إنهم يجرونهم إلى العنف جراً رغم تأكيداتهم بأن مظاهرات 30 يونيه ستكون سلمية، من قال هذا؟ (سلمية دى تبقى أمك وعمتك ولا خالتك!)، (إنه يوم النحر العظيم للخرفان!)، (سنجبر الخرفان للعودة لحظائرهم!)، هذا غيث من فيض تشهده التعليقات على أخبار الصحف ومقالات الكتاب، بل وتتلفظ به مذيعات ومذيعون فى قنواتهم، بما يشبه السيل المنهمر من أعلى سفح الجبل من قبل الكارهين والمناوئين لمجرد ذكر اسم مرسى أمامهم، تزكيه تصريحات من يسمونهم نخبة من أمثال حمزاوى وحمزة وأبو حامد وبقية الطابور، ليلتقون عند ناسكهم البرادعى في النهاية، يقابله دفاع عن الوجود من (التيار الإسلامى الذى لا يطيقونه) بأننا من سيجبركم على احترام شرعيتنا ومجيئنا بالصندوق لنحكم هذا البلد.. أضف إلى ذلك السعار الذى تشهده الفضائيات وكل همها تهيئة الأجواء الساخنة لخلق حالة صدام صباح الأحد 30 يونيه، معتقدين أن هذا اليوم سيذهب بمرسى إلى الجحيم، لينقضوا على الوليمة التى يجهزون لها منذ تولى مرسى سدة الحكم، وهم لا يدرون أنهم يجرون الطرف الآخر للعنف جراً للدفاع عن وجوده، والبادئ أظلم على طريقة فيلم (جعلونى مجرماً)، فهم من سيبدءون بالعدوان، وحتماً سيكون الرد أعنف وأشد. السيناريو متوقع حدوثه بكل قوة، ومن يفسر الحالة التى نحن عليها الآن بغير ذلك فإنه لا يعرف طبيعة الشعب المصرى، فنحن سائرون جميعاً نحو يوم ستراق فيه الدماء لا محالة، ولن يخرج أى من الأطراف فائزاً فهذا ليس وطناً ندافع عنه أمام عدو جاء ليغتصبه، بل وطن يحتضن الجميع.. والجميع يريد الاشتباك الآن.. والعاقلون غاب صوتهم واختفت آثارهم، ووصل العند مداه ومنتهاه وكُل يعمل على طريقته الخاصة، المعارضة تفسر الوضع بأنها (الفرصة التى لن تتكرر يجب التمسك بها لقتل المشروع الإسلامى فى مهده).. هذا هو الهدف لا غيره، وغاب الوطن وسط هذه المعادلة، لا أحد يذكره بالخير، المهم إسقاط مرسى ومعه التيار الإسلامى كله، إنها الحرب التى ينتظرها العدو بشغف ويحلل نتائجها المدمرة من الآن، وأثارها على مصر.. وهم إليها يسارعون، فالشيطان يقودهم وهم يهرولون خلفه، يدفعهم دفعاً للتحرش بالنظام الشرعى واستفزازه وما يجرى على الساحة وضع لم يعد محتملاً، وليس أنجح الحلول لنيل الحقوق، واعتلاء سدة الحكم بإزكاء روح الفتنة وبث الفرقة. التيار الليبرالى مُقبل على كارثة لن يشتد عوده معها كما يتوقع هو، بل ستكون اليوم الذى سُيكسر فيه ويلملم جراحه جراء خسارته للرهان الذى يرى أنه سيكسبه.. رهان الديمقراطية على طريقته، فهو اليوم يلفظها ويبصق عليها، ويقول المثل (الكعكة فى يد اليتيم عجبة)، فهو يستكثر على التيار الإسلامى أنه اكتسب شرعيته بالصندوق، وهو نفس سيناريو الجزائر عندما حققت الجبهة الإسلامية للإنقاذ فوزاً كاسحاً فى الانتخابات التشريعية 1991.. فانقلبوا على شرعيتها وجردوها حقها، ليتحول أتباعها إلى ميليشيات مسلحة ليراق دماء الجزائريين على مدار عقد كامل من الزمان، (عملاً بمبدأ الحصول على الحق بالقوة)، طالما رفضتم أن يكون بالشرعية، هذا مثال ولا نود أن يتكرر فى مصر وأن يحفظها الله لنا جميعاً، لكنها تبقى تجربة ولا بد أن نتعلم منها. ففشل مرسى فى تعاطيه بعض المشاكل المتراكمة ليس سببًا مقنعًا لخلعه بالقوة، أو بالتظاهر والعصيان، ولم يحدث مثل هذا النموذج الذى نحن بصدده فى أى من دول العالم قد تكون التظاهرات للضغط لإجراء انتخابات مبكرة أو تغيير حكومات وليس لإسقاط نظام شرعى، فالثورات لا تتكرر ولا تستنسخ، واندلاعها لا يكون إلا لأسباب قاهرة على نظام مستبد مغتصب ديكتاتورى، ومرسى لم يغتصب الحكم ولم يأت على ظهر دبابة ولم يسن قانوناً يكبت الحريات، بل يعد الرئيس الأول فى العالم الذى يهان بشكل غير مسبوق من معارضيه، كدليل لإثبات فشلهم فدائماً ما تكون الشتيمة لغة العاجز! الموقف يزداد اشتعالا ويمهدون لما بعد مرسى، فجميعهم يؤكد أن محمد مرسى انتهى، فعكاشة على قناة الفراعين أذاع بيان الثورة ومطالب الشعب ويكررها فى برنامجه كل ليلة، ويلغى شرعية هى موجودة بالفعل.. و(المثقفون) المرابطون فى مكتب وزير الثقافة أكدوا عدم شرعيته واستبدلوه برئيس آخر خلاص.. المخرج خالد يوسف يرتدى ثوب الأسد ويراهن على سيادة قانون الغابة، وممدوح حمزة يؤكد أن مرسى (بح خلاص) والبوصلة تسارع الدوران فى كافة الاتجاهات لا تلاحق بين أراجيف إعلامية هنا، وأخرى هناك، كلهم يروجون لإسقاط الشرعية، وكأن بديلهم موجود على أحد الرفوف فى السوبر ماركت سيأتون به ويضعونه فى أى من قصور الرئاسة، كل الأعراف أسقطوها وكل الحجج استنفدوها، غيبوا صوت العقل، بل ويسارعون نحو الانتحار الجماعى.. وسقط منهم سهواً أو عمداً أن جماعة الإخوان المسلمين وبقية التيار الإسلامى رقم موجود من ضمن الأرقام على الساحة المصرية، وإلغاؤه من معادلة الأرقام بمثابة الانتحار، فكيف تلغى هوية شعب كامل يدين بالإسلام لتطبق أيديولوجية تؤمن بها لفظها الصندوق وكشف ضعفها وقلة حيلتها وعدم وجودها؟ وقد يأتى رئيس جديد بعد مرسى على أشلاء جثة الوطن، ويلاقى نفس المقاومة المستميتة من الطرف المناوئ له بنفس الحدة وتقديم قانون الغاب لخلعه، ولعلهم يتعظون قبل الانتحار يوم الأحد 30 يونيه.. (اللهم بلغت.. اللهم فاشهد).