وكأننا نسعى للموت بأيدينا، ونسارع نحو انتحار مؤكد دون تفكير أو اكتراث بتجارب الآخرين من حولنا، فالسعار الذى ارتفعت وتيرته من التيار الليبرالى ضد الرئيس محمد مرسى والدعوة لإسقاطه مساء 30 يونيه، يعد سفهاً وتجاوزاً واضحاً لأبسط قواعد الديمقراطية، التى ارتضاها هذا التيار الذى ابتليت به مصر وسعى إليها ونادى بها لتكون خيارًا يحتكم إليه المصريون جميعاً، لينقلبوا عليها سريعاً طالما خذلهم الصندوق، ورأوا بأم أعينهم شعبيتهم فى الشارع وكفر الناس بهم وبدعواهم الداعية لزعزعة استقرار البلد، ليكشفوا عن وجههم الحقيقى ومدى كرههم واحتقارهم للإسلام وليس (التيار الإسلامى)، ونسوا أن مصر دولة يدين أهلها بهذا الدين الحنيف، ولا مجال أمام أحد ليتجاوز ويتعدى على سلطة الشعب واختياراته أياً كانت، فهو من يقرر مصيره، ولا مجال لأحد ليتحدث باسمه ويتبنى وجهات نظر ترفضها الأغلبية، وليس كما نرى من دعوات للخروج على مرسى وإسقاطه والتبجح من البعض بسحله أمام قصر الاتحادية، معتبرين أن ذلك عملاً ديمقراطيًَا يحق لهم عمله والافتخار به، وهم فى الأساس يبحثون عن دور لم ولن يجدوه طالما استمروا على هذا النهج (العافيجى) الداعى لاغتصاب السلطة بالقوة، التى أُخذت بالصندوق ويرون أن استردادها بالذراع فرض عين وجهاد مقدس فرضته العلمانية، بحسب فهم هؤلاء وضيق أفقهم، فلم نر مثل هذه الدعوات فى كل دول العالم بهدم شرعية نظام انتخبه الشعب، ودائمًا من يدعى القوة مات بالأضعف وليتهم يعلمون، فما يقبل عليه الليبراليون الذين يصفون أنفسهم بالمثقفين الحقيقيين باستعراض العضلات وتقمص دور الفتوة، بدعم من إعلام غير مسئول يدير معركة (هدم المعبد على الجميع)، وتشجيعهم الدائم على ضرورة المشاركة في تظاهرات 30 يونيه، لن يغفره لهم التاريخ وسيكونون أول المنتحرين بالقدوم على عمل لن يبقى ولا يذر، فليست هكذا تدار الأمور باغتصاب سلطة شرعية اختارها الشعب ودعمها، فكل الثورات تواجهها دائمًا تحديات فى بدايتها، فبعد الهدوء تفاجأ فئة كانت تظهر فى المشهد السياسي بأن كان وجودها بمثابة الوجود الهلامى الذى روج لهم الإعلام مهملاً الأغلبية الحقيقية التى يلتف حولها الشعب، وهو ما تفاجأت به النخبة السياسية المصرية من ليبراليين ويساريين واشتراكيين وغيرهم بأنهم كغثاء السيل، لتكون صدمتهم مدوية، بأن يجدوا أنفسهم ليسوا سوى رقم لا قيمة له فى الحسابات القائمة رغم ما يروج له إعلامهم من ترهات وخزعبلات، بأنهم الأكثر عدداً ونفراً.. ليأتى تصرفهم ورد فعلهم بقدر الصدمة بأن ينتهجوا نهجاً (عافيجياً) لإحداث تغيير فى خريطة الشرعية التى رسمها الشعب، حتى لو كلف ذلك الوطن دماء أبنائه وصراعات لا تنتهى فى المستقبل بخلق شقاقات بين فصائل الشعب ودفعه لمحاربة بعضه بعضاً، وهو ما نحذر منه بأن سقوط جدار الشرعية وانهياره، بتشجيع من إعلام المارينز بحسب وصف الشيخ خالد عبدالله، سيكون اليوم الأخير الذى لن يبقى أثرًا لجسد الأمة، ولن يستطيع أى فصيل سيأتى من بعد مرسى أن يعيد أشلاء الوطن الممزقة مرة أخرى.. فحالة الشحن المتزايدة التى عليها الشارع المصرى، الدافع الرئيسى لها الأزمات التى ورثها مرسى بما يشبه "الدمامل" التى انفجرت فجأة فى عهده ولم يكن متسبباً فيها أو صانعاً لها بأى حال من الأحوال، نعم هناك بعض الأخطاء، وهذا طبيعى فى ظل أجواء ملبدة لم تشهد الصفاء يوماً واحداً، فى أسوأ ظروف تمر بها البلاد وسوء حظ واضح للرئيس مرسى وجماعة الإخوان المسلمين، ولو أن رئيساً آخر ورث مبارك، لكنا شاهدنا ما لم نشاهده من قبل، وكانت المعاناة هى نفسها والمشاكل ذاتها، وهو ما لم يتفوه به أحد، لأنهم فقط كارهون للفضيل الحاكم، ولم يقدم أحد له العذر فى المشاكل الكارثية التى تمر بها البلاد، بل يضغطون عليها ويضخمونها ليظهروه بدور الفاشل، فخُلْع نظام شرعى لن يحل كل مشاكلنا بالضغط على زر سحرى يقودنا من دولة متعثرة إلى واحة الأمن والأمان ويشعر المواطن أنه تنفس الصعداء، وسيرى ما لم يره فى عهد مرسى، فالفشل فى انتظار من سيقود لو سقط مرسى، ولن يستطيع العبور بالبلد إلى ما يؤكد أنه جدير بقيادتها، إلا لو اتسم الجميع بالهدوء واحترموا الشرعية واقتنعوا أن الديمقراطية الخيار الذى اختاره الشعب، وعلينا أن نفكر قليلاً ونتريث قبل القدوم على انتحار جماعى يذهب ضحيته البلد وشعبه الغلبان، ومن يفكر فى النزول يوم 30 يونيه لن يجنى سوى خيبات أكثر وفشل أوسع، وإحباط ليس له علاج، سينقلب لاكتئاب وحالة مرضية مزمنة لا شفاء منها، ووقتها ستكون الخيارات صعبة وقاتلة، فى الوقت الذى نحن فى حاجة لتوافق وتماسك داخلى لنواجه كل خطر خارجى.