يواصل السودانيون الإدلاء بأصواتهم وسط حالة من الإرباك اليوم الأحد في أول انتخابات تعددية منذ نحو ربع قرن، والتي يتوقع أن يحافظ فيها الرئيس عمر البشير على منصبه الرئاسي الذي يتولاه منذ انقلاب 1989. وفُتِحَت مراكز الاقتراع صباح اليوم في الشمال كما في الجنوب، لكن الناخبين لم يبدأوا بالإدلاء بأصواتهم إلا بعد ربع ساعة حيث كان الموظفون لا يزالون منهمكين في فتح دفاتر التصويت ورزم بطاقات الاقتراع وصناديق الاقتراع المصنوعة من البلاستيك في حين كان الناخبون ينتظرون في الخارج. وقالت صفاء البالغة من العمر 24 عامًا في مركز اقتراع في حي الخرطوم-2: "حضرت قبل الثامنة لاعتقادي أن كل شيء سيكون جاهزًا، لكن ها أنا لا أزال انتظر". وأوضحت أمها سهام التي ترتدي مثل معظم السودانيات ثوبها التقليدي المزين بالورود: "هذه أول مرة أصوت فيها في حياتي... خلال آخر انتخابات في 1986، لم أكن في السودان". يبلغ عدد الناخبين الذين سجلوا أصواتهم 16 مليونًا من أصل 40 مليون نسمة، بينهم ثمانية ملايين في الجنوب. ويدلي الناخبون بأصواتهم في 10750 مركزًا ومحطة اقتراع في ولايات البلاد الخمس والعشرين والتي تخضع ثلاث منها، هي ولايات إقليم دارفور المضطرب في الغرب، لقانون الطوارئ. وتستمر عملية التصويت طيلة أيام الأحد والاثنين والثلاثاء، ويتوقع أن تعلن النتائج الأحد المقبل. ويتعيّن على الناخبين في هذه الانتخابات المعقدة، اختيار الرئيس والمجلس الوطني (البرلمان) ومجالس الولايات في عموم البلاد، في حين ينتخب الجنوبيون كذلك رئيس حكومتهم ومجلسهم التشريعي. وأدْلَى زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان سالفا كير المرشح لرئاسة حكومة الجنوب بصوته في وسط مدينة جوبا عاصمة الجنوب المتمتع بحكم شبه ذاتي منذ التوقيع على اتفاق السلام مع الشمال في 2005. واستغرقت عملية الاقتراع 20 دقيقة وهي مدة طويلة حيث يتعيّن على ناخبي الجنوب أن يملئوا 12 بطاقة اقتراع. وبعد وضع أول بطاقة اقتراع في الصندوق، رفع سالفا كير يده ليظهر أصبعه الملطخ بالحبر أمام المراقبين الدوليين وبعض عناصر الأمن. وينافس سالفا كير على رئاسة حكومة الجنوب لام اكول زعيم الحركة الشعبية-التغيير الديمقراطي. وقال سالفا كير إثر خروجه من مركز الاقتراع وهو يرتدي قبعته الشهيرة ويحمل عصاه: "لقد أدليت بصوتي، من دون أي مشكلة... لم يسبق لي أن انتخبت في حياتي... آمل أن تكون هذه بداية تكوين العملية الديمقراطية في جنوب السودان". وطبعت بطاقات الاقتراع بالعربية في جنوب السودان حيث الإنكليزية هي اللغة السائدة إلى جانب لغات محلية أخرى، ولكنها تحمل كذلك رموز مختلف الأحزاب والمرشحين. ويشكل تنظيم الانتخابات السودانية الرئاسية والنيابية والإقليمية جزءًا من اتفاقية السلام التي تنصّ على أن ينظم بعدها استفتاء مقرّر في مطلع 2011 سيقرر فيه سكان الجنوب بشأن بقائهم ضمن السودان الواحد أو الانفصال عنه. وقرّرت الحركة الشعبية لتحرير السودان المسيطرة في الجنوب مقاطعة انتخابات الشمال والمشاركة فقط في الولاياتالجنوبية العشر وولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان المحاذيتين للجنوب، مما رأى فيه بعض المحللين اتجاهًا نحو الانفصال. وتقدم لهذه الانتخابات في الإجمال 14 ألف مرشح، ويشرف عليها أكثر من 300 مراقب من الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية ومؤسسة الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر، ومن اليابان والصين. ويقاطع عدد من أحزاب المعارضة الرئيسية الانتخابات التي باتت نتيجتها محسومة لصالح الرئيس عمر البشير على المستوى الرئاسي. واتّهم المرشحان المنسحبان من السباق الرئاسي ياسر عرمان ممثلاً للحركة الشعبية لتحرير السودان، والصادق المهدي زعيم حزب الأمة التاريخي ورئيس آخر حكومة انبثقت عن انتخابات تعددية، حزب المؤتمر الوطني بالعمل على تزوير الانتخابات واعتبرا أن الظروف غير مهيأة لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة وخصوصًا في ولايات دارفور الثلاث غرب البلاد حيث يسود قانون الطوارئ بسبب النزاع بين الحكومة والمتمردين. ويرفض متمردو دارفور الانتخابات لكنهم لم يهددوا بتخريبها. ولكن الانتخابات قد تشهد منافسة حامية على مستوى انتخابات البرلمان ومجالس الولايات، وخصوصًا في جنوب السودان والولايات المحاذية له، كما يرى مراقبون.