اصطف السودانيون الأحد (11-4)، للإدلاء بأصواتهم في أول انتخابات منذ قرابة ربع قرن ستختبر وحدة بلادهم وسط مزاعم بالتزوير. وأدلى الرئيس السوداني عمر البشير، الذي كان يرتدي الجلابية التقليدية وعمامة بيضاء، بصوته ظهر الأحد. وحيا الحشد بقوله (الله اكبر) رافعا يده ليظهر اصبعه الملطخ بالحبر لدى خروجه من مركز اقتراع مدرسة سان فرنسيس القريب من مسكنه ومن مقر رئاسة الجيش والامن وسط الخرطوم. وسار حشد من أنصار البشير خلفه واحاطوا بسيارته وهم يهتفون (الله أكبر). وشهدت بعض مراكز الاقتراع فوضى إذ تعين على سلفا كير رئيس حكومة جنوب السودان الانتظار 20 دقيقة تحت شجرة حتى يفتح مركز الاقتراع الذي سيدلي فيه بصوته في جوبا عاصمة الجنوب وأفسد بطاقة اقتراعه الأولى عندما وضعها في الصندوق غير المخصص لها. وبدأت تتشكل الصفوف صباح الأحد في الخرطوم حيث ساد الشوارع هدوء غير معتاد وسط وجود مكثف للشرطة وكانت هناك أنباء عن تأخير في مناطق أخرى. وقالت الشرطة السودانية إنها ستنشر 100 ألف من قوات الأمن في أنحاء شمال السودان لحراسة مراكز الاقتراع ومنع وقوع اضطرابات خلال التصويت الذي يستمر ثلاثة أيام لاختيار رئيس للبلاد وزعيم للجنوب شبه المستقل والمجالس النيابية وحكام الولايات. وباتت نتيجة الانتخابات الرئاسية محسومة لصالح البشير من الجولة الاولى بعد انسحاب مرشح الحركة الشعبية لتحرير السودان ياسر عرمان ومرشح حزب الأمة الصادق المهدي من السباق. وقال أحمد عبد الله وهو مسئول كبير في مفوضية الانتخابات بالسودان، نعرف انه لا توجد انتخابات بلا أي عيوب وهذه الانتخابات لن تشذ عن هذه القاعدة. وأضاف إن هذه الانتخابات لن تحول السودان فجأة إلى مجتمع ديمقراطي، مشيرا إلى أن هذا سيتطلب وقتا وخبرة. وتقول جماعات معارضة ونشطون إن حتى مثل هذه التوقعات المتواضعة لن تتحقق وانها تقدمت بشكاوى عديدة تتعلق بالتزوير ومخالفات أخرى مما يثير شكوكا بشأن مصداقية أول انتخابات متعددة الأحزاب تجري في السودان منذ 24 عاما. وفي الخرطوم وقف الناخبون أو جلسوا في صفوف طويلة لأكثر من ساعة ليشاركوا في عملية التصويت المعقدة التي يتسلم الناخبون فيها ثماني بطاقات اقتراع في الشمال و12 في الجنوب. واصطف الرجال في طوابير منفصلة عن النساء وطلب من الناخبين غمس إصبع في حبر أخضر اللون لا يمكن إزالته بسهولة قبل الإدلاء بأصواتهم. وقال الفاتح خضر وهو طيار عمره 55 عاما وأحد الناخبين في حي الرياض بالعاصمة، إنه كان ينبغي على السلطات فتح المزيد من مراكز الاقتراع لاستقبال جموع الناخبين. وأضاف "هناك حشود كبيرة وكان يجب توافر المزيد من المعلومات لأن هناك جيلا جديدا كاملا لم يدل بصوته قط". وانتشر شعور بالحماس في شوارع جوبا لأن كثيرين يعتبرون أن الانتخابات مقدمة لاستفتاء على استقلال الجنوب من المقرر إجراؤه في يناير كانون الثاني 2011. وينص اتفاق للسلام وقع عام 2005 وأنهى أكثر من عقدين من الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب على إجراء الانتخابات والاستفتاء. وقال رئيس جنوب السودان سلفا كير بعد أن أدلى بصوته، هذه هي المرة الأولى التي أدلي فيها بصوتي وهي بداية طيبة لعودة السودان إلى الديمقراطية.. أتمنى أن تكون أساسا لديمقراطية المستقبل. وذكر شاهد إنه كان بين الناخبين ما يصل إلى 300 امرأة انتظرن لأكثر من ساعة في بلدة ملكالبجنوب السودان، فيما حاول المسؤولون ايجاد عربات لتوصيل بطاقات الاقتراع. وفي منطقة دارفور بغرب السودان والتي تشهد صراعا مستمرا منذ سبعة أعوام بين ميليشيات حكومية ومتمردين نقلت جماعات اغاثة موظفين من المناطق النائية إلى المدن تحسبا لوقوع اضطرابات. وفي الخرطوم وفرت شركات الحافلات مزيدا من المركبات مع مغادرة عدد ضخم من السكان للمدينة بعضهم خشية وقوع اعمال انتقامية متصلة بالانتخابات والبعض الآخر لانتهاز فرصة الانتخابات التي تستمر ثلاثة أيام لزيارة قراهم.
