بعد ثورة 25 يناير 2011، أصبح من اللائق أن نطهر كل الأماكن التى أصابها العطب وامتدت إليها أيادي الإهمال والفساد، وبما أن الأدب عنصر فعال ومرآة للشعوب، وكانت مصر فى بدء عصر النهضة المهيمنة والتي انطلقت منها شرارة التجديد وصارت مقصد كل المهتمين والدارسين، إلا أنها فى العقود الخمس الأخيرة بدأت تنسحب من الساحة نتيجة هيمنة الدولة على كل المنابر الثقافية، وطفا على الساحة كل متملق وذو نظرة ضيقة.. من يتمسك برأيه ويستورد النظريات التى ثبت فسادها فى الغرب، ليفرضها فرضاً على الساحة بنفوذه فى الجامعة والهيئات الثقافية الأخرى.. استخدم هؤلاء مبدأ الإقصاء للعناصر المثمرة التى تخاصم النفاق والملق، والتركيز بالإشادة على العناصر الضعيفة التى يسهل شراؤها، فلا تستعجب أن يبايع الأدباء الرئيس السابق فى كل مؤتمر أدبي، وقد شاهدت هذا بنفسي مراراً، والمرة الأولى التى عقد فيها المؤتمر فى غياب الرئيس دورة ديسمبر 2011 فاجأنا أحد الوجوه (فؤاد حجازى)، والتي كانت تصفق وتؤيد وترسل برقيات المبايعة، ووجدناه يتهم الشعب بالجهل والتخلف وسوء الإرادة، وأنه شعب قاصر فى الانتخابات الأخيرة التى فاز فيها الإسلاميون، ولم يحتج الوزير أو رئيس هيئة قصور الثقافة الذى كان يجلس بجواره، لأنهم كانوا جزءًا من هذا الماضى البغيض.. لا يحيون فى وسط صحي، لأن هذا الوسط الصحي أن تضع الرجل المناسب فى المكان المناسب، وهذا الوضع لا يعرف الملق والنفاق، ومبدأ "الإشادة والإقصاء" المتبع حالياً بالدوائر الثقافية، وعلى أساسه يتم اختيار اللجان ومنح الجوائز وكافة أشكال التكريم، وقد استطلعنا رأى العديد من الأساتذة والأدباء المخلصين الذين رفضوا أن ينضموا إلى (حظيرة الوزير الفنان) الذى ينطبق عليه بيت المتنبي الذى زار مصر قبل ألف ومائة عام وقال: وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا هذا الرجل الفنان استخدم عبقريته الفنية فى الإتيان بعجائب الأمور التى تثير التساؤل كاللوحات التى يبدعها.. أراد قبل بضعة عشر عامًا الاحتفال بمرور مائتي عام على قدوم الحملة الفرنسية التى أفنت عشر سكان مصر تقتيلاً، وهدمت الآثار المصرية التى حافظ عليها العرب، ونهبت المخطوطات والكتب من المساجد التى تم هدمها واستباحتها وعلى رأسها الجامع الأزهر (لاحظ أن الذى يهدم التماثيل والآثار الفرعونية وينهب الكتب والتحف هم أسيادهم فى الفكر - الفرنسيون - وليس الإسلاميون الذين حافظوا عليها عند فتحهم لمصر وحتى الآن)، ولما هب الشعب المصري الذى كان يخاصم هؤلاء، وقف هؤلاء الأدباء يناصرون الوزير الفنان.. وقفوا يعقدون المؤتمرات فى مؤسسات الدولة التى تنفق عليها ضرائبها وخزانتها والتي كانت حكراً عليهم، لم يسمحوا لتيار يخالفهم أن يطرق أبواب تلك المؤسسات والهيئات التى كانت حقلاً للتجريب واستيراد المذاهب الغريبة التى ثبت فشلها فى الغرب.. كانت هناك هوة سحيقة بينهم وبين الجماهير، ووقفوا يرمون هذه الجماهير بالتخلف، وأنهم لا يفقهون (حزب الكنبة)، كانت مؤلفاتهم تطبع لترص فى المخازن لا يقبل عليها الناس رغم زهد ثمنها، وإذا أعادت هذه الهيئات طبع الكتب القديمة التى ألفت فى عصور الأصالة الفكرية والليبرالية الحقيقية تراها تنفذ فور صدورها، كسلسلة "الذخائر"، و"ذاكرة الكتابة"، وسلسة "التراث" والأعمال الأدبية والتاريخية الأخرى. وكان أن جاء أحد زعماء الحظيرة (جابر عصفور) ليخلف الوزير الفنان أثناء الثورة بعد جمعة الغضب ويقسم لسيدة مبارك "قسم الوزارة"، وما إن رأى أن شمس الفرعون آخذة فى الزوال انسحب ليختلق حجة الاحتجاج وينضم إلى الثوار.. وأين كان هو يوم جمعة الغضب؟ فى هذا اليوم الذى راح ضحيته مئات الشهداء.. يتلون ويتواءم مع الوضع الجديد، وكان هذا الرجل يهدد مخالفيه فى الماضى بأمن الدولة ويحجب عن المخلصين والمستحقين الدرجات العلمية، وضج من ظلمه وعسفه كل الأساتذة الأجلاء، ومنهم الدكتور محمد مصطفى هدارة الذى هو بمثابة أستاذه، وكان أن شكا هدارة الرئيس المخلوع من تصرفات "خليفة الوزير الفنان"، ورمى السيد الرئيس بالشكوى فى سلة المهملات.. ومد المخلوع لهذا الرجل سنوات طويلة أخرى بمنصبه الحساس أمينًا للمجلس الأعلى للثقافة.. هؤلاء الذين يظهرون فى قنوات الفلول وغسيل الأموال يثيرون الفرقة ويخلقون حالة من الاستقطاب.. ليس كل الأدباء كانوا كذلك، وإنما كانت الفئة الرابحة والمتربحة من رجالات الوزير الفنان "أدباء الحظيرة".. كان معظمهم (الأدباء) يتميزون من الغيظ لسوء الأحوال الأدبية، ولكن لا مجيب.. وتأخر التغيير والتطهير وكان مثقفو مبارك يخرجون لسانهم للشعب، وساروا على نهج سيدهم فاروق حسنى وبنفس رجال سوزان مبارك التى أغدقت عليهم الجوائز والعطايا، وطالما تساءلنا هل الثورة لم تصل وزارة الثقافة؟ الفساد يسير فى ردهات الوزارة.. فوجئنا ذات يوم أن أحد وزراء الحظيرة قدم استقالته ليحصل على جائزة الدولة التقديرية التى رشح نفسه لها وضغط على مرءوسيه للفوز بها، حدث هذا مع وزير آخر رشحه أحد الحظائريين (الذى قال لن نسمح بتديين الثقافة وأسلمة الأدب) بالفوز بجائزة عربية كبرى، فكان الجميل أن عينه أميناً عامًا للمجلس الأعلى للثقافة، حدث هذا فى وزارة "عودة الفلول للساحة" التى رأسها الدكتور كمال الجنزورى، وبعد أن تمكن اليأس من أنفسنا استيقظنا على تعيين الرجل المارد علاء عبدالعزيز الذى أطاح بهؤلاء خارج تكية الثقافة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.