة الأول هو النظام الحاكم الذي يسعى لتنفيذ وعوده الانتخابية ، والطرف الثاني هو الإعلام الذي يسعى لتفريغ أي إنجاز من مضمونه ، أو تشكيك الشعب فيه ، هذا إذا اضطر إلي إذاعته أصلا بعدما يجري تشويهه ودس السم فيه ليخرج في النهاية إخفاقاً بعد أن كان في الأصل نجاحاً. وهذه مسألة سهلة فيكفي أن ترصد كاميرا صغيرة لتليفون محمول طابور خبز هنا أو مشاجرة هناك ، ثم يعمم الفيديو على مواقع الإنترنت وعلى قنوات الفلول الإباحية ، ليكون دليلاً على فشل الرئيس والحكومة والإخوان والإسلاميين ، طبعاً مع إضافة بعض البهارات من أي "خابور" استراتيجي يدسها على شكل مصطلحات فضفاضة ، وشعارات جوفاء. السؤال هو: متى يشعر المواطن بالرضا عن إنجازات الرئيس والحكومة؟ هل عندما يحدث إنجاز حقيقي على أرض الواقع ، أم عندما يقرر إعلام صفوت الشريف أن هذا الشيء يستحق أن يطلق عليه إنجاز؟! دعنا نجيب عن هذا التساؤلبذكر بعض الملاحظات: اشتريت سيارة جديدة واستخدمتها لمدة عام وقررت أنها ستكون سيارة العمر ، أخبرك صديقك مؤخراً أنه باع سيارته من نفس النوع لأنه سمع أن بها مشكلة في "الفرامل" ، صدقني .. أول تصرف لك في المرة التالية التي ستركب فيها سيارتك أنك ستبدأ في اختبار الفرامل ، وتظل تعيش في وساوس مستمرة حتى تفحصها عند "الوكيل" المختص ، وبعد أن تعلم أنها سليمة تقرر بيعها دون سبب مقنع إلا أن بداخلك شكوك نحوها. استلمت وظيفة براتب مغري ، حباتك استقرت وأحسست بالأمان ، أحد أصدقائك قال لك أنك "مضحوك عليك" ، وأنه يجب أن تأخذ ضعف هذا الراتب. من يومها وأنت تلعن الشركة ، وتطالب بزيادة راتبك الذي كنت بالأمس فقط تشعر بالقناعة تجاهه ولم يجر أي طارئ على حياتك. كنت مسافراً وشب حريق محدود في بيتك ، سيارات الإطفاء كسرت باب شقتك لتسيطر على الحريق. أحد الخبثاء اتصل بك ليخبرك بأن باب شقتك قد كسر. أصابك الهياج وتوعدت بالويل والثبور. ولم تعلم أنه إجراء لحمايتك وأبنائك من الحريق. هكذا يمارس الإعلام الحرب النفسية ، يثير الشكوك حول مشروع قناة السويس ، فيتحول المشروع إلى كابوس ، فتبدأ أنت في رفضه لأسباب واهية .. تماماً كما فعلت مع سيارتك الجديدة. بالرغم من أن مرتبات معظم القطاعات بالدولة ارتفعت ، وبعضها تضاعف ، إلا أن الناس سرعان ما نسوا ذلك وبدأوا يطلبون المزيد ، ذلك أن أحداً يلقي في روعهم أنهم مظلمون ويستحقون أكثر من ذلك. وعندما تحدث كارثة لا ذنب للسلطات فيها تجد السخط والغضب من الناس ، وما يدرون لعل تدابير أخرى اتخذت لحمايتهم من كوارث أخري أكبر وأفظع من قبيل الحريق الذي شب بشقة الرجل. عدم شعورك بالرضا ليس بالضرورة معناه أنك حياتك لم يطرأ عليها تحسن ، قد تتحسن أحوالك وتظل معها ساخطاً، لتتجنب ذلك لا تسمح لأحد أن يتدخل في تحديد مستوى الشعور بالرضا عندكوذلك من وجهة نظره هو. لا أفضل استعمال كلمة القناعة لأنها تعطى إحساساً بالتوقف عن التطلع للأحسن ، ولكن أحب أن نشعر بالرضا الذي يعني أن نتفهم الأسباب التي دفعتنا لأن نعيش في هذا المستوى.باختصار ..لن تشعر بالرضا إلا عندما تتخذ أنت قراراً بذلك. الإنجازات مسألة نسبية ، ولكن المؤلم أن يكون حسني مبارك (والمقصود هنا نظامه) هو المسئول عن تحديد حجم ونوع الإنجازات التي يقوم بها النظام الجديد والذي ثار أصلاً عليه. لا سبيل لدفع ذلك إلا بالوعي الشعبي بمفهوم الرضا ، وبمخطط الثورة المضادة لتفريغ كل إنجاز من مضمونه. وأخيراً على القائمين على الأمر أن لا ينزعجوا من حالات السخط التي تتصاعد بالرغم من المجهودات الهائلة التي تبذل في سبيل إرضاء الشعب ، أحسن البشر وأقربهم من الله ينسى النعمة التي منحه الخالق إياها ، ويغفل عنها ويطلب المزيد. فما بالك ببشر يطلبون حقوقهم من بشر مثلهم. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.