حرب دينية من ناحيته، أكد الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر أثناء مراقبته لسير عملية الاقتراع في اليوم الأول للانتخابات الأحد (11-4)، أن انهيار الانتخابات السودانية وانهيار اتفاق السلام المرتبط بها يمكن أن يشعل حربا دينية على المستويين الوطني والإقليمي. وقال كارتر الموجود في الخرطوم على رأس فريق من مراقبي الانتخابات إنه من المهم أن تمر الانتخابات السودانية بسلام بسبب الموقع الاستراتيجي للبلاد وأهمية اتفاق السلام، وأضاف أنه يعتقد أنه في حال وقعت أعمال عنف أو تعطيل هنا في السودان فربما ينتشر الأمر إلى جزء كبير من أفريقيا. وتابع، هناك احتمال أن يكون هناك استقطاب للتأييد أو العداء بين الشمال المسلم والجنوب غير المسلم حيث إن الدول المجاورة بعضها له التزام عميق بالمسيحية وبعضها غير ذلك، وربما يقود إلى احتمال نشوب صراع ديني وآخر إقليمي في هذا الجزء من أفريقيا. وسئل عما قد يثير مثل هذا الصراع تحديدا فأجاب أنه قد يحدث في حالة انهيار العملية الانتخابية برمتها انهيارا يسفر عن أعمال عنف من الجانبين، وأضاف أقول إن ذلك لا يمكن أن يحدث إلا إذا تعطلت العملية المنصوص عليها في اتفاق السلام الشامل تماما وهو ما لا أتوقعه طبعا. وقال كارتر إن مراقبيه أفادوا بحدوث بعض التأخير ومصاعب في مراكز الاقتراع في مختلف أنحاء السودان ولكنه مرتاح لما رآه في الخرطوم صباح اليوم، وأضاف أن: الأمر طيب للغاية لا عنف لا تخويف لا جهود لتعطيل عملية الانتخاب التي تسير بنظام. وانتقد كارتر الرئيس السوداني عمر البشير لأنه هدد بطرد المراقبين الذين يدعون لتأجيل الانتخابات وقطع أصابعهم، وكان مراقبو مركز كارتر قد قالوا إنه ربما يكون من الضروري تأجيل الانتخابات لفترة قصيرة. وقال كان ذلك خطأ فادحا من جانبه، مشيرا إلى أن معاوني البشير أكدوا له أن تلك التهديدات صدرت في حماسة خطبة انتخابية وأن البشير نفسه رحب ببعثة كارتر في كلمة أدلى بها في وقت لاحق. وأدلى السودانيون اليوم بأصواتهم وسط حالة من الارتباك في أول انتخابات تعددية منذ نحو ربع قرن يشهدها السودان ويتوقع أن يحافظ فيها البشير على منصبه، الذي يتولاه منذ انقلاب 1989.
ندم بسبب المقاطعة وأبدى نازحو إقليم دارفور ندمهم الأحد (11-4)، بسبب عدم مشاركتهم في الانتخابات، للتعبير عن رأيهم والمطالبة بحقوقهم. وقال آدم إسحق عمدة مخيم أبو شوك "لم يسجل منا سوى عدد بسيط لا يتجاوز 4400 شخص"، ومخيم أبو شوك هو مخيم تأسس في 2004، يعيش فيه اليوم نحو 60 ألف نسمة في بيوت متجاورة مصنوعة من تربة المكان الطينية. وأضاف إسحق "كان هناك ارتباك لدى التسجيل، البعض هنا لا يؤمنون بأن السلام قادم، ويريدون أن يسجلوا في قراهم ليضمنوا حقهم في العودة إليها"، موضحا "نحن نعيش هنا مأساة حقيقية، و نطالب بالسلام قبل الانتخابات"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن اتفاق السلام الشامل الموقع في 2005 بين الحكومة والمتمردين الجنوبيين، "لم يكن شاملا لأنه لا يشملنا، لذلك لم يكن لدينا أمل من هذه الانتخابات". يذكر أن "الجانجويد" هي الميليشيا العربية المؤيدة للوحدة، وهى تواجه مزاعم بالهجوم على القرى غير الموالية للخرطوم وتشريد أهلها، في إطار النزاع بين الحكومة وحركات التمرد التي تطالب بحصة منصفة من التنمية في دارفور. وتعتبر الانتخابات الحالية الأكثر تعقيدا في العالم، حيث يتعين على الناخب في شمال السودان الإدلاء برأيه في ثماني بطاقات لانتخاب الرئيس والولاة والمجلس الوطني ومجالس الولاة، وفق نظامي الدوائر والقوائم.