السيد القاضى جيرهارد رايسنر، رئيس الاتحاد العالمى للقضاة.. تحية واحترامًا.. ذكرت لك فى الجزء الأول من خطابى أننى سوف أقدم لك الإجابة على السؤال الآتى: ما السلطة المختصة بتعيين النائب العام فى ظل الوضع الدستورى والقانونى الحالي؟ سوف أقدم لك الرد الصحيح الذى أستند فيه إلى الدستور والقانون وأحكام القضاء ذاته، لتحكم بنفسك على من قالوا لك إن (الرئيس أصدر ذلك بشكل يخالف القانون). ***** فى ظل الدستور السابق – دستور 1971 – فإن مواد الدستور لم يرد بها أى نص يتعلق بنظام تعيين النائب العام, وكان النص الذى يحكم مسألة تعيين النائب العام هو النص الوارد فى قانون السلطة القضائية فى المادة رقم 119 والتى تنص على أن: "يعين النائب العام بقرار من رئيس الجمهورية من بين نواب رؤساء محاكم الاستئناف أو مستشارى محكمة النقض أو المحامين العامين الأول على الأقل وللنائب العام أن يطلب عودته إلى العمل بالقضاء، وفى هذه الحالة تحدد أقدميته بين زملائه، وفق ما كانت عليه عند تعيين نائب عام مع احتفاظه بمرتباته وبدلاته بصفة شخصية". وبناء على ذلك النص القانونى، فإن المشرع قد عهد إلى رئيس الجمهورية (وحده) بالسلطة فى تعيين النائب العام, وذلك دون الرجوع إلى مجلس القضاء الأعلى، لا بالموافقة ولا بأخذ الرأى, فقد اعتبرها القانون سلطة يمارسها رئيس الجمهورية (منفردًا). وقد ظل الوضع القانونى على ذات النحو فى أعقاب ثورة 25 يناير المجيدة، وحتى بعد إيقاف العمل بدستور 1971، وفى ظل الإعلانات الدستورية التى أصدرها المجلس الأعلى للقوات المسلحة آنذاك, كما ظل الوضع كما هو أيضًا فى ظل الإعلانات الدستورية التى أصدرها السيد الدكتور رئيس الجمهورية. وحتى فى ظل الإعلان الدستورى الذى أصدره السيد الدكتور رئيس الجمهورية، والذى وضع قاعدة بمقتضاها تحددت مدة شغل النائب العام للمنصب بأربع سنوات يعود بعدها إلى منصبه فى القضاء, والتى بناءً عليها أصبح المنصب شاغرًا فى ذلك الوقت بسبب انقضاء مدة شغل المنصب, وقام السيد الرئيس بناءً على ذلك بإصدار القرار الجمهورى بتعيين النائب العام الحالى, فإن الوضع كما هو من حيث اختصاص رئيس الجمهورية منفردًا بتعيين النائب العام. وفى الدستور المصرى الجديد لعام 2012، ورد فى الفصل الخاص بالسلطة القضائية نص خاص بالنيابة العامة والنائب العام، وهو نص المادة 173 من الدستور والذى ينص على أن: ".......... ويتولى النيابة العامة نائب عام يعين بقرار من رئيس الجمهورية, بناء على اختيار مجلس القضاء الأعلى ........"، إلا أن المشرع الدستورى رغبة منه فى عدم حدوث فراغ تشريعى يؤدى إلى اضطراب أو إخلال بحسن سير المرافق العامة إذا سقطت القوانين السابقة على صدور الدستور الجديد فور صدوره، فقرر صراحة فى المادة 222 منه استمرار نفاذ كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدوره ولم يكتف بذلك، وإنما قرر فى ذات المادة عدم جواز تعديل هذه القوانين واللوائح أو إلغائها إلا وفقا للقواعد والإجراءات المقررة فيه وذلك لإتاحة الفرصة المناسبة للمشرع فى أن يتدخل – تبعًا لأولوياته – بتعديل ما يراه من قوانين بتعديل وسن ما يراه من قوانين أو لوائح تتوافق مع الدستور الجديد. وبمقتضى النص الدستورى سالف الذكر، فإن النائب العام يعين بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى, إلا أن إعمال هذا النص يستلزم حتمًا إجراء تعديل تشريعى على قانون السلطة القضائية, إذ أن النص الوارد بقانون السلطة القضائية الحالى ما زال يسند سلطة تعيين النائب العام إلى رئيس الجمهورية وحده. ومن حيث إنه من المبادئ الأساسية فى تفسير الدستور أن النصوص الدستورية تفسر متساندة, إذ أن نصوص الدستور كلها على درجة أو مرتبة واحدة. (حكم المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 34 لسنة 17 قضائية دستورية بجلسة 4-1-1997 بشأن تفسير حكم المادة 191 من دستور 1971 والتى تطابق فى الشق الأول منها حكم المادة 222 من دستور 2012). وبناء على ما سبق، فإن مقتضى إعمال المادة 222 من الدستور الحالى – سالفة الذكر - لزومًا وحتمًا هو نفاذ وسريان جميع القوانين واللوائح الصادرة قبل الدستور الجديد ومن ضمنها المادة 119 من قانون السلطة القضائية والتى تسند سلطة تعيين النائب العام إلى السيد رئيس الجمهورية وحده. وقد أكدت ذلك محكمة القضاء الإدارى – الدائرة الأولى – فى حكمها الصادر فى الدعوى رقم 33223 لسنة 63 ق بجلسة 1-1-2013. كما أكدت ذات المعنى فتوى الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة بتاريخ 28-1-2013 (ملف رقم 58\1\276). ومن ثم فإنه لا محل للقول بخطأ السيد رئيس الجمهورية فى تعيين النائب العام، لأن القانون الواجب التطبيق هو قانون السلطة القضائية الحالى، إلى أن يتم تعديله، ويظل تعيين النائب العام من سلطة رئيس الجمهورية وحده, ويبقى هذا النص القانونى الأخير ساريًا ونافذًا - طبقًا لنص الدستور - طالما أن المشرع لم يتدخل حتى الآن لتعديله. وخلاصة ما سبق أن المادة 119 من قانون السلطة القضائية الحالى تظل سارية حتى الآن, ولا يجوز الامتناع عن تطبيقها نفاذًا لصريح حكم المادة 222 من الدستور، وبالتالى فإن رئيس الجمهورية وحده يكون هو المختص بتعيين النائب العام وفقًا للمادة 119 من قانون السلطة القضائية، وذلك حتى يتم إجراء تعديل تشريعى وفقًا للإجراءات المنصوص عليها فى الدستور الجديد. ******* السيد القاضى جيرهارد رايسنر: ها هى أحكام القضاء وفتاويه فى موضوع تعيين النائب العام الجديد تؤكد صحة قرار فخامة رئيس الجمهورية فى تعيينه. أرجوك أن تشرحها لمن قالوا لك إن (الرئيس أصدر ذلك بشكل يخالف القانون)!! وفى خطابى التالى سوف أقدم لك حكمين فى غاية الأهمية من محكمة الاستئناف بالقاهرة ومن المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة المصرى. وللحديث بقية. أنتهز هذه الفرصة لأعرب لك عن احترامى وتقديرى. اللواء الدكتور عادل عفيفى E mail : adel.afify @gmail.com